كيف نجعل اليورو كياناً مكتملاً؟
السبت, 25-ديسمبر-2010
جورج سوروس -
لقد أدرك مهندسو اليورو أنه لم يكن كاملاً وقت تصميمهم له، فاليورو لديه بنك مركزي مشترك ولكنه بلا خزانة مشتركة، ولم يكن هناك من سبيل لتجنب هذه المفارقة، وذلك لأن المقصود من 'معاهدة ماستريخت' كان إنشاء اتحاد نقدي من دون إقامة اتحاد سياسي.
وكانت السلطات الأوروبية رغم ذلك على يقين من قدرتها على التغلب على أي أزمة قد يتعرض لها اليورو، فهذه هي الطريقة التي تم بها تأسيس الاتحاد الأوروبي، اتخاذ خطوة واحدة في كل مرة، مع العلم التام بأن الأمر يتطلب اتخاذ خطوات إضافية.
وحين نسترجع أحداث الماضي الآن فبوسعنا أن نحدد أوجه قصور أخرى تعيب اليورو، التي لم ينتبه إليها مهندسوه، فقد كان من المفترض في اليورو أن يجلب التقارب الاقتصادي، ولكنه بدلاً من ذلك كان سبباً للتباعد والتشعب، وذلك لأن مهندسيه لم يدركوا أن الاختلال في التوازن قد ينشأ، ليس فقط في القطاع العام، بل أيضاً في القطاع الخاص.
وبعد بدء العمل باليورو، كان بوسع البنوك التجارية أن تعيد تمويل ما تحتفظ به من السندات الحكومية في إطار الخصم الذي يعرضه البنك المركزي الأوروبي، وكانت الأجهزة التنظيمية تتعامل مع السندات الحكومية باعتبارها خالية من المجازفة. ولقد أدى هذا إلى تقلص الفوارق في أسعار الفائدة بين العديد من البلدان، الأمر الذي عمل على توليد فقاعات الازدهار العقاري في البلدان ذات الاقتصاد الأضعف والحد من القدرة التنافسية لهذه البلدان.
وفي الوقت عينه، كانت ألمانيا التي لاتزال تعاني توابع ما بعد توحيد شطري البلاد مضطرة إلى شد الحزام، واتفقت النقابات التجارية على قبول تنازلات فيما يتصل بالأجور وظروف العمل في مقابل الأمن الوظيفي، وهكذا نشأت الخلافات وبدأ التباعد. بيد أن البنوك استمرت في شراء السندات الحكومية من البلدان الأضعف حتى تستفيد من الفوارق الضئيلة التي ظلت قائمة بين أسعار الفائدة.
ولقد ظهرت العواقب المترتبة على غياب الخزانة المشتركة لأول مرة بعد إفلاس 'ليمان براذرز' في عام 2008، عندما اضطرت الحكومات من أجل منع انهيار الأسواق المالية إلى ضمان عدم السماح بانهيار أي مؤسسة أخرى ذات أهمية مالية شاملة. وفي ذلك الوقت رفضت أنجيلا ميركل تقديم ضمانة تشمل أوروبا بالكامل، مصرّة على أن كل بلد لابد أن يضمن مؤسساته بنفسه. ومن المثير للاهتمام أن الفوارق في أسعار الفائدة لم تتسع إلا في عام 2010، عندما أعلنت الحكومة اليونانية المنتخبة حديثاً أن الحكومة السابقة تعمدت التهوين إلى حد هائل في تصويرها للحجم الحقيقي للعجز المالي.
وكانت هذه الشرارة التي أدت إلى اندلاع أزمة اليورو، والآن باتت مشكلة غياب الخزانة المشتركة في طور المعالجة، أولاً بتصميم حزمة إنقاذ لليونان، ثم عن طريق إنشاء مرفق مؤقت للطوارئ، ثم في النهاية بإنشاء مؤسسة دائمة من نوع ما، والتي يبدو أن المؤسسات المالية حبلى بها الآن.
