هل فرغت جعبة أوباما الاقتصادية
الأحد, 24-أكتوبر-2010
عصام الجردي -

تتعثر إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الاقتصادية في بلوغ أهدافها لحفز الاقتصاد وخفض البطالة، رغم كل الإجراءات التي اتخذتها في السبيل المذكور وفاقت تكلفتها التريليون دولار أمريكي . صحيح أن ما أنفق من حزمة الحفز الرئيسة التي أقرت بعد تسلمه مقاليد البيت الأبيض قبل نحو 22 شهراً لم يتجاوز عمليا النصف، بيد أن النتائج كانت دون التوقعات.

الجديد الذي أعلن عنه الأسبوع الماضي رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي بن برنانكي، والمدعوم من الرئيس، دفعة حفز إضافية تقوم على شراء المجلس سندات خزانة مع تلميح الى إمكان شراء سندات تصدرها شركات القطاع الخاص بفوائد بدأت تقترب تدريجاً من الصفر، في سياق ما يدعوه برنانكي بالتيسير الكمي للسيولة.

وتعتقد إدارة أوباما أن التدبير سيؤدي الى تراجع أسعار الفائدة وتشجيع قروض الاستثمار والاستهلاك على حد سواء . في أبريل/ نيسان الماضي اشترى مجلس الاحتياط كما هو معروف نحو تريليون و700 مليار دولار أمريكي من سندات الخزانة وسندات الديون العقارية . لم نلمس أثراً لذلك في الاستثمار والاستهلاك ولا في قابلية المصارف لتيسير مماثل في القروض . وللتخفيف من غلواء استنتاجنا هذا نفترض “الأسوأ في حال لم يقدم المجلس على ما أقدم عليه” . ترى هل فرغت جعبة إدارة أوباما الاقتصادية من تدابير للخروج من الأزمة التي أورثه إياها سلفه جورج دبليو بوش؟ وهل وصلت هذه الإدارة الى مرحلة تناقض وسائل المعالجة مع أهدافها؟

الجواب عن السؤال الأول يحال دائماً الى الإمكانات، والبدائل المتاحة لدولة في حجم الولايات المتحدة . إنما لم يظهر على أرض الواقع بعد ما يشي بقرب انتهاء هذه الأزمة ومفاعيلها . أما السؤال الثاني فجوابه منه وفيه. وحال التخبط والارباك التي تتسم بها قرارات إدارة أوباما الاقتصادية تقترب من تناقض الوسائل مع الأهداف . ذلك لأن تدخل المصارف المركزية، والحال هنا مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، في دعم الاقتصاد من خارج الأدوات النقدية المتعارف عليها، وصولاً الى الإنابة عن وزارة الخزانة لتمويل العجز بالمال التضخمي، هو من أسوأ الوظائف للمصارف المركزية.

أوباما وفريقه من كبار الاقتصاديين يعلمان ذلك في التأكيد . ويعلمان أيضا، أن الاقتصاد هو المولد للمال والنقد، وأن العكس ليس صحيحاً ولا صحياً حين يكون تنقيد الاقتصاد وتمويل إيرادات الموازنة وحفز الاستثمارات من خارج القطاع الخاص ومن أموال مكلفي الضرائب، في نظام تنازل عن وظائفه للقطاع الخاص، وترك لنفسه فقط أعباء إنقاذه من الانهيار .

بيد أن اللجوء الى مزيد من توريط مجلس الاحتياط الفيدرالي في طبع العملة وضخها في الأسواق من دون أصول مقابلة، يعد من الوسائل الاستثنائية المستخدمة بعد استنفاد أخرى في ظروف خطرة مالياً واقتصادياً . وتراجع الدولار الأمريكي في الفترة الأخيرة، نتج عن هذه السياسة لمجلس الاحتياط الفيدرالي، مع ما لذلك الإجراء من مفاعيل سلبية على عملات الدول المرتبطة بالدولار الأمريكي، وأسعار النفط والموراد الطبيعية الأخرى للدول النامية والفقيرة، وعلى احتياط الدول من العملات المقومة بالدولار .

خفض العجز من خلال إلغاء نفقات عامة وضغط نفقات أخرى، لا ينسجم مع هدف نمو الاقتصاد . استهداف معدل نمو حقيقي عبر خفض الفوائد والتيسير النقدي الكمي، لا ينسجم مع احتمال ضغوط تضخمية جراء تنامي كتلة النقد . تعزيز الطلب الداخلي خصوصاً الاستهلاكي منه، يبقى موضع سؤال مع معدل بطالة مرتفع بواقع 9,6 % ويتوقع أن يبلغ 10 % في نهاية السنة. تحرك الاستثمارات الجديدة مازال متردداً قبل أن يتحرك الطلب الداخلي. والمصارف لا تزال هي الأخرى تتردد في التسليف وتؤثر الاحتفاظ بالمقدار الكافي من السيولة الجاهزة لدرء أي احتمالات متوقعة أو ليست في الحسبان.

وقد أغلقت السلطات النقدية الأمريكية الجمعة الماضي مصارف ثلاثة جديدة، لتصبح لائحة المصارف الأمريكية المقفلة منذ أيلول/ سبتمبر 2008 نحو 280 مصرفا . والباب لم يقفل بعد. لذلك، فسياسة التيسير الكمي تحتاج الى إعادة تقييم الأهداف مع النتائج . وفي دلالة على تخبط الوسائل والأهداف كان طريفاً ما أدلى به برنانكي الجمعة الماضي حين صرح بأن “للسياسات غير التقليدية تكلفتها وحدودها ربطاً بنجاعتها وجدواها . وأعترف بأنه لم يتم اختبار استراتيجياً شراء الدين بصورة عامة.

ولدينا خبرة بسيطة في الحكم على الآثار الاقتصادية لهذه الأداة” . وذهب الى أبعد حين قال، إن “من شأن ذلك تقويض ثقة الجمهور بقدرة المصرف المركزي على العودة الى السياسات التقليدية”.

تناقض الوسائل والأهداف واضحة في سياسات الحفز . وهذا أخطر ما سيواجهه أوباما و الاقتصاد الأمريكي في سباقه الى انتخابات مجلس الشيوخ الشهر المقبل، والى الانتخابات الرئاسية في 2012. 



*نقلاً عن "الخليج" الإماراتية.