الحوكمة مفتاح الوصول إلى أسواق رأس المال في الخليج
الأحد, 12-يناير-2014
ستيوارت أندرسون -
رغم مرور خمسة أعوام على انهيار بنك «ليمان براذرز»، لا تزال الأزمة المالية تلقي بظلالها الكبيرة على اقتصادنا العالمي. وفي ظل البيئة الاقتصادية العالمية التي تعاني من ضعف مستحكم، يبقى تطور أسواق رأس المال في دول مجلس التعاون الخليجي أمرا حيويا لتحفيز النمو المستقبلي. وبالتالي، تحمل الحوكمة المؤسسية ذات القوة الأكبر في المنطقة مفتاح تنمية أسواق رأس المال. وفي الواقع، يقود ضعف الحوكمة المؤسسية إلى إعاقة النمو الاقتصادي.
ويؤمن الكثيرون بقدرة أسواق رأس المال على خلق حلقة قوية لنمو اقتصادي مستدام. وتسهل أسواق رأس المال الأكثر عمقا وسيولة جنبا إلى جنب مع إصدارات السندات العادية والعائدات السيادية الضخمة من إمكانية وصول المقترضين المؤسسيين إلى أسواق رأس المال، كما تتيح هذه الأسواق للمؤسسات الوصول بثقة إلى أسواق السندات والصكوك، بما يكفل تنويع مصادر التمويل وجذب الاستثمار الأجنبي. وبالإضافة إلى ذلك، فقد باتت أسواق السندات تلبي متطلبات التمويل المؤسسي بشكل أكبر، مما يمكّن البنوك من استهداف فرص عمل جديدة وإعادة فتح قنوات تمويل تقليدية، وتمويل نمو مؤسسي معزز تبعا لذلك.
وعجّلت الأزمة المالية الآسيوية في أواخر تسعينات القرن الماضي من تعزيز قوة أسواق السندات الآسيوية المحلية، حيث قادت إلى تشكل قطاعات مالية أكثر مرونة واستقرارا في عموم منطقة جنوب شرقي آسيا. وكان تعزيز قوة الحوكمة المؤسسية ركيزة أساسية في هذه الاستراتيجية، حيث تم توفير مستويات معززة من الشفافية للمستثمرين الأجانب، مما حسن من إمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال وخفّض من تكلفة الدين المرتفعة. ومع ذلك لم تتبع دول مجلس التعاون الخليجي هذا النموذج، على الرغم من حدة الأزمة الاقتصادية العالمية. وعوضا عن ذلك، لا يزال الضعف النسبي المتواصل للحوكمة المؤسسية في دول المجلس - إلى جانب الاعتماد التقليدي على تمويل غير ملتزم قصير المدى - يشكل عبئا كبيرا على تطوير أسواق رأس المال في المنطقة، ويواصل بالتالي عملية إبطاء النمو الاقتصادي.
وغالبا ما يؤدي ضعف معايير الحوكمة المؤسسية إلى الحيلولة دون بحث المستثمرين الدوليين عن الفرص في دول مجلس التعاون الخليجي. وقد تفاقم هذا الأمر نتيجة ارتفاع مستوى التدقيق العام والسياسي والتنظيمي للمستثمرين الدوليين - وكيفية إدارتهم لرؤوس أموالهم - منذ بداية الأزمة المالية العالمية. ويواجه المستثمرون الدوليون المحتملون في دول مجلس التعاون الخليجي عددا من التحديات على مستوى الحوكمة المؤسسية في المنطقة، بما في ذلك الهياكل المغلقة لملكية الشركات، ونقص استقلالية مجالس إدارة الشركات وضعف ممارسات الشفافية والإفصاح. وقد تؤدي هذه العوامل إلى تعريض المؤسسات إلى مخاطر ضعف الإدارة وفي الحالات القصوى إلى الاحتيال. وبالإضافة إلى ذلك، قاد فائض السيولة في السابق بعض الشركات الخليجية إلى الاستثمار بشكل انتهازي في المشاريع والاستثمارات الواعدة، وأحيانا من دون إدراك المخاطر التي ينطوي عليها ذلك بشكل كاف.