ولكن من المؤسف أننا نستطيع أن نزعم بنفس القدر من اليقين أن الترتيبات الجديدة ستكون معيبة أيضاً، فإلى جانب غياب الخزانة المشتركة، يعاني اليورو أوجه قصور أخرى، والتي يبدو أن السلطات لا تفهمها بشكل كامل، وهذا من شأنه أن يعقد الأمور إلى حد خطير، فالسلطات لا تواجه أزمة عملة فحسب، بل إنها تواجه أيضاً أزمة مصرفية وأزمة تتعلق بنظرية الاقتصاد الكلي.
والآن ترتكب السلطات خطأين على الأقل: الخطأ الأول، أن حاملي سندات البنوك المفلسة يحظون بالحماية على حساب دافعي الضرائب خشية إثارة أزمة مالية. وهذا غير مقبول على المستوى السياسي، وسيكون لزاماً على الحكومة الإيرلندية المنتخبة في الربيع المقبل أن تتنصل من الترتيبات الحالية، والأسواق تدرك هذه الحقيقة تمام الإدراك، ولهذا السبب لم تنجح خطة الإنقاذ الإيرلندية في تفريج الأزمة.
والخطأ الثاني أن أسعار الفائدة المرتفعة المفروضة على حُزَم الإنقاذ تجعل من المستحيل على البلدان الأضعف أن تحسن من قدرتها التنافسية نسبة إلى البلدان الأقوى، وستستمر شقة التباعد في الاتساع، وتزداد البلدان الأضعف ضعفاً إلى ما لا نهاية. والواقع أن الاستياء المتبادل بين الدائنين والمدينين من شأنه أن ينمو، وهناك خطر حقيقي يتمثل في احتمال تسبب اليورو في تدمير التماسك السياسي والاجتماعي في الاتحاد الأوروبي.
بيد أن تصحيح هذين الخطأين أمر ممكن، ففيما يتعلق بالخطأ الأول، لابد من استخدام أموال الطوارئ لإعادة تمويل الأنظمة المصرفية، فضلاً عن تقديم القروض لتمكين الدول من سداد ديونها السيادية، وقد يشكل الأمر الأول استخداماً أكثر كفاءة للأموال من الأخير. فربما تنجح إعادة تمويل النظام المصرفي في تقليص العجز لدى الدول، وتمكينها من استعادة القدرة على الوصول إلى أسواق رأس المال في وقت أقرب.
فمن الأفضل أن يتم ضخ الأموال إلى البنوك الآن وليس في وقت لاحق، ومن الأفضل أن يتم ذلك على نطاق أوروبا بالكامل ثم يترك كل بلد للعمل من تلقاء نفسه. وهذا من شأنه أن يخلق جهازاً تنظيمياً أوروبياً. ومن المؤكد أن تنظيم البنوك على نطاق أوروبا بالكامل لا ينتهك السيادة الوطنية بقدر ما تنتهكها السيطرة الأوروبية على السياسة المالية. والسيطرة الأوروبية على البنوك أقل إذعاناً للاستغلال السياسي من السيطرة الوطنية.
وفيما يتعلق بالمشكلة الثانية، فلابد من خفض أسعار الفائدة على حُزَم الإنقاذ إلى المعدل الذي يستطيع الاتحاد الأوروبي ذاته أن يقترض به في السوق، وهذا من شأنه أن يتمتع بميزة تطوير سوق نشطة للسندات الأوروبية.
قد لا يكون هذان التغييران البنيويان كافيين لتزويد بلدان منطقة اليورو التي تحتاج إلى الإنقاذ بمخرج للهروب من مآزقها، وقد يتطلب الأمر اتخاذ تدابير إضافية، مثل 'تقليم' مستحقات أصحاب الديون السيادية. وبعد إعادة تمويل البنوك على النحو اللائق، فسيكون بوسعها استيعاب هذا، ونكون بهذا قد عالجنا اثنين من الأخطاء الواضحة التي قد تحكم على الاتحاد الأوروبي بمستقبل قاتم كئيب.
*نقلا عن "الجريدة الكويتية.
|