هل قارب عصر النفط على الأفول؟
الجمعة, 19-أكتوبر-2012
محمد إبراهيم السقا -
قامت شبكة العلاقات الدولية والأمن International Relations and Security Network ISN في سويسرا بإصدار تقرير عن مدى تغطية المخزون من النفط والغاز للاحتياجات البشرية، والذي حاولت فيه أن تقدر المدى الزمني لاعتماد العالم على النفط، وقد توصل التقرير إلى أن تقديرات منظمة الأوبك للاحتياطيات العالمية المؤكدة من النفط تدور حول نحو 1500 مليار برميل، نصفها تقريبا يقع في منطقة الشرق الأوسط، حيث ترتفع درجة المخاطرة في تأمين انتقال النفط إلى مراكز استهلاكه في العالم، وأنه بمعدلات الاستخدام الحالية للنفط فإن هذه الاحتياطيات ستكفي العالم في المستقبل لمدة 47 عاما فقط.
هذا السيناريو لاتجاهات اعتماد العالم على النفط يعتمد على افتراض ثبات كل من الاحتياطيات المؤكدة وكذلك ثبات معدلات الاستهلاك العالمي للنفط عند مستوياتها الحالية، والحقيقة أن التقديرات بهذا الشكل تفتح المجال للعديد من السيناريوهات حول المدة الزمنية التي يمكن أن يظل العالم فيهما معتمدا على النفط. ذلك أن المدى الزمني الذي يمكن أن تستمر فيه المخزونات الحالية توفي باحتياجات الاستهلاك في العالم سيعتمد بالتأكيد على اتجاهات معدلات الاستهلاك العالمي، ومن ثم فإن قيام التقرير باحتساب المدة الزمنية لبقاء النفط بافتراض ثبات معدلات الاستهلاك العالمي عند مستوياتها الحالية هو بالتأكيد افتراض غير صحيح، لأن الاستهلاك العالمي للنفط يتزايد، وبصفة خاصة من الاقتصادات الناشئة التي ليس لديها احتياطيات نفطية على نحو كاف، وبالتأكيد فإنه مع تزايد معدلات الاستهلاك العالمي للنفط فإن المدة المتبقية لاستغلال النفط ستميل نحو التراجع عن هذا العدد القليل نسبيا من السنوات.
من ناحية أخرى، فإن استناد التقرير في تحديد المدى الزمني لاستمرار اعتماد العالم على النفط على كمية الاحتياطي المؤكدة حاليا هو أمر خطأ، لأن العالم يضيف إلى الرصيد الحالي من الاحتياطيات المؤكدة المزيد من الاحتياطيات بشكل مستمر، أو أن تكنولوجيا الاستخراج تتطور، حيث تمكن العالم من استخراج كميات أكبر من النفط من الآبار نفسها، الأمر الذي يرفع من المدى الزمني لاعتماد العالم على النفط. نحن إذن أمام قوتين متناقضتين تؤثران على المدى الزمني لاعتماد العالم على النفط.
ولكن ما انعكاسات مثل هذه النتائج على الدولة النفطية؟ من المعلوم أن دول الخليج من أكثر دول العالم اعتمادا على هذا المصدر الناضب. إذ تشكل مبيعات النفط المصدر الأساسي للنقد الأجنبي لهذه الدول، حيث يعتمد ميزان المدفوعات بصورة أساسية على صادرات النفط، في الوقت الذي تمثل فيه أيضا الإيرادات النفطية العمود الفقري للمالية العامة لهذه الدول، وعلى الرغم من مرور فترة طويلة نسبيا على اكتشاف النفط في دول الخليج، إلا أنه من الواضح أن هذه الدول فشلت حتى اليوم في إيجاد مصادر بديلة للدخل وظلت تعتمد بصورة أساسية على إيراداته، ومثل هذا الاعتماد الشديد على النفط هو مكمن الخطورة بالنسبة لهذه الدول.
لكن التساؤل الأساسي في رأيي ليس هو المدى الزمني الذي سيستمر فيه العالم معتمدا على النفط، بقدر ما يتعلق بتوقيت تحقيق العالم لاختراقات تقنية مهمة في مجال إنتاج الطاقة البديلة للنفط، وهو ما تركز عليه مراكز الأبحاث والتطوير في العالم حاليا، كما أن اعتماد العالم على مصادر الطاقة المتجددة يتزايد بشكل سريع. فاليوم تتزايد عمليات إنشاء محطات توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية حول العالم وذلك لاستغلال هذه الطاقة المتجددة واللانهائية، حيث تقدر تسهيلات إنتاج الكهرباء حول العالم باستخدام الطاقة الشمسية اليوم بنحو 40 جيجاوات، وهو ما يمثل ضعف الطاقة المولدة من هذا المصدر في عام 2008. ففي عام 2011 تم إنشاء محطات لتوليد حوالي واحد جيجاوات من الكهرباء في الولايات المتحدة من الطاقة الشمسية، كما أن لديها خططا حاليا لمضاعفة تسهيلات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، ويوما بعد اليوم تزداد أعداد المساكن التي تستخدم الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية.
