دفتر الأخطاء.. 10 أشهر من حكم الإخوان المسلمين لمصر
الاثنين, 25-مارس-2013
محمود حمدى أبو القاسم -
بعد خمسة وثمانين عاما من العمل والنشاط المجتمعى بكافة جوانبه، اندفعت جماعة الإخوان المسلمين إلى تصدر المشهد السياسى المصرى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتمكنت فى معظم الانتخابات النقابية والتشريعية من الحصول على أغلبية الأصوات وحاز أفرادها على ثقة أكثرية المصريين، كما تعزز موقعهم بالاستحواذ على المنصب الأهم فى مصر بفوز مرشحهم برئاسة الجمهورية فى انتخابات رئاسية ماراثونية شهدت حالة من الاستقطاب الشديد داخل مصر مازالت مؤثرة على المشهد السياسى برمته حتى يومنا هذا، لكن بعد مرور سنتين على الثورة يبدو أن أمل كثيرين فى الجماعة قد تبدد وأن التعاطف معهم يتناقص ومن ثم تعيش الجماعة مأزقا حقيقىا على المستوى الوطني والداخلي، ربما لا يدركه أو ينكره أنصارها فى ثقة مفرطة. وفى هذا الإطار تمكن الإشارة إلى بعض النقاط حول أداء الجماعة خلال المرحلة الماضية: أولا: النزوع للاستئثار بالسلطة واحتكارها
كانت جماعة الإخوان المسلمين تدرك مع بدايات الثورة وإزاحة نظام مبارك حجم القلق الذى يساور الداخل والخارج من قوتها على الأرض وقدرتها على الحشد والتنظيم، بما يؤهلها للاستحواذ على السلطة فى مصر بصورة مريحة، وهو يثير القلق حول دور مصر ونظرة هذه القوى لمستقبل هذا الدور فى ظل صعود الإخوان، وكانت الجماعة تدرك فى الوقت نفسه قدرة بعض الأطراف الداخلية وأهمها الجيش، وبعض الأطراف الخارجية وأهمها الولايات المتحدة وإسرائيل على التأثير فى المشهد المصرى الداخلى، ومن ثم دفعتهم قناعاتهم إلى محاولة طمأنة الداخل والخارج وتخفيف وطأة هذه المخاوف واثبات بوادر حسن النية، لذا أعلنوا طواعية أنهم سيخوضون الانتخابات التشريعية على نسبة أقل من النصف وأنهم لن يقدموا مرشحا للرئاسة، فى خطوات تبدو تطمئنية عقلانية وقراءة جيدة للمشهد، ومحاولة لبناء أرضية ثابتة للتعامل مع الموقف الغامض فى مصر وحولها بصورة تدريجية، وفى الوقت نفسه محاولة التقاط الأنفاس ما بعد سقوط نظام مبارك، وإدراك لحتمية المسئولية الجماعية خلال هذه المرحلة المعقدة من تاريخ مصر تفاديا لدفع تكاليفها من جانب أى طرف منفردا.
لكن الواقع أن الجماعة غيرت مواقفها وتراجعت عن كثير مما ألزمت به نفسها، وهى وحدها التى تتحمل نتائج خياراتها، حيث فضلت أن تتصدر المشهد منفردة خصوصا بعد انتخاب مرشحها رئيسا للجمهورية، وتعزز قانونا مسئوليتها بعد إنهاء الرئيس لحالة الازدواجية فى الشرعية بين الرئاسة والجيش، وذلك بعد إحالة المشير طنطاوى وعنان ومعظم أعضاء المجلس العسكرى الذين أداروا الفترة الانتقالية للتقاعد، وتعيين وزير جديد للدفاع وتشكيل الحكومة من جانب الرئيس مرسى مرشح جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك بعد إلغاء الإعلان الدستورى المكمل وتمتع الرئيس قانونيا بسلطات تنفيذية وتشريعية كاملة، بالإضافة إلى إقرار الدستور وتمريره.
