قراءة في وثائق الثورة اليمنية
الجمعة, 04-يناير-2008
عبد الغني الماوري - من المشاكل الكبيرة التي تعاني منها دول العالم الثالث، مشكلة توثيق الأحداث الكبيرة، حيث لا يتم الاهتمام بهذا الأمر، الشيء الذي يجعل من كتابة التاريخ مهمة صعبة جداً، ويبدو أن هذه المشكلة سوف تظل قائمة، ما لم تتغير النظرة إلى التوثيق وإلى المشتغلين في هذا المجال. واليمن جزء من هذا العالم لديه مشكلة في التوثيق ما يجعل التاريخ اليمني يبدو وكأنه كلام انطباعي. الندوة التي أقامتها صحيفة 26 سبتمبر عن الثورة اليمنية قبل ثلاثة أعوام ونشرتها في كتاب من ثلاثة أجزاء، محاولة لتوثيق الحدث الذي نبعد عنه فقط خمسة وأربعين عاماً ونشعر من خلال بعض الكتابات غير الموثقة والمتضاربة أنه حدث بعيد جداً جداً. هذه الندوة وغيرها من الندوات التي يكون موضوعها هو موضوع الثورة، ستؤدي في نهاية الأمر إلى تثبيت وقائع وشطب أخرى.
الضباط الأحرار والثورة ركزت جلسات الندوة الاولى على دور الضباط الأحرار في قيام الثورة، الورقة التي تقدم بها اللواء صالح علي الأشول بعنوان "خلفية عن قيام الثورة ودور الضباط الأحرار" تحدث عن كيف وُلد هذه التنظيم، يذهب الأشول إلى أن ظروف فشل ثورة 1948 وحركة 1995 جعلت الناس تفكر في الخلاص دون الوقوع في الفشل مرة ثالثة. وكان هناك من الشباب المدني والعسكري ومن السياسيين المجربين ومن المشايخ ومن الأفراد من يفكر كيف يمكن العمل للخلاص من الواقع المريض الذي كان مفروضاً آنذاك على المجتمع.. تنظيم الضباط، وهذا من المفترض التنويه إليه، تكوين أو تنظيم عسكري ما جاء إلا لضرورة، كان أعضاء التنظيم يدركون بأن الانكسارات السابقة كان لها أسبابها، وكان لابد من إيجاد تنظيم عسكري بحت، ليس لأن المدنيين ناقصو الوطنية ولا لأنهم عاجزون عن العمل، ولكن كانت محاولاتهم دائماً تنكشف بسرعة، يشير الأشول إلى نقطة هامة في هذا الصدد هي أن التنظيم "تنظيم الضباط الأحرار" قام بعد أن ظهرت حركات قومية في الوطن العربي مثل حركة القوميين العرب والثورة المصرية، حركة البعث، ثورة العراق، وقد اتخذ التنظيم حسب الأشول قرارين مؤثرين، الأول: أن لا شأن للتنظيم بالعمل السياسي حتى بعد الثورة من أجل التفرغ لبناء القوات المسلحة لحماية الثورة، القرار الثاني: هو اقتراح تشكيل مجلس وطني يتكون من المشايخ الكبار يُطعَّم بعدد من العناصر الوطنية ذات الخبرة، لكن هذا المشروع لم يتحقق. في موضوع آخر وهام ُقتل بحثاً هو من القائد الفعلي للثورة، رد الأشول على سؤال المقدم محمد عباس الضالعي الذي يرى أنه لابد من إعادة وجهة نظر حقيقية إذ لا توجد ثورة بدون قائد، بالقول: "اتفقنا في تنظيم الضباط الأحرار.. على قيادة جماعية، أنا