حرب العملات هل أصبحت وشيكة؟
السبت, 16-أكتوبر-2010
فهد إبراهيم الشثري -
قلق مشترك لصانعي القرار الاقتصادي العالمي برز أخيرا في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن يدور حول احتمال حدوث حرب عملات بين الدول بهدف المحافظة على تنافسية صادراتها.

هذا التوتر والقلق بدا ظاهراً في تصريحات المسؤولين التي حاولت التحذير والتخفيف في الوقت نفسه من إمكانية حدوث ذلك. وفي حالة حدوث ذلك، فإنه سيؤدي إلى نتائج وخيمة سواء على التجارة الدولية أو على النظام المالي والنقدي الدولي، وسيؤثر بالتالي على النمو الاقتصادي العالمي.


فحرب العملات تحدث عندما يكون هناك تنافس بين الدول على تخفيض أسعار صرف عملاتها بما يعزز تنافسية صادراتها في الأسواق العالمية. وكان ما قام به البنك المركزي الياباني نهاية أيلول (سبتمبر) - وأشرت إليه في مقال الأسبوع قبل الماضي - بالتدخل في أسواق العملات بهدف الحد من ارتفاع سعر صرف الين الياباني أمام الدولار هو أحد مظاهر هذه الحرب غير المعلنة. هذا الأمر يضع تحدياً كبيراً أمام دول مجموعة العشرين لتنسيق مواقفها بما يحافظ على المصالح المشتركة للجميع، ويجنب العالم أزمة عالمية أخرى.

وهذه الظاهرة لها سابقة في الاقتصاد العالمي – وإن اختلفت في شكلها – إلا أنها تصب في الهدف نفسه، حيث برزت الحمائية التجارية بعد الحرب العالمية الثانية بشكل كبير، لكي تعزز كل دولة من ميزانها التجاري، وهو ما أدى إلى إطلاق جولات متكررة من المفاوضات التجارية استمرت 50 عاماً حتى تأسست منظمة التجارة العالمية. ما يحدث اليوم أن الدول لم تلجأ إلى الحماية التجارية، وهو ما يعد نجاحاً كبيراً للمفاوضات التجارية التي بذلت في الأعوام السابقة، ولكن الدول لجأت إلى تعزيز تنافسية صادراتها من خلال تخفيض قيمة عملاتها.

هذا الأمر سبق أن حدث خلال فترة الثمانينيات وانتهى بتوقيع اتفاقية بلازا عام 1985م التي مثلت اتفاقاً بين كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا الغربية واليابان لتخفيض سعر صرف الدولار أمام الين والمارك بالتدخل في سوق العملات لحفز الاقتصاد الأمريكي الذي عانى من الركود وتخفيض عجز ميزان الحساب الجاري الأمريكي الذي بلغ 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي آنذاك. وقد أدى استمرار التراجع في سعر صرف الدولار نتيجة اتفاقية بلازا إلى توقيع اتفاقية لوفر عام 1987م والتي وضعت حداً أدنى لهذا الانخفاض.

وقد استعرت أخيرا حرب التصريحات حول العملات، حيث حذر وزير الخزانة الأمريكي تيموثي قايثنر من أن التنافس على تخفيض سعر صرف العملات قد يؤدي إلى خلق ضغوط تضخمية في أسعار الأصول في الاقتصادات الناشئة، وسيحد من النمو الاقتصادي، وسيزيد – ظاهرياً فقط – حجم الصادرات دون فائدة حقيقية تنعكس في تحسن النمو الاقتصادي. وأتت تصريحات قايثنر في رد على رفض رئيس الوزراء الصيني الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الصين لترك المجال لعملتها للارتفاع أمام العملات الأخرى، حيث أشار إلى (أنه لو سمحت الصين لعملتها بالارتفاع 20 إلى 40 في المائة، فإن عدداً كبيراً من المصانع في الصين سيتم إغلاقها، وستكون هناك فوضى في المجتمع، وهذا لن يكون في صالح الاقتصاد العالمي).

وكانت الصين قد سمحت في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) لعملتها بالارتفاع بأعلى مستوى منذ عام 2005م وذلك استباقاً للضغوط التي ستواجهها من الدول المتقدمة، لكنها استبعدت – كما جاء على لسان رئيس البنك المركزي الصيني زهو – أي نية لديها لإحداث تغيير جذري في سعر صرف العملة، مؤكداً في الوقت نفسه على أن المشكلة الحقيقية تكمن في تراجع أسعار صرف عملات الاحتياط كالدولار الأمريكي.

هناك قضية أخرى تفاقم المشاكل التي تواجهها أسعار صرف العملات العالمية، وهي مشكلة تدفقات رأس المال إلى دول الاقتصادات الناشئة، حيث أدت الأزمة المالية العالمية إلى تباطؤ نمو الاقتصادات المتقدمة، ومن ثم توجه رأس المال إلى دول الاقتصادات الناشئة ذات النمو المتسارع. المشكلة أن هذه التدفقات تؤدي إلى رفع سعر صرف عملات الدول المستقبلة لتدفقات رأس المال، مما يقوض تنافسية صادراتها في الأسواق العالمية.

البرازيل على سبيل المثال تعاني من أن سعر صرف عملتها مقوم بأكثر من قيمته الحقيقية بسبب تضاعف تدفقات رأس المال إليها، مما جعلها تضع تدابير للحد من هذه التدفقات. وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فقد تضطر البرازيل وغيرها من دول الاقتصادات الناشئة للتدخل في أسواق الصرف لتخفيض سعر صرف عملاتها، وهو ما يزيد من القلق بشأن تزايد احتمالات حدوث حرب عملات بين الدول.

*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.