هكذا نقرأ إستراتيجية أوباما تجاه الإرهاب
الأربعاء, 17-مارس-2010
الميثاق إنفو - بغض النظر صدق حدس المتفائلين أم لا بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما جاء إلى البيت الأبيض بأجندات جديدة تغيّر من واقع ملفات الحرب التي فتحها سلفه جورج دبليو بوش على الإرهاب، إلا أن ذهابه إلى معركة أفغانستان يحكي غير ذلك، فهي ذات الجبهة التي أفتتح بها بوش إستراتيجية الحرب على الإرهاب. وبالتالي كانت أول مجريات التفاوت بين الاستراتيجيين (لأوباما وبوش) القيام بالتخفيف من التواجد الأميركي في العراق لصالح رفد قوات الاحتلال الأميركي بأفغانستان بما يقارب 30 ألف جندي أميركي لمواجهة حركة طالبان في جبال أفغانستان، وقرار أوباما بخصوص إعادة محورية الحرب من حيث بدأت في العام 2001، يأتي تعبيراً عملياً لما أعلنه أوباما بعد تقلده مهامه منصبه الرئاسي بأن اهتمامه سيتركز على الجبهتين الأفغانية والباكستانية ( ) ومع ذلك لا يمكن الجزم بأن حقبة أوباما ستكون بحيثيات حقبة بوش ذاتها، وإن بدت بعض الأمور لدى أوباما تذكر بسلفه بوش، إذ أن طموحات أوباما في أفغانستان تتعارض مع ما يريده غالبية الشعب الأميركي، وفي آخر استطلاع نشرته مؤسسة غالوب الأميركية في العام 2009 يعطى نسبة 55 في المائة لمعارضي الوجود الأميركي في أفغانستان، بينما 35 في المائة فقط يؤيدون التواجد الأميركي ( )، أيضاً استخدام عبارات تذكر بحقبة بوش، فقد أعطى أوباما حربة على الإرهاب سمة الصراع بين الحق والباطل أو العدل والعدوان وبأن أميركا لم ولا يجب أن تخسر حربها ( ). ويبدو أن طموحات أوباما في أفغانستان وباكستان، وما يتبع ذلك من تخفيف من حالة الاستنزاف التي لاقتها أميركا في العراق وأيضاً عدم التورط في جبهات جديدة، قد بدأت تتشكل معالمها منذ العام 2008 بعد الويلات التي جلبها بوش على أميركا، ويعتقد بروس رايدل الذي قضى 29 عاماً في العمل الاستخباراتي في الشرق الأدنى بأن الإستراتيجية الأميركية لمكافحة الإرهاب في آخر سنتين لجورج بوش وما بعد بوش يتوجب أن تكون شاملة بحيث تخوض أميركا مع شركائها مواجهة شاملة مع القاعدة تستهدف قادة القاعدة وأفكارها، وتغيير الظروف المحلية التي تتيح لها الازدهار ( ). الأمر الأكيد أن أوباما صارت لديه قناعة بعدم التعويل الكامل على إمكانيات وقدرات أميركا العسكرية التي بالغ في التعويل عليها جورج دبليو بوش، ويدرك جيداً أن القاعدة بدلاً من كونها كانت متركزة في أفغانستان فإنها قد تشظت وربما صارت أفكار القاعدة أكثر تمدداً واتساعاً في العالم الإسلامي بسبب الأخطاء الفادحة والكارثية للإدارة الأميركية السابقة، والواقع أن السياسة الحمقاء لبوش جعلت القاعدة تلقى حواضن جديدة لأفكارها الإرهابية التي ينميها التسلط الإمبريالي أينما كان، وبالتالي تتلقفها بيئات العنف والفوضى أينما كانت. بمعنى أن أميركا إذ ما تسببت بغزو لدول عربية أخرى ستخلق بالتأكيد دائرة عنف جديدة، ومن ثمّ فهي تعطي القاعدة ميداناً آخر