ثانيا: السعي لأخونة الدولة والمؤسسات
اتضح من مسالك الجماعة أنها فضلت تحمل المسئولية بعيدا عن القوى الشريكة فى الثورة، باعتبارها من وجهة نظر الجماعة لا تملك رصيدا شعبيا وليس لها تأثير، ومن ثم تراجع الرئيس عن وعوده للمعارضة بتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد نجاحه وفضل البحث فى صندوق الدولة القديم والمتهالك فاختار رئيسا للوزراء وبعض الوزراء بجانب الدفع ببعض قيادات الجماعة إلى تولى حقائب وزارية، ومنصب المحافظ فى بعض المحافظات، وترك كثيرين ممن عليهم علامات استفهام فى مواقعهم فى المناصب التنفيذية والمؤسسات، وبدا عند تمرير الدستور أنه كان قسمة بين الجماعة بثقلها السياسى، والجيش بقوته المادية والفعلية، والأزهر بسلطته المعنوية.
بل عندما قرر الرئيس مأسسة منصب الرئاسة وراح يختار نوابه ومساعديه ومستشاريه فإنه ذهب واختار بعض من الأكاديميين والإعلاميين والخبراء، غير مدرك للفوارق الكبيرة بين السياسى المتمرس المعجون بثقافة الشارع، وبين عالم الأفكار والتنظير البعيد عن واقع الناس وحياتهم معاشهم، وبدا غير معنى بتوسيع المشاركة فى المسؤولية من جانب أصحاب الثقل الجماهيرى والتأثير الفعلى على الأرض، وأبعد الثوار أو زملاء المعارضة للنظام السابق عن المشاركة فى السلطة فى خطأ سياسى فادح ظهرت أثاره فيما بعد سواء فى قراراته التى تراجع عنها أو فى تهميشه لكل هؤلاء الذين اختارهم لمساعدته، ورجوعه إلى جماعته والآن تدفع الجماعة الثمن اليوم معارضة لدود من جانب هؤلاء الذين فضل بعضهم التحالف مع رموز النظام السابق نكاية فى شريك الثورة المتفرد بالسلطة والقرار.
ثالثا: إعلاء مشروع الجماعة على حساب المشروع الوطني
فجماعة الإخوان وهى بسبيل التمكين لنفسها فى السلطة ضيقت المشروع الوطنى الحامل لأهداف الثورة ومن ثم تحالفت مع بعض التيارات السلفية واستغلتها لتمرير مشروعها وأهدافها، وهذا كان له مردود على الجماعة من جهتين، الأولى أنه لم تكن هناك حدود فاصلة لدى عموم الناس بين أى من هذه الأطراف الإسلامية، ومن ثم انعكست ممارسات بعض الدعاة السلفيين وبعض غلاة الإسلاميين فى ظل التوظيف الاعلامى السيئ على التيار الاسلامى ككل وعلى الإخوان بالأخص، خصوصا وأن ضرورات التحالف فرضت عدم قدرة الإخوان على الفكاك من القيود والمواقف التى عززت الاتهامات لدى قطاعات عريضة من المصريين وأثارتهم ضد الإخوان، خصوصا عند مناقشة بعض القوانين فى مجلس الشعب المنحل أو داخل الجمعية التأسيسية عند مناقشة نصوص الدستور. كما أن هذا التحالف فى اتجاه ثان مع مرور الوقت أصابه خلل لأنه كان قائما على الاستغلال لذا انفضت الشراكة بين السلفيين أو حزب النور والإخوان مؤخرا.
رابعا: الاغترار بالذات مع محدودية القدرات
أنه ربما غاب عن تفكير الجماعة فى لحظة تاريخية حجم المخاطر التى تحيط بمصر وكأنهم قد وقعوا فى فخ نصب لهم أو أنهم توهموا أنهم لديهم من الإمكانيات ما يمكنهم من تحقيق أهدافهم رغم مكائد الخائفين من الثورة ومنهم. ففتح المجال السياسى على مصراعيه للجماعة لتحمل المسئولية فى وقت عصيب كالذى تعيشه مصر ويعجز فيه أى طرف عن تحقيق إنجازات خصوصا على المستوى الاقتصادى لم يكن محض صدفة، بل يبدو وكأنه مخطط من أجل الإجهاز علي الإخوان فى الوقت المناسب من كل الأطراف سواء فى الداخل أو الخارج، وربما هذا خطأ الإخوان حيث أنهم قد تصدوا للمسئولية وأغرتهم بها جهات فى الداخل والخارج وفتحت شهيتهم نحو السلطة مع مؤهلات محدودة وبلا إدراك حقيقى لحجم الخطر والمسئولية معا، ومن ثم ووضعوا أنفسهم منفردين بلا شريك فى مرمى ضرب النار من كل الجبهات وهم اليوم يحصدون نتاج خياراتهم السياسية منذ الثورة.
