المشاركة السياسية في اليمن بين التقليدية والحداثة في الفترة من 1962 - 2007
السبت, 11-يوليو-2009
لقمان علي مطهر العثربي - نال الباحث اليمني علي مطهر العثربي درجة الدكتوراه في العلوم السياسية بامتياز من جامعة أم درمان بجمهورية السودان الشقيق، عن أطروحته العملية والبحثية حول المشاركة السياسية في اليمن في الفترة من 1962م إلى 2007م ولأهمية ما ورد فيها نقدم عرضاً موجزاً لها بهدف الوقوف على مسيرة تطور المشاركة السياسية والمصاعب التي واجهتها.
*إن المشاركة السياسية شكلت هما مزمناً في ذهن الباحث والمفكر اليمني الدكتور/ علي مطهر العثربي وشغلت حيزاً من فكره فهو يرى أن المشاركة السياسية في صنع القرار ركيزة أساسية من ركائز الأمن والاستقرار عبر مراحل التاريخ الطويل، بل في حالة وجودها تتحقق التنمية الشاملة، ويعم الرخاء ويسود الرضا والقبول، ويستمد الحاكم قوته وشرعية حكمه من المشاركة السياسية الشعبية القادرة على تنفيذ الإرادة الكلية للشعب، ويرى ومن وجهة نظره أن المشاركة السياسية بهذا المفهوم باتت ضرورة حياتية لا تستقيم الأمور الا بممارستها بوعي، ويرى من خلال دراسته للحياة السياسية في اليمن أن قوى الحداثة في اليمن تسعى إلى المشاركة السياسية في أطر حديثة بينما القوى التقليدية تحتكر المشاركة السياسية في أطرها التقليدية ولا تقبل بمشاركة فئاتي المجتمع وتقاوم التنوير والتحديث لاعتقادها أن الحداثة تضر بمصالحها، وهنا ظهرت حالة من الصراع بين النخب التقليدية والنخب المطالبة بالحداثة وهو ما أثار العديد من التساؤلات في ذهن الباحث ومنها:
هل المشاركة السياسية سبب من أسباب الاستقرار السياسي في اليمن؟
كيف تطورت المشاركة السياسية في اليمن؟
ما المقصود بالحداثة والتقليدية في اليمن؟
كيف قاومت القوى التقليدية في المجتمع اليمني قوى الحداثة ومطالبتها بتحديث المجتمع؟
وإلى أين وصلت النخب الفكرية المثنورة في مساعيها لتنوير المجتمع؟
ماهو دور القبيلة اليمنية في صنع القرار السياسي قبل الثورة وبعدها؟
هل كانت الثورة اليمنية سبباً من أسباب انعدام المشاركة السياسية؟
لماذا الانقلابات في اليمن في الفترة من 1962م -1978م
ما الذي حدث في 17 يوليو 1978م و كيف تحولت اليمن من حوار المدافع إلى حوار العقول والأفكار؟
ما الذي صنعه علي عبدالله صالح في 24 أغسطس 1982م حتى تحقق الاستقرار السياسي في اليمن؟
كيف تم تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م وأين موقع المشاركة السياسية الحديثة بعد إعادة وحدة شطري اليمن؟
كيف تطورت المشاركة السياسية في عهد الرئيس علي عبدالله صالح في الفترة من 17 يوليو 1978م وحتى 2007م.
هذه التساؤلات وغيرها كثير هي موضوع الدراسة التي تحاول الإجابة عليها بشكل موضوعي، وتتبع مراحل نشأة وتطور المشاركة السياسية بين التقليدية والحداثة في مختلف العصور، ولدى كثير من المفكرين والمنظرين والباحثين الاكاديميين وفي الفكر الفلسفي وفي النظم السياسية المعاصرة لتقدم صورة واضحة لمدى أهمية المشاركة السياسية في مختلف مراحل تطور الحياة السياسية، كما أن هذه الدراسة الأولى من نوعها في المشاركة السياسية والتأصيل لهذا المفهوم إذ ركزت بدرجة أساسية على المشاركة السياسية في اليمن بين التقليدية والحداثة خلال الفترة من عام 1962م وحتى عام 2007م.
وقدمت لمحة تاريخية عن المفهوم النظري للمشاركة السياسية في العصور الغابرة واستعرضت تطور المفهوم لدى اليونان والرومان وفي العصور القديمة من التاريخ السياسي لليمن، ثم في الفكر السياسي المسيحي والفكر السياسي الإسلامي، وتابعت الدراسة الممارسة العملية للمشاركة السياسية في عهد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وفي عهد خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين لتعمق المفهوم العملي للمشاركة السياسية في الفكر السياسي الإسلامي، ثم استعرضت الدراسة أسلوب وتطور المشاركة السياسية في القبيلة اليمنية وتابعت مراحل هذا التطور والعقبات التي واجهته والثورات التي ظهرت نتيجة لغياب المشاركة السياسية أو محاولة تغييبها، وركز على فترة حكم الأئمة في اليمن للتعرف على الأساليب التقليدية للمشاركة السياسية الرافضة لكل جديد وحديث، وحالة الصراع بين القوى التقليدية وقوى الحداثة في تلك الفترة، لتعرف الباحثين على المزيد من الأسباب الموضوعية لقيام الثورة اليمنية.