كذلك فإن طاقة محطات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية تمثل حاليا نحو 7.4 جيجا وات في ألمانيا، والتي لديها خطط طموحة للانتقال من الاعتماد على توليد الكهرباء من المصادر الأحفورية والطاقة النووية إلى توليد الطاقة من المصادر المتجددة مثل الشمس والرياح، وذلك من خلال دعم هذه الأشكال من توليد الطاقة بصورة كبيرة، على سبيل المثال فإن المنازل التي تولد طاقتها الكهربائية من خلال لوحات التوليد الشمسية يمكنها بيع فائض إنتاجها إلى الشبكة القومية للكهرباء بأسعار مجزية للغاية، ويقدر في الوقت الحالي أن ألمانيا تولّد نحو 20 في المائة من الكهرباء من خلال استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من المصادر المتجددة. كذلك تبلغ تسهيلات إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية نحو 2.3 جيجاوات في إيطاليا، و3.7 جيجاوات في إسبانيا. على الجانب الآخر من العالم تتزايد عمليات استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء على نحو كبير خصوصا مع اتجاه المزارع في آسيا، بصفة خاصة في الصين، نحو إنشاء المزيد من محطات الطاقة الشمسية، على سبيل المثال تستهدف الخطة الخمسية للصين إضافة 5 جيجاوات من الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية بحلول عام 2015.
هذا التطور في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية كان نتاج عاملين أساسيين، الأول هو الاتجاه المتزايد للحكومات نحو دعم عمليات استخدام الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء، على سبيل المثال تعتمد الولايات المتحدة لتحقيق مستهدفاتها بإنتاج المزيد من الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية على تقديم المزيد من الدعم لمثل هذه المحطات، غير أن أثر هذا العامل يتراجع حاليا، ذلك أن حكومات الدول المتقدمة تواجه مشكلات مالية حادة تجبر الكثير منها على انتهاج سياسات مالية تقشفية وهو ما يلقي ضغوطا كبيرة على الميزانيات التي يمكن تدبيرها لأغراض البحث والتطوير في مجالات الطاقة البديلة بشكل عام.
العامل الثاني هو انخفاض تكلفة التوليد على نحو كبير مع استخدام التقنيات الجديدة في الإنتاج مثل استخدام اللوحات الضوئية الرخيصة التي تطورها الصين في الوقت الحالي. فلطالما وقفت التكلفة المرتفعة للتوليد حائلا دون التوسع في استخدام هذه الطاقة المتجددة، ومنذ 2008 حتى اليوم انخفضت أسعار اللوحات الضوئية بنسبة 75 في المائة تقريبا. إن استمرار هذا الاتجاه التنازلي في أسعار اللوحات سيؤدي إلى تحويل الطاقة الكهربائية المولدة باستخدام الطاقة الشمسية إلى بديل مجد من الناحية الاقتصادية، بالطبع كلما مال سعر النفط نحو الارتفاع ارتفعت التكلفة الحدية للوحدة المولدة من الطاقة باستخدامه وهو ما يجعل التكلفة الحدية لوحدة الطاقة الكهربائية المولدة من المصادر البديلة مناسبة، لذلك يحذر المراقبون بأنه سواء تعلق الأمر بالمصادرة التقليدية أو البديلة للطاقة، فمن المؤكد أن الابتكارات التقنية وتصاعد الطلب على المصادر غير التقليدية للطاقة قد ازداد بسبب الأسعار المرتفعة للنفط. باختصار إن كافة المؤشرات المتاحة حالية تشير إلى أن الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية أصبحت تنافسية اليوم إلى حد كبير على المستوى الدولي، بحيث أصبحت الطاقة الشمسية هي أمل العالم اليوم في الحصول على طاقة متجددة ونظيفة.
والآن نعود إلى سؤالنا الأساسي، هل بالفعل أخذ عصر النفط في الأفول، أنصار هذا الاتجاه في العالم يجيبون بنعم، غير أن بعض العاملين في الصناعة النفطية، وعلى وجه الخصوص في الخليج، يجيبون بالنفي، لأن الاحتياطيات تتزايد وتزداد معها القدرة على العرض، ومن ثم يمكن أن يستمر العالم معتمدا على النفط على مدى زمني أطول، لكن السؤال الأساسي هو هل تسمح مراكز البحوث والتطوير أن يستمر العالم معتمدا على النفط بدون بديل؟ في رأيي الإجابة هي لا، وأن عصر النفط آخذ بالفعل في الاتجاه نحو الأفول مع أي اختراق تقني في مجال إنتاج الطاقة البديلة، وأن علينا الاستعداد لمثل هذا اليوم.
*نقلا عن الاقتصادية السعودية
|