لقد كانت المسئولية الجماعية والتمسك بأهداف الثورة الضمانة الحقيقية لشرعية أى نظام ومصدر القوة فى مواجهة كل التحديات حتى ولو كانت المؤامرة كونية، أما حديث المؤامرة بعد ممارسات وانحيازات الجماعة خلال سنتى الثورة الماضيتين فلن يغير من الأمر على الأرض شيئا، خصوصا أن الناس فى حالة استياء حقيقى من كل الأوضاع. فهل كان يعتقد الإخوان أنهم سيمارسون السلطة فى الفراغ؟
خامسا: العلاقة الملتبسة بين الرئيس ومكتب الإرشاد
فمن يصنع القرار الرئيس أم الجماعة؟، ومدى تأثير الجماعة على قرارات الرئيس وخياراته؟ وهل الجماعة تعزز حكمه فعلا أم أنها سبب رئيسى من أسباب فشله؟، وهل هو مجرد واجهة لمكتب الإرشاد؟، ومتى تقنن الجماعة أوضاعها وتعلن عن مصادر تمويلها؟ وتصارح أعضائها بأين تذهب أموالهم التى يتبرعون بها؟ هذه كلها أسئلة تعبر عن مدى الغموض الذى يحيط بالجماعة، وطبيعة دورها فى المجتمع، كان يفترض بالجماعة أن تكتسب حضورها على الساحة عبر شرعية قانونية بجانب الشرعية الشعبية، وألا تمارس الفتوة السياسة بفعل الأمر الواقع، هذا وضع فى الحقيقة لا يؤسس لدولة قانون ومؤسسات. أنه عمل يؤسس لفوضى حيث يحول السياسة إلى ساحة قتال لا منافسة.
سادسا: تفويت الفرصة والافتقاد للحاضنة الشعبية
وهى تتلخص فى عدم تحصين الجماعة لنفسها ورئيسها بحاضنة شعبية تتخطى حدود الجماعة وتنظيمها، فيوم ذهب الرئيس للتحرير لأداء قسمه الشعبى الشهير كادت شعبية الرئيس أن تبلغ عنان السماء، وقد قال الرئيس للجماهير المحتشدة "موعدنا دائما عندما نحتاج لبعضنا ميدان الثورة والشهداء" وأشار إلى ميدان التحرير ويبدو أن الرئيس نسى وعاد إلى الجماعة ولم يعد إلى الميدان، ومن ثم انقلب الميدان على الرئيس والإخوان، وإن صح التعبير فهم من فوتوا كل فرصة منذ بداية الثورة على الميدان ليكون حاميا للسلطة وحاميا للأهداف الكبرى، منذ غلبت الحسابات السياسية الخاصة على الأهداف المصيرية الكبرى التى كانت تستلزم قدرا كبيرا من الإيثار والإبداع السياسى، من المسئول فى جماعة الإخوان عن إهدار هذه الفرصة التاريخية وعدم استثمارها؟. إن أى حاكم فى التاريخ لكان يتمنى تلك اللحظة العظيمة فى تاريخ أى أمة تبحث عن مستقبلها.
