حرب العملات: هل تتم؟ ومن يفوز؟
الأحد, 30-ديسمبر-2012
د . لويس حبيقة -
هنالك صراع قوي بين العملات الأساسية على من يتزعم النظام النقدي العالمي وما هي الشروط؟ نظام “بريتون وودز”، الذي أقر بعد الحرب العالمية الثانية أعطى الذهب ومن وراءئه الدولار الدور الأساسي . لكن بعد أن ألغت الولايات المتحدة في 15/8/،1971 قرار تحويل الدولار إلى ذهب عبر سعر صرف محدد، أصبح الدولار عملياً النقد الدولي الأساسي من دون منازع . منذ ذلك التاريخ لم يعد هنالك في الواقع أي نظام عالمي واضح ومحدد، بل أصبح الاقتصاد الدولي مرتكزاً على عدة عملات تتنافس فيما بينها . قبل خلق اليورو، كانت المنافسة بين الدولار والمارك والين . مع اليورو ونتيجة نمو الاقتصاد الصيني وتراجع الياباني، أصبحت المنافسة الدولية اليوم عملياً بين الدولار واليورو واليوان، حيث تشكل الاقتصادات الثلاثة 60% من العالمي . لولا مشكلات أوروبا المالية الحالية، لكان وضع اليورو أفضل بكثير عما هو عليه .
ما هو مستقبل الدولار؟ السياسة النقدية التضخمية للمصرف المركزي الأوروبي منذ سنة ،2001 أحدثت أزمة عقارية لا مثيل لها في التاريخ الحديث . الركود الذي مرت به أمريكا والتعثر في النهوض أضعفا الاقتصاد الأمريكي ونقده . لولا وجود مقرضين للولايات المتحدة كالصين والدول الخليجية وبعض الدول الآسيوية التي استثمرت في الاقتصاد، لكان الوضع الأمريكي أسوأ بكثير . يمكن للدولار أن يبقى النقد الاحتياطي الدولي الأقوى إذا استطاعت أمريكا أن تبقي عجز ميزان حسابها الجاري في حدود 3% بالتزامن مع تخفيض كبير في عجز الموازنة وارتفاعاً في نسبة الادخار الداخلي كي يتم الاعتماد أكثر على التمويل الداخلي بدل الخارجي . الأهم هو أن تتغير السياسة المالية في اتجاه تقوية الدولار وليس إضعافه .
ما هو مستقبل اليورو؟ الأزمة الأوروبية كبيرة وعميقة لكن الأوروبيين يعالجون أزمتهم بنجاح وتروي وذكاء . إذا استمرت السياسات التقشفية القاسية المعتمدة اليوم، من الممكن أن ينتخب الأوروبيون مستقبلاً الأحزاب المتطرفة . هنالك ضرورة للانتظام المالي ولتطبيق اتفاقية “ماستريخت”، لكن ليس على حساب الاستقرارين الاجتماعي والسياسي . المجموعة الأوروبية متنوعة في كل شيء من السياسة إلى التاريخ واللغة وغيرها وهي بحاجة إلى تقوية موازنتها المشتركة بحيث تستطيع الحكومة المركزية في بروكسيل التدخل عندما تدعو الحاجة .
ما هو مستقبل اليوان؟ تحقق الصين منذ سنوات نمواً قوياً متواصلاً . أصبحت الصين حديثاً الاقتصاد العالمي الثاني ومن المتوقع أن تصبح الأولى خلال عشرين سنة أو أقل . حققت الصين نجاحاً تجارياً كبيراً وها هي تتدخل يومياً في السوق لمنع ارتفاع اليوان كي لا تنحدر صادراتها . تفتقد الصين إلى أسواق مالية منفتحة حرة عميقة وشفافة بحيث ترفع من حظوظ نقدها في الأسواق الدولية . لكن الحكومات الصينية المتعاقبة حتى اليوم لا تظهر حماسا للانتقال إلى هذا المستوى وهذا الدور .
ما هو مستقبل النظام النقدي العالمي؟ السياسات النقدية السخية الهادفة إلى تكبير حجم الكتلة النقدية تؤدي حكماً إلى منافسة كبيرة بين العملات ومن الممكن إلى حروب فيما بينها . هنالك دور كبير لصندوق النقد الدولي في منع الحرب عبر التنسيق القوي والذكي بين المصارف المركزية الثلاثة، كما عبر رقابة الأسواق منعاً للتقلبات الكبيرة المكلفة . الصندوق يقوم بهذا الدور منذ إنشائه في الأربعينات من القرن الماضي، لكن أهميته كبرت جداً منذ الأزمة المالية العالمية حيث أعطي موارد مالية ضخمة ايضافية كي يستطيع مساعدة اليونان وغيرها من الدول المتعثرة . تشير الدراسات إلى أنه في حال توقفت المصارف المركزية عن التدخل في الأسواق، سينحدر العجز التجاري الأمريكي بحدود 150 مليار دولار أي بين 1 و2% من الناتج، ويرتفع عدد فرص العمل ما بين 1 و2 مليون . ستستفيد منطقة اليورو أيضاً لكن بنسب أقل .
يتغير الاقتصاد العالمي كثيراً باتجاه دور أكبر للدول الناشئة . في سنة ،2025 من المتوقع أن يبلغ حجم مجموع الناتج للدول الستة الأساسية أي البرازيل والصين والهند وأندونيسيا وكوريا الجنوبية وروسيا نحو نصف الناتج العالمي .
أما منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فما زالت مرتبطة كثيراً بالدولار بسبب تحرير النفط بالنقد الأمريكي . إذا اعتمدت الولايات المتحدة سياسة الدولار القوي، ستصبح الدول النفطية العربية أقوى وبالتالي تتحسن أوضاع المنطقة العربية المتدهورة جداً . لكن من الحكمة توسيع التعاون المالي والتجاري بين الدول العربية من جهة وأوروبا والصين من جهة أخرى لتخفيف المخاطر وتنويع العلاقات وتوسيع الخيارات المتاحة .
* خبير اقتصادي
*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.
|