قرأت ما قيل عن الشهيد علي عبد المغني أنه الرمز والمحرك، أقولها بكل صراحة وأمانة: الأخ علي عبد المغني واحد من مجموعة، لم يكن قائداً، كان الذي يجري انتخابات وفي كل ثلاثة أشهر كان يتولى القيادة من يفوز بأغلب الأصوات، ما كان قائداً معيناً كقائد يقود الثورة، يعني كان القرار جماعياً دائماً وغير محصور في القيادة السياسية، والقاعدة التأسيسية التي كانت بمثابة لجنة مركزية لا يوجد فرق، فلا تستغرب هذا، ولا أعتقد أنه ما ثورة إلا ولها قائد، هناك ثورات لها قيادة جماعية، ليس بالضرورة أن يكون لها قائد يعني ديكتاتورية من أول خطوة، والواقع أنه كان يحظى باحترام الكل (يقصد عبد المغني) إنما بالنسبة للقيادة لم يخرج قرار عن رأي الجماعة. وفي ورقة العقيد محسن علي خصروف التي كانت بعنوان "العلاقات المدنية العسكرية في إطار الحركة الوطنية اليمنية 1936- 1962 تأكيد على هذه الفكرة، ويذكر خصروف أنه حاول معرفة من صاحب تنظيم الضباط الأحرار، وقد حاور في سبيل الحصول على إجابة محددة في هذا الشأن الكثير من المشاركين في الثورة، لكنه كان يقابل بعبارة واحدة "أنها فكرة جماعية"، ويدلل خصروف على أن هذه يمكن أن تكون الحقيقة بنتائج انتخابات اللجنة القيادية حيث تعاقب عدد من الضباط الأحرار على رئاستها دون أن يكون لأحد منهم نفوذ أو مكانة متميزة أو (كاريزمية)، ففي أول انتخابات للجنة القيادة فاز الضباط التالية أسماؤهم: ملازم/ صالح على الأشول، وملازم/ أحمد الرحومي، وملازم/ على بن علي الجائفي، وملازم/ حمود بيدر، وملازم/ ناجي على الأشول، وفي الانتخاب الثاني للجنة القيادية الذي عقد في الأول من فبراير 1962 فاز كل من الملازم/ عبد اللطيف ضيف الله، والملازم/ علي عبد المغني، والملازم/ أحمد الرحومي، والملازم/ صالح الأشول، والملازم/ ناجي علي الأشول، ونجح في الدورة الثالثة كلٌ من الرئيس/ عبد اللطيف عبد الله، والملازم/ علي عبد المغني، والملازم/ صالح الأشول، والملازم/ أحمد الرحومي، أما الدورة الرابعة والأخيرة ، فقد فاز فيها كل من الملازم/ علي عبد المغني، والرئيس/ عبد اللطيف ضيف الله، والملازم/ أحمد الرحومي، والملازم/ صالح الأشول، والملازم/ محمد مطهر زيد. لكن خصروف يؤكد من خلال محاوراته مع عدد من أعضاء تنظيم الأحرار فإن هناك ما يشبه الاجماع على أن علي عبد المغني كان أكثرهم ثقافة وأوسعهم اطلاعاً ويحظى بمكانة محترمة ومهابة عند جميع الضباط، ومحمد مطهر زيد يحتل مكانة مرموقة ومحل احترام، الاثنان كانا الأولين على دفعتيهما. لكن أي منهما لم يكن قائداً أو صاحب فكرة إنشاء التنظيم، وحسب رأيه لم يكن معول على أي منهما أن يكون رأساً للدولة بديلاً عن الإمام، وسيظل دورهما القيادي محل سؤال.
