المصارف الكبيرة وذيولها الطويلة
السبت, 04-مايو-2013
سيمون جونسون -
هناك روايتان متنافستان حول جهود الإصلاح المالي الأخيرة والمخاطر التي تفرضها المصارف البالغة الضخامة في مختلف أنحاء العالم الآن. والواقع أن إحدى الروايتين خاطئة؛ أما الأخرى فهي مرعبة.
في قلب الرواية الأولى، التي يفضلها المسؤولون التنفيذيون في القطاع المالي، تقبع رؤية مفادها أن كل خطوات الإصلاح الضرورية اتخذت بالفعل (أو سيتم اتخاذها قريبا). فقد أصبحت ديون المصارف أقل نسبة إلى مستويات الأصول التي تملكها مقارنة بما كانت عليه في عام 2007. كما أصبحت القواعد الجديدة التي تقيد مجال الأنشطة التي تزاولها المصارف سارية في الولايات المتحدة، وستتحول إلى قانون قريباً في المملكة المتحدة ـــ وقد تحذو أوروبا القارية حذوها. ويزعم أنصار هذا الرأي أيضاً أن المصارف العملاقة أصبحت قادرة على إدارة المخاطر بشكل أفضل من أدائها قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وفي الرواية الثانية، تظل أكبر مصارف العالم أضخم من أن تُدار بكفاءة ولا تزال لديها حوافز قوية تدفعها إلى الانخراط في ذلك النوع على وجه التحديد من الإفراط في خوض المجازفات، الذي قد يتسبب في إسقاط الاقتصادات. وتُعَد خسائر المتاجرة التي تكبدها في العام الماضي ''حوت لندن'' في مصرف جيه بي مورجان تشيس مثالاً بالغ الوضوح لهذا. ووفقاً لأنصار هذه الرواية، فإن كل المصارف الكبرى تقريباً تُظهِر أعراض سوء الإدارة المزمن.
ورغم أن المناقشة الدائرة حول المصارف العملاقة تبدو فنية أحيانا، فإنها في واقع الأمر بسيطة للغاية. فما عليك إلا أن تطرح على نفسك هذا السؤال: إذا وقعت مؤسسة مالية عملاقة في ورطة، فهل يشكل هذا أهمية كبيرة فيما يتصل بالنمو الاقتصادي، ومستويات البطالة، وما إلى ذلك؟ أو بشكل أكثر وضوحا، هل من الممكن أن تقع سيتي جروب أو شركة أوروبية مماثلة لها في الحجم في المتاعب فتتعثر مرة أخرى لتقترب من الإفلاس من دون اجتذاب شكل ما من أشكال الدعم من قِبَل الحكومة أو المصرف المركزي (سواء تم هذا بشفافية أو بشكل مستتر بعض الشيء)؟
لقد اتخذت الولايات المتحدة خطوة في الاتجاه الصحيح مع الباب الثاني من قانون إصلاح دود ـــ فرانك في عام 2010؛ وهو ما أدى إلى تعزيز صلاحيات الحل التي تتمتع بها مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية. وقد وضعت مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية بعض الخطط المعقولة المصممة خصيصاً للتعامل مع الشركات المالية المحلية. (أنا أعمل في اللجنة الاستشارية للحل النظامي التابعة لمؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية؛ وكل الآراء الواردة هنا تعبر عن وجهة نظري الشخصية).
لكن هناك أسطورة كبرى كامنة في قلب الحجة التي تسوقها الصناعة المالية بأن كل شيء على ما يرام. ذلك أن صلاحيات مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية لن تفلح في التعامل مع المؤسسات المالية الضخمة المعقدة عبر الحدود. والسبب بسيط: فالقانون في الولايات المتحدة قادر على خلق سلطة حل لا تعمل إلا في إطار الحدود الوطنية. والتعامل مع الإفلاس المحتمل لشركة مثل سيتي جروب سيتطلب إبرام اتفاق عبر الحدود بين الحكومات وكل الهيئات المسؤولة.
على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي التي انتهت أخيرا في واشنطن العاصمة، حظيت بالفرصة للتحدث مع كبار المسؤولين ومستشاريهم من دول مختلفة، بما في ذلك من أوروبا. ووجهت إليهم جميعاً السؤال نفسه: متى يصبح لدينا إطار ملزم للحل عبر الحدود؟
وراوحت الردود بين ''ليس في حياتنا'' و''أبدا''. ومرة أخرى، السبب بسيط: ذلك أن الدول غير راغبة في تعريض سيادتها للخطر أو تقييد أيديها بأي شكل من الأشكال. وتريد الحكومات امتلاك القدرة على اتخاذ القرار بشأن أفضل السبل الممكنة لحماية المصالح الوطنية لبلدانها عندما تندلع أي أزمة. ولا أحد على استعداد للتوقيع على معاهدة أو التزام مسبق يحمل أي شكل من أشكال الإلزام (وغالبية أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، الذين يتعين عليهم أن يصدقوا على مثل هذه المعاهدات، هم الأكثر عزوفاً عن هذا بطبيعة الحال).
لكن ما الجزء الآخر من عالم الشركات الذي يمتلك القدرة على دفع الاقتصاد العالمي إلى الركود، كما فعلت المصارف في خريف عام 2008؟ وما الجهة الأخرى التي لديها الحافز لتعظيم حجم الديون التي تصدرها إلى أقصى حد ممكن؟
إن العنصر المشترك بين الروايتين بشأن الإصلاح المالي يتلخص في أن الروايتين تقودان إلى نهاية غير سعيدة. وإما أن نضع سقفاً واضحاً لحجم أضخم مؤسساتنا المالية، أو يتعين علينا أن نعد أنفسنا لانفجار اقتصادي قادم حتماً نتيجة للديون.


*نقلا عن الاقتصادية