سابعا: طغيان العمل السياسي على الدعوي
فلقد تمكنت الجماعة عبر ثمانية عقود ونيف من الحفاظ على تماسكها ومصادر قوتها، واستمراريتها من خلال العمل الدعوى فى المقام الأول بجانب عديد الأنشطة الأخرى ومنها السياسى، وقد مكنها هذا من التغلغل بين كافة مكونات المجتمع المصرى وطبقاتة عبر تكوين كتلة صلبة قوية ومنظمة، لكن الثورة قد أتت وقد تراجع هذا الجانب بصورة كبيرة وتراجع الاهتمام به، فالسياسة قد أخذت الجماعة، ودفعت كوادرها إلى مواصلة العمل من انتخابات إلى أخرى ومن مظاهرات إلى أخرى، والمستغرب أن الجماعة رغم الاعتقالات ورغم التضييق الأمنى والملاحقات فى عصر ما قبل 25 يناير لم تتوان عن هدفها الدعوى والتربوى ولم تتوان عن إقامة المعسكرات والكتائب... الخ، وعندما أتت الحرية لكى تصدح الجماعة بمشروعها الحقيقى وتخاطب به الناس علانية وتحاول اقناعهم بهذا المشروع، القائم بالأساس على التغيير التحتى عبر قناعات القواعد العريضة كى يكون المشروع محمولا برضا شعبي، وضامنا للاستمرارية وعدم الانقضاض عليه، نجد الجماعة أهملت هذا الجانب وانهمكت بالسياسة وبدأت بسياساتها وممارساتها وقياداتها تفقد التعاطف والجماهيرية والتأييد ومن ثم يتأثر المشروع فى نفوس المؤمنين به فما بالك بمن يجهلونه، انه عدم إدراك بأن السياسة وحدها كفيلة بتدمير الرأسمال الاجتماعى والقيمى والاخلاقى لاى جماعة أو فرد. المشروعات الكبرى تمر عبر إيمان الناس وقناعاتهم ولا تمر عبر فرضها بسطوة السلطة. ثامنا: غياب النموذج الأخلاقي وانفتاح شهوة الحكم
فقد صدم الإخوان كثيرا من المصريين، سواء على مستوى السلوك الفردى أو على مستوى العمل الجماعى وكذا على مستوى ممارسة السلطة وطبيعة الانحيازات واتجهاتها؛ فعلى مستوى السلوك الفردى أدى فتح المجال أمام منتسبيهم وأعضائهم بعد الثورة إلى انبهار بعضهم ببريق السلطة والشهرة، دون إحساس بالمسئولية الوطنية وبطبيعة المرحلة واحتياجاتها، خصوصا أنهم كانوا الطرف الأقوى والأجدر على لعب دور المنسق والمسئول وليس الشريك بين القوى الوطنية عن تحقيق الأهداف الحقيقية للثورة.
هذا بجانب الاستعلاء والغرور الذى أصاب بعضهم فى أعقاب الانتخابات البرلمانية وابتعادهم عن الجماهير وانهماكهم فى دنياهم الجديدة حول الكراسى والموائد المستديرة وشاشات التلفاز، علاوة على احتقارهم لخصومهم ومنافسيهم واعتبارهم قلة ليس وراءهم عدد ولا ينسى على الهواء فى أحد البرامج التليفزيونية قول أحد أعضائهم لزميله فى الحلقة "نحن أسيادكم"، وقد انتقل هذا الشعور من لقيادات العليا إلى القيادات الوسطى والدنيا والمنتسبين للجماعة وساهم فى ذلك حجم التأييد الشعبى الذى حصده الإخوان فى كل الانتخابات التى خاضوها وظنوا أنهم يعملون فى فراغ منفردين، وأن هناك عملية تحريك سياسى مستمر فى المجتمع، وأن ثقة الجماهير هى محض اختبار لهم فى مواقع السلطة، وبالطبع أثر الوضع المتردى وهذا السلوك معا على حجم هذا التأييد بلا شك مع الوقت.
كما أنهم لم يقدموا للناس فى المواقع التى شغلوها نموذجا اقنعوا فيه الجماهير بالتمسك بالرشادة والإيثار والزهد والتفانى فى العمل، وإن صح تمسك رئيس مجلس الشعب السابق بسيارات المجلس المليونية الثمن بعد حل المجلس ورفضه تسليمها كما أُعلن فى وسائل الإعلام فى حينه، ورصف الشوارع المؤدية إلى منزله وغيرها من تلك الأخبار، فإن ذلك ينسف الأساس الاخلاقى والدينى لهؤلاء الذين يتوهمون أنهم يسلكون مسالك النبوة والدولة الراشدة التى كان يطفئ فيها عمر بن الخطاب رضى الله عنه القنديل عندما كان ينتهى من عمله ليباشر شأنه الخاص حفاظا على مال المسلمين، ويلوم نفسه ويحملها مسئولية بغلة قد تعثر فى العراق وهو بالمدينة لمسئوليته عن تمهيد الطريق للناس والدواب قبل أن يمهد الطريق لبيته.
فلم نر نموذجا مهما من قيادات الجماعة عقب توليه المسئولية يعلن على الناس حالة التقشف التى يجب ان تكون أولى سياسات أية حكومة وأي مسئول فى الوقت الراهن، بل محاولات لملء الفراغ الذى تركه الحزب الوطنى بالأشخاص لا بالسياسات، وسيرت المواكب والتشريفات وكأن الفرق بين الماضى والحاضر ذكريات دماء الشهداء التى أتت بمن فى السجن إلى الحكم والعكس.