لماذا تنظيم الضباط الأحرار؟ هذا السؤال كان مضمون ورقتي اللواءين محمد قاسم المؤيد وعلي عبدالله السلال، ففي ورقة عمل بعنوان "تنظيم الضباط الأحرار والتخطيط لانطلاقة الثورة 26 سبتمبر"أجاب اللواء علي قاسم المؤيد على سؤال "لماذا تنظيم الضباط؟ ولم يكن التنظيم العسكري يشمل الوحدات العسكرية من ضباط وصف وجنود؟ بحسب المؤيد ، فقد كانت مهام التنظيم هي استخدام الأسلحة الحديثة، الدبابات والمدفعية والمدرعات، وهي الأسلحة التي تضمنتها صفقة الأسلحة، وكان الضباط هم الوحيدين الذين أُتيح لهم التدريب على استخدامها، أما بقية الوحدات في الجيش القديم فقد كانت موزعة على القضاءات والنواحي على شكل سرايا، كل سرية يقودها ضابط بأي رتبة، إضافة إلى أن تعداد السرية في أحسن الأحوال لا يزيد عن 50 جندياً ومهماتها ليست عسكرية؛ فهي تؤدي دور الحفاظ على الأمن وجباية الزكاة وغيرها من الواجبات للدولة. يذكر المؤيد في ورقته السبب الثاني الذي جعل الضباط يختارون كلمة الضباط الأحرار بدلاً عن كلمة حزب على سبيل المثال، ويرى أن الضباط كانوا متأثرين وعياً وإدراكاً بما يبثه إعلام الرئيس جمال عبد الناصر عن طريق الإذاعة والصحافة والأدبيات للحركة القومية التي كان يقودها عبد الناصر. اللواء علي عبد الله السلال في ورقته "لمَ تنظيم الضباط الأحرار"؟ رد هو الآخر على تساؤل الكثيرين داخل الندوة وخارجها لماذا تنظيم الضباط الأحرار دون بقية القوى الوطنية الأخرى هو الذي فجر الثورة وادعى ملكيتها؟ بالقول:"الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر هما ملك أولاً للشعب اليمني كله، فهو الذي أوجد الطلائع من أبنائه أبناء القوات المسلحة وبفضله تمكنت من الدراسة والانتساب للقوات المسلحة والكلية الحربية وكلية الشرطة وكلية الطيران ومدرسة الأسلحة، ثم إن التنظيم كانت عناصره من جميع الشرائح الوطنية ومختلف المشارب والمدارس العسكرية المختلفة، ويضيف السلال أن هذا التنظيم لم يأت من فراغ، فقد كان نتاجاً لثورات وحركات تحررية سبقته في تفجيره للثورة الخاتمة في السادس والعشرين من سبتمبر 1962، لأن الحركة الوطنية اليمنية بدأت من الثلاثينيات ثم تطورت في الأربعينيات بإعلان هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ملاحظات الرئيس وفي الجلسات التالية تم تناول معارك الدفاع عن الثورة، فقد تحدث العميد عبد الرحمن حسان عن التشكيلات العسكرية النظامية لمرحلة ما قبل الثورة في شمال الوطن وجنوبه"، أما العميد حمود ناجي سعيد الذي كان قائداً لسلاح المظلات في حصار السبعين يوماً، فقد تحدث في الورقة التي قدمها عن ملحمة السبعين يوماً، وقد حدث حوار بينه وبين الرئيس علي عبد الله صالح الذي حضر أثناء قراءة حمود ناجي لورقته، وقد عقب الرئيس عليها، وقام باضافة بعض المعلومات المتعلقة بالحرب "حرب السبعين"، وتحدث عن معارك الدفاع عن الثورة مؤكداً على عدة نقاط: النقطة الأولى: أن قائد النصر في حرب السبعين يوماً هو الفريق العمري والذي لا ينبغي أن يتجاهله أحد، هو كان قائدنا، هو كان الزعيم، هو كان القائد العسكري، بقراراته وبأوامره ووجوده معنا في الميدان، يعني لم توجد معركة ولا منطقة إلا وكان الفريق العمري موجود فيها. النقطة الثانية: دور بعض الشخصيات في الدفاع عن الثورة مثل حسين شرف الكبسي وعلي الحيمي وأحمد الكبسي وعلي السعيدي وحمود بيدر وغيرهم، وأيضاً دور المرأة في وزارة الصحة والدور المهم في إنجاح تجربة مصنع الغزل والنسيج. النقطة الثالثة: التأكيد على واحدية الثورة وأنه يجب إلقاء الضوء على القادة والمناضلين الذين لعبوا أدواراً رئيسية في هذا الشأن، فهناك وثائق كثيرة تؤكد هذا المعنى.