يضاف إلى العراق وتمنح القاعدة فرصة إضافية للانتشار، وهذا بعينه ما يزيد من قوة القاعدة بحيث تصير أقوى مما مضى، وعندها على الولايات المتحدة الأميركية أن تواجه فروع جديدة للقاعدة غير مركزية، ليس في أفغانستان أو العراق فحسب، بل في دول عديدة فاشلة، لذا يظن أوباما أن المعركة ضد الإرهاب يجب أن يكون محورها أفغانستان وربما تمتد إلى باكستان بدلاً عن العراق الذي قد صار في أيدٍ عراقية تخضع للأجندة الأميركية لعوامل ضاغطة أبرزها بقاء القواعد الأميركية في العراق. إن السبب وراء العودة إلى مزيد من الاحتلال لأفغانستان كان بسبب تواجد زعماء القاعدة الكبار في الجبال الممتدة بين أفغانستان وباكستان، وفي هذه الأرض إذا ما عادت طالبان من جديد، فإن الأمور مع القاعدة ستعود من حيث كانت حيث تمكنت القاعدة في أحضان طالبان من إقامة معسكرات تدريب يُقال إنها أسفرت عن تدريب وتأهيل 100 ألف مقاتل أو جهادي خلال حقبة طالبان وما قبلها. ولكن من نقطة أن العنف قابل للازدياد في العنف بقدر تزايد التسلط والفقر والبطالة والجهل حول العالم فإن أول ما جنحت إليه الإدارة الجديدة عدم استخدام أو التقليل من مصطلح الحرب على الإرهاب في أحاديث وخطابات أوباما، وفي هذه النقطة يقول بروس رايدل المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية (سي. أي. إيه) وأحد مستشاري أوباما خلال الفترة الانتقالية والحملة الانتخابية "إن مصطلح الحرب على الإرهاب ربما يتلاشى، ولكن الحرب على القاعدة لن تتلاشى مطلقاً" واسترسل في كلامه بخصوص القاعدة إلى القول بأنه من الخطأ المبكر الاستنتاج فربما تتعقب إدارة أوباما القاعدة بجدية أكثر من جورج دبليو بوش ( ). وعلى الأقل بالنسبة للإدارة الديمقراطية عدم جدوى الحرب على كوكب الأرض لأجل استئصال الإرهاب، وهو على الأقلّ ما جرى تصوره إعلامياً وتوصيفه استراتيجياً، بحيث أخذت في طريقها الاقتصاد والبشر وكلفت الولايات المتحدة إلى أن تغامر بجنودها واقتصادها لأجل القضاء على قلّة قليلة من الإرهابيين، وعلى العكس من ذلك كانت أفكار أولائك الأقلية المتطرّفة تزداد انتشاراً، والفضل يعود لاستراتيجيات تدمير الدول وغزوها تحت طائلة مزاعم الحرب على الإرهاب والتي طمحت أن تأخذ في طريقها دولاً وشعوباً، وكان يكفي فقط تصفية الحساب مع القاعدة والقبض على أسامة بن لادن والظواهري وابن اليزيد وهو الأمر الذي يمكن به إقناع الشعب الأميركي بالحروب الأميركية المثارة لضمان الأمن والمصالح والنفوذ الاستراتيجي الأميركي في العالم. وكان من شأن تعقيدات حقبة بوش أن أدرك المعنيون الإستراتيجيون في واشنطن أن حروب ما بعد الحادي عشر من سبتمبر ستأخذ أبعاداً جديدة منها إعادة الاعتبار للقوة الأميركية الناعمة في العالم، وكذا الاستفادة بما يمكن أن تقدّمه الحرب الفكرية من خدمات مجانية تبقى البنادق في أماكنها، وبلا شك أن الانغماس في حوار هادئ يستخدم القوة العسكرية لإجراء عمليات جراحية أفضل من استخدام القوة العسكرية وحينما