أما على مستوى العمل الجماعى فإن جماعة الإخوان المسلمين تعيش حالة من الاغتراب تشعر فيه الجماعة بفوارق مع عموم الناس وبمسافات وحواجز نفسية كبيرة فهل هذا يعود لسنوات الإقصاء والأبعاد؟!، فهناك سرية فى عمل الجماعة لم تتغير رغم حالة التغيير الكبيرة التى أعقبت الثورة. ليس هناك انفتاح على عموم الناس، حتى عندما أتى شعارهم الانتخابى الشهير "نحمل الخير لمصر"، أتى وفيه دلالات على هذه الحالة النفسية السلبية والمسافات التى بين الأنا والوطن وكأنهم أكبر من مصر أو من خارجها رغم أنهم من صلبها وعصبها، فنحن لديهم لا تجعلنا جميعا، بل تقسمنا هم ونحن.
ولا شك في أن الممارسة الفعلية قد عززت ذلك، وكل يوم يمر تضيق حلقة التأييد للجماعة وينفض عنها كثير من محبيها ومريديها رغم إيمانهم بالأفكار الكبرى والأصلية لمنظريها لكنهم يرون أن المشكلة ليست فى الأفكار وإنما فى الأنفار، التى أساءت تقدير المواقف ولم تطور الأداء وتستجيب لمتغيرات الواقع. فالحديث عن وجود هيمنة لمكتب الارشاد بقيادة المحمودين الثلاثة عزت وغزلان وحسين بجانب الرئيس الفعلى خيرت الشاطر على الجماعة بل وعلى حدود فعل الرئيس يجر مصر إلى كارثة محققة، ولا ندرى هل هو سوء فى التقدير أم هناك استكثار منصب الرئيس على مرسى المرشح الذى كان احتياطيا من جانب المرشح الاصلى الذى يبدو أنه العقل المدبر بل الاحرى المدمر لهذه الجماعة، إن هؤلاء الذين هم فى موقع المسئولية لن يرحمهم التاريخ، إذا ضرب المشروع الاسلامى من خلالهم، وإذا دخلت الجماعة نفق مظلم، تلك القيادات التى هى خارج نطاق التاريخ والجغرافيا والزمن الذى نعيشه والثورة التى نأملها، إن الاعداء لو مكروا بليل لجماعة الاخوان المسلمين لما فعلوا ما فعلت الجماعة بنفسها.
هذا بجانب اختيارات الجماعة لمن يعاونهم ويشاركهم فى العمل العام حيث يفضلون الانحياز لمن يؤمن بهم ويؤيدهم، وهو ما يعنى أن قدرة عقل الجماعة على استيعاب الآخر ضيقة، ويظهر ذلك فى طبيعة تحالفاتهم ومن يدفعون بهم فى المؤسسات التى تستلزم إشراك الآخرين كالجمعية التأسيسية وغيرها.
كما أن الحزب الذى أسسوه هو صورة من صور فشل العمل الجماعى، حاولوا إضفاء طبعة شعبية عليه فضموا إليه بعض محبيهم ولم يُفَعل بل تديره الجماعة فى خلط غير مفهوم وحدود غير فاصلة بين الحزب والجماعة، ولم نر فيه تجربة حزبية ديمقراطية رائدة يتمرس فيها شبابهم على السياسة، ويسمح من خلالها بفتح أبواب التجنيد والحراك.
وإن شئت أن تتحدث عن التراجع عن الالتزامات تجاه القوى الوطنية وافتقاد المصداقية فحدث ولا حرج، وربما يمثل عدم الالتزام والوفاء عاملا فاصلا فى تغيير الصورة الذهنية عن الجماعة وسلوكها، حيث أن الكذب والخداع السياسى له تأثير بالغ لدى المصريين، وربما يكون استثمار هذه المرات التى تراجعت فيها الجماعة أو رئيسها عن وعوده نقطة فاصلة فى علاقات الجماعة وتحالفاتها ومن ثم صورتها وقوتها فى المستقبل، وبدت بوادر ذلك بالفعل فى التقارب بين حزب النور السلفى وجبهة الإنقاذ حليف الإخوان منذ بدأ الثورة، والانتقادات الواسعة لسياسات الجماعة من داخل التيارات الإسلامية نفسها.
