العرب . . من حروب النفط إلى حروب الغاز
الأحد, 05-مايو-2013
الميثاق إنفو -
هل بات على العرب دفع استحقاقات حروب الغاز كما دفعوا ولايزالون حتى الساعة الكثير في حروب النفط؟
علامة استفهام مثيرة للغاية رسمتها يد القدر، في الأعوام القليلة الماضية، وها هي تبعاتها تنسحب على سماوات المنطقة عبر غطاءات دعائية ثورية عديدة في حين تتخفى الحقيقة وراء الأكمة، وفي عمق حقول الغاز الطبيعي المكتشف شرق أوسطياً . . من أين للمرء أن يبدأ هذه الأحجية المأساوية لاسيما إن مضت بها المقادير على هذا النحو؟
من البيانات التي صدرت في شهر مارس/آذار من عام 2010 أي قبل اندلاع ما عرف بثورات الربيع العربي بنحو عام عن “الهيئة الأمريكية للمسح الجيولوجي”، والذي اعتبر عند العديد من المحللين المتابعين للشأن الشرق أوسطي بداية لزمن حروب جديدة، وتمثلت تلك البيانات في الإشارة إلى مخزون من الغاز الطبيعي المكتشف في المنطقة الواقعة بين أعلى السواحل السورية وحتى جنوب فلسطين المحتلة وغزة، والذي يقدر بنحو 122 مليار قدم مكعبة، ما يعني أننا أمام الحوض الأكثر ثراء في العالم بالغاز .
هل لهذا الاكتشاف علاقة ما بما يدور في سوريا اليوم وما يجري على صعيد العلاقات “الإسرائيلية” التركية؟
قبل الجواب ربما يتحتم علينا التوقف عند مرحلة سابقة من مراحل “درب الآلام العربي”، جرت بها المقادير في ليبيا، وكان الغاز الطبيعي أيضاً هو السبب المباشر في إطاحة نظام القذافي، رغم ما قدمه لأمريكا وأوروبا عامة ولفرنسا خاصة، فقد قدر لشركة النفط الفرنسية “توتال” اكتشاف حقل غاز طبيعي مهول في ليبيا أطلق عليه اسم “إن سي 7 NC7”، ويقع غرب البلاد، ومن شأنه أن يكفي حاجة أوروبا من الغاز لمدة ثلاثين سنة، ويبدو أن القوى الاستعمارية التقليدية في أوروبا قد تيقنت من الاكتشاف وحيويته بالنسبة لمستقبلها، وكيف أنه الأرفع والأنفع بالنسبة لها، كما أنه سيدفع عنها بعيداً الضغوطات الروسية بقطع إمدادات الغاز عنها في قلب الشتاء، ولذلك كانت فرنسا تحديداً رأس الحربة بمشاركة ظاهرية بريطانية ودعم أمريكي خفي متستر بأجنحة الناتو العسكرية .
هل كانت ليبيا هي الموقع والموضع الأول لحروب الغاز عربياً، وفي الشرقين الأوسط والأدنى على حد سواء؟
يضيق المسطح المتاح للكتابة عن الدخول في سردية التفصيلات، غير أنه من دون اختصار مخل يمكن إرجاع الحروب الأمريكية في العقدين الماضيين، لاسيما ما جرى في أفغانستان، وتالياً في العراق إلى الغاز والنفط وإمداداتهما لواشنطن وبقية عواصم الغرب .
في هذا السياق لم يكن أساطين اليمين الأمريكي المتطرف من المحافظين الجدد ليداروا أو يواروا تلك الأهداف، فعلى سبيل المثال تحدث “جون بولتون” مهندس بعض من تلك الحروب، ورمز المحافظين الجدد الأشهر ذات مرة ليست بعيدة قائلاً في وصفه للشرق الأوسط وما حوله: “إنها منطقة إنتاج النفط والغاز الطبيعي، تلك المهمة والحساسة، التي حاربنا فيها لأجل حماية مصالحنا من التأثير السيئ للعدو، الذي يجعلنا إما نخسر إمداد النفط والغاز الطبيعي أو نحصل عليه بأسعار باهظة التكلفة” .
