قمة الـ20 ومسؤولية الإجماع الإنمائي
السبت, 13-نوفمبر-2010
لي مييونج-باك -
قبل عامين من الآن، وتحت ضغوط الأزمة المالية العالمية الأسوأ من نوعها منذ أزمة الركود العظيم في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، تحرك قادة الدول الأقوى اقتصاداً عالمياً وتعاونوا معاً على إعادة صياغة الطريقة التي يجب أن يدار بها الاقتصاد العالمي. واتفق قادة تلك الدول على عقد اجتماعات دورية منتظمة لمؤتمرات قمة مجموعة الـ20، اعترافاً منها بأهمية مشاركة الدول النامية الرئيسية، إن أريد للاقتصاد العالمي الخروج من الركود الذي أصابه جراء الأزمة الأخيرة.
والآن نقترب من تحقيق حدث تاريخي، إذ تتهيأ بلادي -كوريا الجنوبية- لأن تكون أول دولة من دول الاقتصادات الصاعدة، تستضيف مؤتمراً لقمة الـ20. وإذ نرحب بالرئيس الأميركي أوباما وغيره من الضيوف من كبار قادة العالم في سؤول خلال الأسبوع الحالي. فقد تحاورنا كثيراً حول الطريقة التي يمكن بها إعادة توازن الاقتصاد العالمي وإصلاح مؤسساته المالية، وهما مسألتان تمثلان تحدياً كبيراً دون شك. غير أني ظللت أذكّر زملائي وأقراني من قادة الدول وزعماء العالم بأن جميع هذه الأهداف ليست كافية، على الرغم من أهميتها الواضحة. فلا يمكن لدول العالم المتقدمة أن تتجاهل حاجة مواطني الدول الأشد فقراً بدعوى الانشغال بمشاكل اقتصادات الدول الكبرى. والحقيقة أن من شأن مساعدة الدول الأشد فقراً أن تسهم في إعادة توازن الاقتصاد العالمي والنمو الاقتصادي اللذين نسعى إلى تحقيقهما، بدلاً من النظر إلى مساعدة الدول هذه وكأنها قضية هامشية وثانوية.
فحتى في أزمنة الكوارث والأزمات الاقتصادية الأشد سوءاً، هناك بعض قصص النجاح في الدول ذات الناتج الإجمالي المحلي المنخفض. بل الحقيقة أن الكثير منها يشهد الآن مؤشرات فرص مغرية للنمو خلال عدة عقود مضت. فخلال الفترة بين عامي 2002 و2008 تجاوز متوسط نمو اقتصادات دول جنوب الصحراء الإفريقية نسبة 7 في المئة. وفيما لو استمرت معدلات النمو هذه، وتمكنت اقتصادات دول المنطقة من تجاوز عنق الزجاجة والصدمات، فإن من شأن ذلك أن يسهم في إحداث تحسن مستدام في مجالي الصحة والتعليم كما سيؤدي إلى رفع مستوى معيشة مجتمعات جنوب الصحراء الكبرى. وكل ذلك من شأنه أن يحسن آفاق تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية التي حددتها الأمم المتحدة، والمتمثلة في خفض معدلات الفقر العالمي بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2015. وعليه فإن النمو الاقتصادي هو الوسيلة التي يمكن بها تحقيق هذه الأهداف، بدلاً من تشتت أنظار قمة الـ20 عن الأهداف نفسها.
كما تشير تجارب الكثير من الدول التي انضمت للتو إلى مجموعة الـ20، بما فيها كوريا الجنوبية والهند والصين وجنوب إفريقيا، أن أنجع دواء لمشكلة الفقر هو النمو الاقتصادي. ذلك أن نسبة تصل إلى 97 في المئة من الخفض البعيد المدى لمعدلات الفقر، تعتمد على متوسط دخل الأفراد نتيجة للتوسع والنمو الاقتصاديين.
وليس القصد من التركيز على أهمية النمو الاقتصادي في الدول الأشد فقراً، التقليل من ضرورة تقديم المساعدات الاقتصادية لها، بل القصد هو أننا بحاجة إلى تغيير فلسفتنا ومفهومنا حول العون الاقتصادي والتنموي، بمعنى أنه يجب إعطاء اهتمام أكبر للاستثمار المستقبلي، لاسيما الاستثمار في مجالات البنية التحتية، ورأس المال البشري، والسعة الإنتاجية.
هذا وقد عقدنا العزم على بلورة أجندة بعيدة المدى لمجموعة الـ20 تهدف إلى مساعدة الدول الأشد فقراً، بما يعكس الارتفاع النسبي لمستوى أعضاء هذا المنبر الاقتصادي الدولي، بمن فيهم المانحون والمتلقون للعون الاقتصادي، والدول الصاعدة ذات النمو الاقتصادي المرتفع. ومن شأن خطوة كهذه تحسين شرعية مجموعة الـ20 نفسها. وعلى الرغم من أن هذه المجموعة تمثل نسبة 85 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وحوالي ثلثي سكان العالم، فإن عليها ألا تنسى الدول الـ173 الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة، وبقية الدول التي تمثل ثلث سكان العالم، غير الممثلة في قمة سؤول. وحرصاً على تحسين شرعية مجموعة الـ20 فقد تم الاتفاق مثلاً، على تمثيل دولتين إفريقيتين إضافة إلى جنوب إفريقيا، في مؤتمرات قمة المجموعة في المستقبل.
وتحقيقاً لأهداف حفز النمو الاقتصادي في الدول النامية، فقد واصلنا العمل جنباً إلى جنب مع الأمم المتحدة والبنك الدولي والبنوك الإنمائية الإقليمية وغيرها من الوكالات، كي نقيم أسساً وركائز عديدة تعتمد على إجماع إنمائي جديد، يهدف إلى إكمال العديد من المبادرات الناجحة للاعبين آخرين. وهدفنا وراء ذلك تسليط الاهتمام على مشاريع البنية التحتية، وخاصة مشاريع الطاقة وبناء الطرق وتحسين خدمات المياه والاتصالات، فضلاً عن تعليم المهارات اللازمة لشغل الوظائف الجديدة. إضافةً إلى ذلك، يركز الإجماع الإنمائي الجديد على فتح قنوات التبادل التجاري، والاستثمارات الخاصة، وتوفير التمويل اللازم للشركات الصغيرة، وتحقيق الأمن الغذائي، فضلاً عن تحسين آليات تحصيل عائدات الضرائب المحلية.
وبما أن كوريا الجنوبية قد اختارت هذا الطريق الصعب الشاق لنفسها، فإنها لن تقبل لقمة الـ20 التي ستعقد فيها خلال الأسبوع الحالي أن تختار طريقاً سهلاً ينتهي إلى انتقاء جانب أحادي معزول من المسائل الإنمائية وتكتفي بمناقشته واتخاذ القرارات والتوصيات بشأنه. بل نريد لهذه القمة أن تختار ذات الطريق الشاق المعقد الذي مشيناه متنكبين دروب القرارات الصعبة، ومسؤولياتها العظام الثقال. وسوف يقوم هذا الإجماع الإنمائي الجديد على خطة تنفيذية تمتد لعدد من السنوات، تركز على إنشاء الشراكات الاقتصادية مع الدول الفقيرة ذات الدخل المنخفض. ونحن ندرك أن هناك أكثر من طريق وأكثر من وصفة لإحراز التقدم الاقتصادي في هذه الدول.
*نقلا عن صحيفة "الاتحاد" الإماراتية.
|