ولم يكن يجب أن تستند الرغبة في الحفاظ على السلطة إلى مناورات قانونية ودستورية وإصرار على اتساع الدوائر الانتخابية بل كان يجب أنتكون بفضل استمرار التأييد الشعبى وإلا ما قيمة الحرية والمساواة والعدالة التى دفع أبناء مصر دماءهم من أجلها.
ثامنا: تناقضات الممارسة بين الثوري والدستوري
وعلى مستوى الممارسة السياسية، فمنذ استفتاء 19 مارس 2011 كانت هناك محطات كثيرة كانت فيها مواقف الإخوان ذات أثر سلبى على حالة التماسك الوطنى، مع توظيف الجماعة المتعمد والانتقائى لكلا الشرعية الثورية والشرعية الدستورية والقانونية من حين لآخر وفقا للمعطيات والمتغيرات والمواقف على الساحة السياسية ومراعاة للمصالح الذاتية وليس المصلحة الوطنية. وهذا تسبب فى جرح غائر بين الإخوان وشباب الثورة لاسيما وأن الاخوان من أن لاخر لا يلبثوا وينكؤه.
تاسعا: غياب مشروع وطني للجماعة
هذا بجانب عدم وجود مشروع وطنى لدى الجماعة يلتف حوله غالبية المصريين وكان مشروع النهضة الذى تم التراجع عنه من جانب خيرت الشاطر، وكأنه يستأثر بالمشروع لنفسه ويبخل به على الرئيس دليل على عقم سياسى وافتقاد للخيال وعدم إحساس بالمسئولية أمام الناخبين.
وقد كانت كبرى الصدمات هى الضعف الفكرى والتنظيرى والابداعى وغياب القدرات الخلاقة لدى القيادات التى صدروها للمصريين فى مراكز صنع القرار أو فى وسائل الإعلام لمخاطبة الناس كافة، وهو أمر استدعى التساؤل حول إن كان ذلك سمة عامة لدى كافة أفراد الجماعة تأثرا بطبيعة عملية التجنيد وطرق التربية ومنهج السمع والطاعة داخل الجماعة وطبيعة شخصية منتسبيها، أم أنه أمر متعلق بصعوبة عملية الحراك داخل الجماعة وهيمنة مجموعة محدودة على عمليات التصعيد السياسى وعلى توزيع القيم المادية والمعنوية بداخلها، وممارسات سلطوية تحول دون تصعيد الكفاءات لحساب أهل الثقة والقرب. وهنا تفسير خسارة الجماعة لقيمة بقدر عبد المنعم أبو الفتوح؟، خصوصا وأن الأيام أثبتت كيف بدت قياداتهم بلا كاريزما أو حضور أو عمق أو قدرة على الإقناع.
وعلى مستوى الانحيازات فإن الجماعة قد صدمت المصريين بغياب رؤية ومشروع وطنى يترجم أهداف الثورة إلى سياسات واضحة، فالعدالة الاجتماعية غائبة وما مفاوضات صندوق النقد الدولى إلا دليلا على خيارات الجماعة فى التعامل مع الأزمة الاقتصادية والعبء الذى سيتحمله فقراء مصر ومعدميها، فنحن ذاهبون نحو مزيد من برامج التكيف الهيكلى ونحو مزيد من تراجع لدور الدولة وغياب لبرامجها الاقتصادية والاجتماعية، ولنراجع سويا قرارات الحكومة فى رفع أسعار المياه والكهرباء والضرائب على تذاكر الانتقال بالقطارات ورفع أسعار السلع الأساسية وتكاليف المكالمات الهاتفية وسياسات رفع الدعم تدريجيا التى هى ضمن خطط الحكومة، وغيرها من القرارات التى تتخذ بالليل ويتم التراجع عنها نهارا تحت وطأة الخوف من غضب الجماهير.
وربما يمثل اتخاذ القرارات والتراجع عنها والخوف من غضب الناس تذكير بسياسات الحزب الوطنى الفاسد التى كانت تقايض المصريين على مشروع التوريث بالبناء على الاراضى الزراعية ومخالفة كل القواعد والقوانين والتراجع عن السياسات والقرارات دون أدنى اعتبار لمصالح الدولة العليا، الإخوان يتراجعون لأنهم أولا ليس لديهم رؤية ذاتية للخروج من الأزمة، والضغوط تزداد من حولهم، وثانيا لأنهم يخشون غضب الناس قبل الاستحقاق الانتخابى وليس هذا منطق فى النهاية يصلح لإدارة الدولة ويضمن لها الاستمرار.
الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور القضية الأكثر غموضا منذ الثورة حتى يومنا والإشعار الحقيقى نحو تحقيق العدالة الاجتماعية التى بحت من أجلها أصوات المتظاهرين مطالبة بضرورة تطبيقها، حتى يومنا هذا لم يقر قانون بتحقيق ذلك رغم تمتع الرئيس بسلطة التشريع كاملة وكأنه غض الطرف عنها، وما جاء فى هذا الإطار لم يكن سوى قرارات إدارية لم تنفذ ولم تؤخذ على محمل الجد، هل هى طبيعة انحيازات جماعة الإخوان المسلمين الرأسمالية وروادها الاقتصاديين الذين يسيرون على خطى رجال أعمال جمال مبارك ويستثمرون أموالهم فى التوكيلات التجارية والسوبر ماركتس تلك الاقتصاديات الاستهلاكية التى تغنيهم وتفقر مصر ولا تبنيها، أم تغير مواقعهم من المعارضة إلى السلطة ومن ثم الاستفادة من حالة العبث بالمال العام فى مؤسسات الدولة، أم قوى داخلية أقوى من قدرة الإخوان على إجراء أية تغييرات فى ميزان الأجور المائل فى مصر، أم ضغوط خارجية من المؤسسات الاقتصادية الدولية والقوى التى تتبنى اقتصاد السوق، أم ماذا أجيبوا نداءات الثورة يرحمكم الله؟.
عاشرا: فشل النموذج الإخواني في الداخل والخارجي
بشكل عام، فإن التيار الاسلامى فى العالم العربى والاسلامى كان ينتظر بلهفة التجربة الاخوانية فى مصر كنموذج قابل للتعميم، وربما يمثل انتهاء هذه التجربة بالفشل صدمة لهذه الحركات والتيارات، وبالتالى يكون الإخوان قد صدموا المصريين بالداخل وصدموا إخوانهم فى الخارج وخذلوهم وحتى الآن فإن التجربة لا تبشر بخير، إن الإخوان فى مصر عبر استعجال السلطة والسعى للتمكين والتباطؤ فى تحقيق التطلعات الجماهيرية، أعطوا لمنتقدى إمكانية نجاح مشروع حكم اسلامى يقود أى بلد نحو التقدم والرفاهية كل الحجج والمبررات لمحاربة هذا المشروع وإقصائه. إن فرصة تاريخية فى أعين المؤمنين بالمشروع الاسلامى على وشك أن تنهار بفضل قيادات بدت ضعيفة محدودة التفكير وأثبتت أنها لا تحمل مشروع وطنى حقيقى يمثل رافعة لإعادة بناء المجتمع على أسس سليمة، فما بالك إذا كان المشروع مشروع أمة بأسرها كما يدعون.
وفى النهاية يمكن القول أن الجماعة أمامها خلال المرحلة القادمة تحديات كبرى، وهى لديها مسئولية كبيرة فى الحفاظ على سلامة الوطن وحمايته من الفوضى التى يراد له أن يدخل نفقها، ولن يكون ذلك إلا بنقد ذاتى ومراجعة حقيقية لمواطن الخلل ومعالجتها وفق تصورات عصرية، وذلك على مستوى الأفكار والأفراد والسياسات والانحيازات، فعملية تكيف الجماعة مع المتغيرات أصبحت مسألة حياة أو موت بالنسبة للجماعة إذا أرادت أن تكون حاضرة فى مستقبل المشهد السياسى والاجتماعى المصرى أولا أو المشهد الاسلامى ثانيا. ولا يجب أن تستند إلى قوة تنظيمها فى المرحلة الراهنة وامكانياتها مقارنة بالمعارضة الهشة من حولها، وتعتمد على احتمالات بقائها لفترة الفصيل السياسى الأقوى على الساحة، دون الالتفات إلى جوانب الضعف، ودفع عملية التكيف مع المتغيرات ووضع رؤية تجديدة وأفكار تتجاوز محدودية التفكير النمطى والكلاسيكى للقيادات التاريخية التى هى جزء كبير من أزمة الجماعة فى المرحلة الراهنة.
*أعد الدراسة : الباحث السياسي المصري محمود حمدى أبو القاسم
معهد العربية للدراسات
|