وعودة إلى السؤال المتقدم هل ما يجري في سوريا اليوم هو جزء من ذلك الصراع أم لا؟ والجواب أن المسألة أوسع جغرافيا من سوريا فقط، إنها تتعلق بما أطلق عليه البعض “طريق الحرير” الجديد للقرن الحادي والعشرين، والمتمثل في أنابيب النفط والغاز القادمة من أفغانستان مروراً بباكستان وبحر العرب نحو شواطئ بيروت وقبرص واليونان، مروراً بالخليج العربي والعراق، وهو خط تتصادم فيه إرادات الأقطاب الدولية القائمة والمقبلة . متمثلة في واشنطن وموسكو وبكين .
ولعل الجدل الأمريكي الروسي اليوم حول سوريا تحديداً يتضح من خلال المصالح البراغماتية في المنطقة، لا استناداً إلى المواقف الأخلاقية، ذلك أن موسكو أرادت أبداً ودوماً أن تبقي واشنطن خارج الفناء الخلفي لها في آسيا الوسطى، وإذ بها تفاجأ باقترابها منها في أفغانستان وجورجيا، ولذا كان الرد السريع في مياه البحر الأبيض المتوسط، وعبر تواجد الأسطول الروسي الباحث عن إعادة أمجاد بطرس الأكبر وكاترين العظيمة .
والشاهد أن حضور روسيا في الأزمة السورية به جانب كبير من الصراع الاقتصادي، فروسيا تريد أن تبقى إمبراطورية الغاز في العالم تحت أمرتها، لاسيما أن واشنطن وفي القريب جداً بحدود عام 2015 -2017 ستضحى الأولى عالمياً في إنتاج النفط بعد اكتشافه بكثافة في بعض ولاياتها وفي صخور جبال بأكملها ما يقلب الموازين الجيو سياسية حول العالم .
والثابت أيضاً أن روسيا لا تريد لسوريا أن تقع في براثن الاحتلال الأوروبي أو الأمريكي حتى وإن عاد من الشباك هذه المرة بعد أن خرج في زمن الاستقلال من الباب، والسبب في ذلك أنه حال وقوع نظام الأسد ربما تفقد روسيا أحد أهم أوراق الضغط التي تمتلكها تجاه أوروبا، أي تصدير الغاز لها، وهي ورقة لها ميزة استراتيجية في مواجهة أطماع الناتو بالامتداد شرقا حتى حدود روسيا . . ماذا يعني ذلك وكيف؟
باختصار موضوعي فإنه بعد الاكتشافات النفطية في حوض البحر الأبيض المتوسط فإن نصيب “إسرائيل” منه بحسب تقديرات شركة “نوبل أنرجي” العالمية يتجاوز ال 760 مليار متر مكعب، وهي كمية تزيد عن احتياجات “إسرائيل” في الداخل لمدة 150 عاماً، وعليه فإن علامة الاستفهام إلى أين يذهب الفائض المكتشف من الغاز عند “إسرائيل”؟
الجواب البديهي إلى أوروبا الأقرب جغرافياً والتي تريد التحرر من القبضة الروسية المورد الرئيس للغاز، والتي تمارس وقتما تشاء ضغوطاتها على الجمهوريات السوفييتية السابقة لوقف تصدير الغاز إلى أوروبا وعندما تشاء أيضا .