ثورة أكتوبر ماذا حدث في ليلة ثورة 14 أكتوبر 1963، وماذا كانت مقدماتها؟، يعتبر المقدم الركن محمد عباس ناجي الضالعي أن الانتفاضات التي قام بها أهالي الجنوب ضد الاحتلال البريطاني مقدمة ضرورية للثورة، وأن ثورة يوليو 1952 في مصر كان لها دور في تنامي الوعي الوطني بأهمية النضال ضد المستعمر. وقد أثرت ثورة 26 سبتمبر في القوى الوطنية، وبدأت طلائع المتطوعين للدفاع عن ثورة سبتمبر تتجه نحو عاصمة الثورة صنعاء منذ الأسبوع الأول لقيام الثورة، وخاصةً من مدينة عدن التي كانت الجماهير فيها أكثر وعياً وتنظيماً، ثم تقاطرت أفواج المتطوعين من لحج وأبين وشبوة والضالع ويافع وغيرها من المناطق الجنوبية. راشد محمد ثابت في ورقته "النضال اليمني الموحد على طريق الأحداث"، يؤكد على هذا الأمر، ويرجع اقتناع الوطنيين في الجنوب بجدوى الكفاح المسلح لمواجهة البريطانيين إلى قيام ثورة 26 سبتمبر ووجود القوات المصرية حينها في أراضي الشمال. ويحدد تقرير قدم إلى مؤتمر الجبهة القومية الذي تم عقده في عام 1965 بداية المعركة في ردفان عقب عودة القبائل الذين شاركوا في معارك الشمال اليمني لحماية الجمهورية، وقد أخذت الجبهة القومية تعمل على تنظيم وتدريب مجاميع كبيرة من المواطنين لتوسيع رقعة الثورة، والتأكيد على أن المعركة لن تتوقف ولابد من أن تشمل أغلب مناطق الجنوب لإرغام الاستعمار على مواجهة معركة تحرير شاملة ومنظمة بعيدة عن الانتفاضات القبلية المتقطعة. حسين عبده عبدالله في ورقته "حقائق عن العلاقات بين الجبهة الوطنية للتحرير وتنظيم الضباط الأحرار"، اعتبر أن قيام الجامعة العربية عام 1945 مثل حافزاً لدى طلائع من الشباب اليمني في عدن للتعبير عن مشاعرهم الوطنية وانتمائهم القومي المتحرر، إذ أعلنوا بعضوية الأحزاب عن الدراسة في مدارسهم وجابوا الشوارع لأول مرة في مسيرة تظاهرية تعبر عن تأييدهم وانتمائهم وتعاطفهم مع هذا الحدث التاريخي العظيم، وعندما أوجد ذلك ولأول مرة في تاريخ الاستعمار "داخل المستعمرة المنيعة عدن"، أوجد فاصلاً حقيقياً لم يكن معلناً من قبل بين مستعمر أجنبي وشعب مقهور على أمره يتوق إلى الحرية والاستقلال، وأن العلاقة بين الجبهة القومية والضباط الأحرار بدأت في عام 1958 عندما قامت السلطات البريطانية بنفي محمد عبده نعمان إلى تعز، فقد تكونت في تلك الأثناء أول نواة لعمل فدائي مسلح منظم في جنوب الوطن في عدن. يلفت حسين عبده عبد الله إلى دور النقيب محسن مرشد ردمان الأرحبي في تهريب السلاح في الشمال إلى الجنوب، وفي وضع تصور لهذه الجبهة والاهتمام بهذه القضية جاء بطريقة متلاحقة مترابطة على أساس أن تقوم الجبهة الوطنية بدور في الجنوب لمقاومة الاستعمار، والإخوة يذهبون إلى المناطق الشمالية ويبدأون بتكوين الضباط الأحرار بالتعاون مع أكثر من الأحرار اليمنيين المتواجدين في داخل تعز. تفاصيل الساعات التي سبقت ثورة 14 أكتوبر 1963 كانت مضمون الورقة التي تقدم بها المقدم الركن/ محمد عباس الضالعي انطلاقة الثورة من ردفان، يذكر الضالعي أن "راجح غالب لبوزة" اجتمع في رأس جبل البدوي بالمقاتلين وأعدهم للهجوم على مركز القوات البريطانية في منطقة الحبيلين التي تبعد عن الجبل بحوالي 15 كم، لكن خبراً مفاجئاً وصل إليه بأن القوات البريطانية سوف تقوم في صباح يوم 14 أكتوبر باحتلال قرية البيضاء في وادي المصراح، فهذه القرية تقع على مفترق الطرق المؤدية إلى معظم قرى ردفان الجنوبية، فاتخذوا قراراً بتأجيل الهجوم على مركز الحبيلين والانتظار حتى وصول القوات البريطانية إلى وادي المصراح لمجابهتها في هذه المنطقة لكونها جبلية تخدم الثوار. وقبل حلول منتصف