تصطدم بردات فعل عنيفة يتم العودة إلى الحوار. وعلى كل حال، فإن أوباما قادم من خارج المؤسسة البيضاء في أميركا وليس ذي صلة بالإرث الإمبريالي الأميركي، إذ هو قادم من أفريقيا وآباءه يدينون بالإسلام، بالتالي فإن أول ما يعطي انطباعاً جديد بأن أميركا تريد وتعمل على تغيير ما انعكس عنها في العالم الإسلامي خصوصاً حيال كذبة الديمقراطية الأميركية في العراق وفضيحة سجن أبو غريب ومعتقل جوانتنامو هو ما قام به أوباما مثل. - الدعوة إلى الحوار والتقارب بين الإسلام والمسيحية، لذا ألقى خطاباً من جامعة القاهرة. - إظهار إدارته بمظهر التواضع، وعندما قام بزيارة للسعودية أنحنى نصف انحناءه للملك عبد الله بن عبد العزيز أثناء مصافحته. - دعم الإسلاميين غير الراديكاليين أو القبول بهم على اعتباره أنهم غير متطرفين ويقبلون بالآخر، وما يحلو للبعض تسميته بالإسلام على الطريقة الأميركية. - اتخاذ إجراءات في الفضائح الأخلاقية لأميركا، بإغلاق الأماكن التي تمت فيها تلك الأعمال، وإجراء محاكمات يشأنها. - دعم الأنظمة الإسلامية المحلية الجادة في الحرب على القاعدة بحيث تقوم بالعمليات بشكل مستقل. كل هذا الذي يريده أوباما مجرد طموحات وقد تكون أحلاماً فالمعركة مع القاعدة ازدادت صعوبة بفعل تبعثر القاعدة وأفكارها وقياداتها الوسطية والصغرى في العالم، ناهيك عن كون جبال أفغانستان أشد ضراوة وعنفاً من العراق بسبب أن الأراضي العراقية في أغلبها منبسطة وليست جبلية، وبالتالي قد تصير أفغانستان القشة التي تقصم ظهر البعير كما حصل قبلها مع الإتحاد السوفييتي الذي عجز في نهاية المطاف عن دفع متطلبات اقتصادية تلبي احتياجات بقاء الاتحاد مع الجمهوريات السوفييتية. لكن لماذا أرفقت باكستان إثر أفغانستان، لابد أن المسألة لا تقتصر فقط على مجرد وجود نسخة أخرى من طالبان في الأراضي الباكستانية، ولا لمجرد وجود إقليم مشترك وطويل يمتد من أفغانستان إلى باكستان خاص بقبائل البشتون التي تنحدر منها طالبان أفغانستان وأيضاً طالبان باكستان، بل إن المسألة تأخذ في سياقها كل ذلك متضمنة لخطورة وجود قدرة نووية باكستانية تقدّر بمائة رأس نووي، ولعله هذا الأمر هو أكثر ما يؤرق الإدارة الأميركية التي تعلم علم اليقين أن تلك الأسلحة إذا ما وقعت في أيدي طالبان فستتغير المعادلة برمتها. والأمر الأخير الذي يجلي الستار يتمثل في أن طالبان في حقيقة الأمر ليست القاعدة، غير أن ما بينهما مجرد تأثر لطالبان بأسلوب القاعدة في التفجيرات والأعمال الانتحارية، لكنها في نهاية المطاف ليست القاعدة، وبالتالي لطالما لوّحت أميركا وتابعها كرزاي بأفغانستان لحركة طالبان أفغانستان الدخول في مفاوضات لإشراكها في إدارة أفغانستان وتبدو هذه الخصيصة من العلامات الفارقة بين الجمهوريين والديمقراطيين، فالديمقراطيون يتركون الفرصة للقوة الناعمة وما يترافق معها من آليات وسياسات تأخذ وقتها ما لم فإن القوة العسكرية ستكون الخيار الفصل بالنسبة لهم
أحمد محمد الشرعبي
السياسية
|