قبرص واللحن الحزين
السبت, 30-مارس-2013
هارولد جيمس - تستطيع أوروبا أن تختار اللحن المصاحب لها إلى أزمتها الأخيرة. ففي برلين، عُرِض للتو فيلم فيفتي سنت ''كل شيء ينهار''، ولعل الموسيقى التصويرية لهذا الفيلم تكون مناسبة. أو ربما تلجأ القارة إلى جوزيبي فيردي الذي ولِد قبل 200 عام الذي كان عمله قبل الأخير، وربما عمله الأعظم على الإطلاق، أوبرا تبدأ على ساحل قبرص بعاصفة شديدة العنف، وكانت العبارة الافتتاحية لبطلها عطيل: ''ابتهجوا وافرحوا. لقد انتصرنا في الحرب''؛ ولكن عطيل دمر إنجازه هذا بسبب غيرته في وقت لاحق. واليوم، يبدو أن قبرص قد أُنقِذَت. ولكن عملية الإنقاذ كانت سبباً في تغذية انقسام متزايد يعرض مستقبل التكامل الأوروبي للخطر، ويرجع هذا جزئياً إلى الطريقة التي تمت بها إعادة تمثيل الاضطرابات العنيفة التي شهدتها بدايات القرن العشرين ــــ خاصة أزمة الكساد الأعظم ــــ في المناقشات التي دارت حول الانهيار المالي بعد عام 2008 وأزمة اليورو اللاحقة. كان الركود الاقتصادي في فترة ما بين الحربين مستعصياً لأنه كان مصحوباً أيضاً بأزمة ضربت الاستقرار الاجتماعي، والديمقراطية، والنظام السياسي الدولي. وكان انتشار الإفلاس وارتفاع معدلات البطالة من الأسباب التي أدت إلى تفاقم التوترات الاجتماعية، الأمر الذي جعل انتهاج السياسة الديمقراطية الطبيعية أمراً مستحيلا. وفي ألمانيا، مركز زلزال انهيار الديمقراطية، ثارت ثائرة المتطرفين على اليمين واليسار ضد التسوية السلمية بعد الحرب العالمية الأولى ومعاهدة فرساي. في السنوات الأخيرة غير المستقرة من عمر جمهورية فايمار، ومع انضواء الديمقراطية، بدأت الحكومات الألمانية تستغل تطرف خصومها في محاولة لانتزاع تنازلات أمنية من القوى الغربية. وأصبحت الضغوط السياسية الداخلية مصدراً للتوتر الدولي المتصاعد. وهذه هي حال أوروبا اليوم أيضا. فقد أصبحت الديمقراطية هدفاً أساسياً للشكاوى من قِبَل النخبة الأوروبية. فقد أعرب جان كلود يونكر رئيس وزراء لوكسمبورج، والرئيس الأسبق للمجموعة الأوروبية، عن امتعاضه، زاعماً أن زعماء أوروبا يعرفون ما السياسات الصحيحة التي يتعين عليهم اتباعها ولكنهم لا يعرفون كيف يُعاد انتخابهم بعد تنفيذها. وعلى نحو مماثل، شرح رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي بنبرة حزينة بعد هزيمته الساحقة في الانتخابات الأخيرة أن الناخبين الإيطاليين كانوا أقل صبراً من أن يتحملوا الإصلاحات التي ما كانت فوائدها لتتضح إلا بعد الدورة الانتخابية. كما كشفت الأحداث في قبرص عن بعدين آخرين للخصومات حول أزمة الديون السيادية والأزمة المصرفية في أوروبا. فأولا، تعمل المناقشة الدائرة حول فرض ضريبة على الودائع المصرفية، وما إذا كان من الواجب إعفاء صغار العملاء، على الدفع بالصراع الطبقي إلى الصدارة. وثانيا، كانت مسألة المودعين الأجانب، خاصة الروس ــــ إلى جانب القرب من سورية ــــ سبباً في تحويل قضية إنقاذ القطاع المصرفي القبرصي إلى مشكلة علاقات دولية. ولم يأتِ الاقتراح الأولي بفرض ضريبة لمرة واحدة على الحسابات التي تحتوي على أقل من 100 ألف يورو من الاتحاد الأوروبي أو ألمانيا، بل من الحكومة القبرصية، التي لا بد أن تكون على علم بأن هذا الاقتراح من المرجح أن يولد قدراً كبيراً من الغضب، وأن البرلمان القبرصي لن يصوت أبداً لمصلحته. وربما تصورت الحكومة أن الاحتجاجات الحاشدة ــ مع لافتات تندد بالاتحاد الأوروبي باعتباره ورقة التوت التي تحجب الهيمنة الألمانية المتجددة على أوروبا ــــ قد تعمل على تعزيز قبضتها على السلطة. ولكن حتى القبارصة من المعتدلين قد أعربوا عن غضبهم الشديد إزاء استئساد ألمانيا وأوروبا على جزيرتهم الصغيرة. وعلى جبهة العلاقات الدولية، فبعد عام 2010، ومع رحيل الودائع الأوروبية عن المصارف القبرصية، زادت الودائع من الشركات الروسية والأفراد ــــ وروسيا لديها عديد من الأسباب لاستخدام المال كوسيلة لشراء السيطرة السياسية. فقبرص تُعَد نقطة انطلاق بالغة الأهمية للعمليات الأمنية الأمريكية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، ومن الممكن تنمية حقول الغاز قبالة سواحل قبرص بحيث تعمل كمصدر للطاقة كفيل بالحد من اعتماد أوروبا على الإمدادات الروسية ــــ على الأقل بعد عام 2017. في مرحلة مبكرة من الأزمة، منحت روسيا قبرص اعتماداً ائتمانياً بقيمة ثلاثة مليارات دولار. ولكن أي ائتمان جديد الآن لن يسفر إلا عن جعل الدين الحكومي غير مستدام؛ والمطلوب الآن هو شراء كل أو بعض المصارف القبرصية المتعثرة. ففي أعقاب الأزمة التي تصاعدت بسبب خطاب الصراع الطبقي، قد تكون روسيا قادرة على بسط سيطرتها بشكل أعظم تأثيراً وبثمن أقل كثيرا. *نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.
|