الليل كان المقاتلون يعانون من الجوع لكونهم في منطقة لا يوجد فهيا سوى منزلين وضريح لرجل اسمه البدوي، غير قادرين على تقديم العشاء للمقاتلين لصعوبة الحياة المعيشية، فما كان من لبوزة إلا أن أرسل اثنين من المقاتلين إلى منطقة الهجيرة وأعطاهم خمسة دراهم من ماله لشراء بسكويت وحلوى، فتجمع المقاتلون وأكلوا ذلك الطعام المتواضع، وبعد ذلك أمرهم لبوزة بالتفرق على شكل مجاميع صغيرة، فنام الثوار على رأس قمة جبل البدوي، مفترشين حجارة صلبة وملتحفين بسماء وطنهم، وفي صباح يوم 14 أكتوبر كان عدد الثوار قد تزايد ليبلغ أكثر من 70 مقاتلاً، وبدأت المعركة التي أجبرت بريطانيا على الانسحاب فيما بعد بأربع سنوات في 30 نوفمبر 1967.
المرأة والكفاح الوطني دور المرأة في الثورة وفي النضال الوطني لم يغب، فتم تقديم أوراق بهذا الخصوص. الدكتورة وهيبة غالب فارع تحدثت عن حقوق المرأة في عهد الثورة وتأثير التشريعات والقوانين في تغيير وتطوير أوضاع المرأة وإتاحة الفرصة لها الدخول والانخراط في مستويات وظيفية عديدة. شفيقة مرشد أحمد كانت أكثر التزاماً بالحديث عن دور المرأة اليمنية في النضال الوطني والكفاح المسلح، وحسب الورقة التي قدمتها، فإن الحركة النسائية اليمنية قد بدأت في العام 1958 النضال ولو بشكل متطور نسبياً، ومن أجل احتواء نضالها سمح الاستعمار بإنشاء مؤسسة نقابية للمرأة لأول مرة، فقد تأسست "جمعية المرأة العدنية" برئاسة أم صلاح محمد علي لقمان لتنظيم المرأة في عدن، واقتصر نشاطها على تقديم بعض الأعمال الخيرية والنشاطات الاجتماعية، لكن ومع نمو الوعي السياسي في صفوف النساء في مدينة عدن بدأت الحركة النسائية اليمنية في مقاومة السلطة الاستعمارية، وقد قادت النساء مظاهرات حاشدة عام 1959 احتجاجاً على أساليب السلطة الوحشية في قمع الجماهير. ولم تتوقف نضالات المرأة ضد محاولة الاستعمار مسخ الشخصية الوطنية عن طريق فرض مناهجه الاستعمارية ما دفع بطالبات ثانوية خور مكسر للبنات بالقيام بالاضراب العام، والخروج في مظاهرات ضد المناهج الاستعمارية في فبراير عام 1962، وسرعان ما انتشر الإضراب إلى مدارس البنين واشتركا معاً في مظاهرات صاخبة تندد بالاستعمار جابت معظم شوارع عدن عدة أيام، الامر الذي دفع بالسلطة الاستعمارية إلى إغلاق المدارس والكليات عدة أشهر. تضيف شفيقة: لقد أثبتت المرأة فعاليتها إبان المعارك السياسية، وخاصة في عدن فشاركت في التنظيمات السياسية، وتصدرت المظاهرات، وقامت بتوزيع المنشورات والبيانات، كما شاركت في نقل الرسائل والأسلحة والذخيرة، وفي توفير الغذاء للمناضلين، وفي رصد تحركات الأعداء وتزويد الثوار بالمعلومات واخفاء الفدائيين، كما أسهمت المرأة في نضالات النقابات العمالية ، وفي تكوين النقابات الست عام 1966 والتي وقفت إلى جانب الثورة. وإيماناً بأهمية المرأة في النضال ضد الاحتلال، فقد تشكل القطاع النسائي للجبهة القومية برئاسة هبة الله علي، وتذكر الورقة أسماء عديدة شاركن في النضال مثل "نجوى مكاوي، فوزية محمد جعفر، أنيسة الصايغ، فطوم علي أحمد، عائدة يافعي، ثريا منقوش، فتحية باسنيد، نسيم عبد الخالق، نجيبة محمد عبد الله، آمنة يافعي، آسيا مرشد، خولة شرف". وقد جاءت ورقة فاطمة محمد بن محمد في هذا السياق، حيث أكدت على أهمية دور المرأة في مقاومة الاحتلال، وكيف كانت تتصدى للأوامر البريطانية، تحكي فاطمة قصة دنيا محمد الصافي التي رفضت إخفاء أو إنزال صورة الزعيم عبد الناصر من جدار منزلها حيث كان هناك قرار بحظر رفع صور الزعيمين عبد الناصر والسلال وقد قام "ميلن" وهو ضابط بريطاني بهدم بيتهم الجديد الذي لم يسكنوه سوى أسبوع واحد.