ومن التحديات المؤسسية التي غالبا ما يثيرها المستثمرون إمكانية التعامل مع ضعف ممارسات الشفافية والإفصاح بصفة خاصة. وقد يكون تحضير البيانات المالية وفقا لمعايير إعداد التقارير المالية الدولية خطوة إيجابية، وينطبق ذلك أيضا على الحسابات المدققة بالكامل والتقارير المالية الربعية التي يمكن الحصول عليها وتتوافر بشكل مجاني. كما قد يكون تعزيز ممارسات الإفصاح عن الحوكمة من خلال توفير التفاصيل المتعلقة بكيفية تفاعل مجالس إدارة الشركات والمسؤولين التنفيذيين وكيفية الموافقة والتعامل مع عمليات صنع القرار الداخلية أمرا مفيدا للغاية للمستثمرين المحتملين، وبشكل مشابه لما عليه الحال في تعزيز ممارسات الإفصاح عن الملكية المباشرة وغير المباشرة. وبالإضافة إلى ذلك، يعد تطبيق سياسات وإجراءات أكثر صرامة على مستوى إدارة المخاطر؛ ووضع مسودات لاستراتيجيات استثمار وسياسات مالية شاملة وتبني مجموعات شاملة من معايير الحوكمة، من الخطوات التي تستطيع الشركات اتخاذها على الفور - وقد تم تنفيذ ذلك بالفعل من قبل مجموعة من المؤسسات في دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد بدأت المؤسسات في المنطقة تدرك أن تعزيز ممارسات الحوكمة المؤسسية بمثل هذه الطرق سيكون أمرا حيويا للنمو والتطوير المستقبلي، وسيحسن من قدرة وصولها إلى أسواق رأس المال الدولية، وينوّع مصادر تمويلها، ومن المحتمل أن يخفض من تكلفة الدين المستحق على فترات زمنية أطول. وتشهد المنطقة تطورات على مستوى التشريعات، وقد بدأت الشركات بتحويل ثقافتها المؤسسية بشكل تدريجي نحو اعتماد شفافية أكبر، مع تطلعها لبناء قدرة وخبرة في مجال الحوكمة المؤسسية. كما بدأت الشركات في إدخال تحسينات عدة، ويعد التوجه العام إيجابيا، حيث يتم تبني ممارسات أكثر تطورا، بالتماشي مع ازدياد ضغوط المستثمرين الدوليين لإحداث تغيير. ومع ذلك، سيستغرق هذا الأمر وقتا.
وبعد خمسة أعوام من انهيار «ليمان براذرز»، فإن هناك دليلا على تطورات تدريجية في مجال معايير الحوكمة المؤسسية في عموم المنطقة. إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي تنافس للحصول على الاستثمار الأجنبي في سوق عالمية متشابكة وتنافسية، في الوقت الذي لا تزال فيه تكاليف رأس المال والمخاطر المنفرة التي يواجهها المستثمرون عالية. وفي هذه البيئة الاقتصادية الحالية، ستحتاج الشركات العاملة في مختلف أنحاء المنطقة إلى تطبيق عملية إصلاح جذري أكبر لسياسات الحوكمة المؤسسية ليكون في مقدورها المنافسة بفعالية. ومنذ الأزمة المالية الآسيوية فإنه يُنظر إلى تطور أسواق رأس المال باعتباره مفتاحا للوصول إلى التنمية الاقتصادية. والآن بات من الواضح بشكل متزايد أن الحوكمة المؤسسية تحمل مفتاح الوصول إلى أسواق رأس المال.
*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية.
* المدير العام والمدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في وكالة ستاندرد آند بورز.
|