في هذا السياق العولمي المتشابك والمعقد فإنه حال تغيرت الخريطة السياسية في المنطقة، وسقوط نظام الأسد، فإن مجريات اللعبة الإقليمية والدولية ستتغير بدورها في لبنان، وسيكون هناك مستقبل آخر للمقاومة في الجنوب، وربما تتعرض لهجومات “إسرائيلية” أمريكية مشتركة تقضي عليه، بما يسمح بإعادة رسم الحدود الشمالية للبنان مع “إسرائيل” أمنياً أولاً، ولاحقاً التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية المشتركة بين البلدين جغرافيا، لاقتسام الحصص في الغاز الطبيعي المشترك، هل يعني ذلك أن القضية لن تكون حروباً فقط، بل لها تبعات سياسية وعسكرية مهمة للغاية كفيلة بتغير شكل المنطقة في القرن الحادي والعشرين، كما غير النفط ملامح العالم العربي في القرن العشرين؟
ذلك كذلك بالفعل، وهذه علامة استفهام في حاجة إلى ورقة بحثية مطولة، لكن في إيجاز يمكن الإشارة إلى أن اكتشافات الغاز كفيلة بأن تشعل حروباً جديدة حتى إذا انتهت الأزمة السورية ببقاء أو ذهاب نظام الأسد، ذلك أن “إسرائيل” وفي رؤيتها الاحتلالية الإمبريالية دائماً وأبداً تهيمن اليوم بالقوة على بعض مصادر الغاز المكتشف في المياه الإقليمية المصرية، وهو ما سوف تتنبه له مصر مستقبلاً، وقد تكون بالفعل متنبهة له، غير أن فترتها الانتقالية الحالية تعوقها عن متابعة هذا المشهد، هل تستعد “إسرائيل” عسكرياً لمواجهة تلك الاحتمالات وفي طريقها للسيطرة على غاز البحر الأبيض المتوسط؟
من يرجع إلى تصريحات وزير البنى التحتية في حكومة نتانياهو السابقة “عوزي لانداو” يرصد كيف نبه الرجل وهدد باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن مخزون الغاز الطبيعي في البحر، وفي ذلك إشارة للبنان ومصر على حد سواء .
وهنا يبقى طبيعياً ما أشارت إليه مصادر عسكرية من أن “إسرائيل” تسعى لشراء عدد من السفن العسكرية الأحدث حول العالم من أجل حماية “طوافات” البحث عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط واستخراجه خارج المياه الإقليمية “الإسرائيلية” لمسافة تمتد 150 كيلومتراً، وستبلغ كلفة تلك السفن ومنظومة الدفاع المرافقة لها ما قيمته مليار دولار، تخطط الحكومة “الإسرائيلية” لتوفيرها من الأرباح الضخمة للشركات المستخرجة للغاز .
على أن الأمر بالنسبة إلى مصر تحديداً لا يتوقف عند مخاطر الصراع العسكري، بل ينسحب أيضاً للأضرار بمصالحها الاقتصادية، فبعد أن كان الغاز المصري المورد ل”إسرائيل” أداة للضغط عليها من جهة، ومدخلاً ماليا قومياً من جهة أخرى، ستفقد مصر هاتين الميزتين مرة وإلى الأبد، ما يضعف مواقفها تجاه العربدة “الإسرائيلية” المعتادة في المنطقة .
أخيراً وهذا موضوع قائم بذاته، يتساءل المرء هل كان استئناف التحالف الوثيق بين تركيا و”إسرائيل” مرجعه الغاز؟
هناك توجه سياسي مشترك بين أنقرة و”تل أبيب” للانتقام من دمشق، لكن الغاز كان عاملاً مشتركاً في التسريع بعودة العلاقات، لاسيما بعد التنسيق القبرصي مع “إسرائيل” حول الغاز الأمر الذي دفع تركيا لعدم إخلائها الساحة لخصم لها في الحال وخصوم في الاستقبال، هل هو زمن من حروب الغاز فعلاً وقولاً؟
يخشى المرء من الأسوأ الذي لم يأتِ بعد .
*. تقرير منشور في صحيفة الخليج الاماراتية.
|