الإعلام مما لا شك فيه أن الصحافة لعبت دوراً مهماً في خلق حالة وطنية حقيقية، لا أحد يستطيع أن ينكر دور صحيفة الإيمان في الشمال على سبيل المثال، أو صحيفة الثورة في مهمة الدفاع عن الثورة، أما في الجنوب فقد لعبت الصحافة دوراً مهماً في مقاومة الاحتلال، وفي الندوة قدمت ورقتان عن دور الصحافة أثناء الكفاح المسلح، الورقة الأولى لهشام محمد با شراحيل رئيس تحرير صحيفة الأيام الذي أكد أن تنوع الصحافة في عدن ساهم في تقديم نموذج مختلف في المنطقة، أما الورقة الثانية فقد تقدم بها عبد الرحمن سعيد خبارة وهي بعنوان "دور الصحافة الوطنية في ترسيخ مفهوم واحدية الثورة اليمنية" ، وقد مثل وجود الزبيري والنعمان في عدن مناسبة مهمة للصحافة العدنية للترحيب بهما والتعريف بمشروعهما السياسي والوطني، وهو ما أثر بعد ذلك في تكوين حالة وطنية جديدة ضد الاحتلال البريطاني. وقد كتب المحامي محمد علي لقمان في 16 سبتمبر عام 1945 في صحيفة "فتاة الجزيزة" مقالاً بعنوان "حزب الأحرار اليمني رجاله وأهدافه": هذه الحركة السياسية في عدن نبهت أبناء الجنوب إلى ما هم فيه من تأخر سياسي وثقافي واجتماعي". هذا عن الصحافة، أما عن الإذاعة فقد رأى عبد الوهاب جحاف في ورقته "دور إذاعة صنعاء في تفجير ثورة 26 سبتمبر"، أن الضباط الأحرار بدأوا في أول اجتماع لهم يفكرون في الإذاعة، وخطورة هذا الموقع الحساس، وهذا ما دعاهم إلى السيطرة على حي الإذاعة في الساعات الأولى للثورة.
هامش: * هذا الكتاب حصيلة أربعة جلسات وحوالي مائة ورقة عمل، وقد استغرقت من الوقت سنة كاملة، من 19 سبتمبر 2002 إلى 12 أكتوبر 2003. أهم الشخصيات التي حضرت الندوة رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح، نائب رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، رئيس الوزراء حينذاك عبد القادر باجمال، رئيس مجلس الشورى عبد العزيز عبد الغني، سالم صالح محمد عضو مجلس الرئاسة، رئيس الوزراء السابق عبد الكريم الإرياني وقد قدم ورقة عن السياسة الخارجية اليمنية.
الكتاب: وثائق ندوة الثورة اليمنية الناشر: دائرة التوجيه المعنوي، شعبة البحوث والدراسات. تاريخ النشر: 2004. عدد الصفحات: الجزء الأول 507؛ الجزء الثاني 616؛ الجزء الثالث 349.
|