إن تتبع تطور المشاركة السياسية عبر مراحل التاريخ الطويل سيعطي صوراً مختلفة عن المشاركة السياسية التي خضعت خلالها لظروف الزمان والمكان في تلك المراحل، إذ إن الموقع الجغرافي لليمن المتميز بطول شريطه الساحلي المطل على البحر الأحمر من الغرب والبحر العربي والمحيط الهندي من الجنوب قد شكل حلقة إتصال وتواصل بين الحضارات في أوروبا الشرقية والغربية وبات مؤثراً ومتأثراً بما يحدث من متغيرات في العالم من حوله بحكم الاتصال التجاري، رغم العزلة التي عاشها اليمن في عهد الإمامة، وأعطت الدراسة في التاريخ القديم صورتين متناقضتين تماماً للمشاركة السياسية في اليمن سجلها القرآن الكريم، الصورة الأولى كانت مشرقة، وحققت الأمن والاستقرار وهي صورة المشاركة السياسية والشعبية في عهد الإمامة، وأعطت الدراسة في التاريخ القديم صورتين متناقضتين تماما للمشاركة السياسية في اليمن سجلها القرآن الكريم، الثورة الأولى كانت مشرقة، وحققت الأمن والاستقرار وهي صورة المشاركة السياسية والشعبية في عهد ملكة اليمن في دولة سبأ التي ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى على لسان ملكة اليمن" قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون" صدق الله العظيم، إذ ركزت الدراسة على نتائج هذه المشاركة لتبين أهمية مبدأ المشاركة السياسية في حياة الأمم، أما الصورة الثانية فكانت قاتمة بسبب احتكار الحاكم للسلطة ومنع المشاركة السياسية، بل ومحاولة تغييبها بالقوة ومصادرة لرأي الشعب، وقدمت الدراسة عرضا لنتائج هذه الصورة التي عرضت البلاد والعباد للخطر، إذ كان من أبرز نتائجها انهيار سد مأرب العظيم، وهجرة الإقيال من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها والاحتلال الحبشي لليمن، وذلك في عهد الملك ذو نواس الحميري الذي كان قد اعتنق اليهودية وتشدد لها وحفر الأخاديد لحرق كل من لم يؤمن بالديانة اليهودية وقدمتها الدراسة كعبرة وعضة تاريخية ينبغي على اليمنيين عدم نسيانها.
ثم إن الدراسة قدمت صوراً مختلفة للمشاركة السياسية في عهد الأئمة وحددت بموضوعية أسباب الثورات على الأنظمة التي حاولت تغييب المشاركة السياسية وتتبعت ذلك قبل قيام الثورة، الفترة التي اتسمت بالمطالبة بالتحديث، وركزت الدراسة على تطوير المشاركة السياسة لدى مفكري الثورة اليمنية الذين قادوا حركة التنوير مستفيدين مما تعرفوا عليه في الخارج سواء عبر البعثات الدراسية في كل من العراق ومصر أو النفي والهجرة إلى باكستان وبريطانيا وبلدان المهجر الأخرى منذ بداية الأربعينيات في القرن الماضي وحتى اندلاع الثورة في 26 سبتمبر عام 1962م ثم إن الدراسة تتبعت مراحل وتطور المشاركة السياسية والشعبية ومحاولة القوى التقليدية السيطرة وتغييبها خلال تلك الفترة، وما شهدته اليمن من الصراع بين قوى الحداثة والتقليدية بل إن الدراسة قدمت مشهداً لنتائج غياب المشاركة السياسية والشعبية في السبعينيات من القرن الماضي.
إن الدراسة الأكاديمية قد تتبع الخطوات التي مضى فيها اليمنيون في سبيل ترسيخ مبدأ المشاركة السياسية واستعرضت نتائج المؤتمرات الشعبية التي عقدت عقب قيام الثورة اليمنية بهدف المطالبة بالمشاركة الشعبية، ونتائج تلك الحوارات التي كان من أبرزها الدساتير التي ظهرت سواء المؤقتة أو الدائمة أو الإعلانات الدستورية خلال فترات الحوارات التي كانت في بعض الأوقات فكرية وفي أخرى بالبندقية والمدفع، وقدمت الدراسة صوراً متعددة للمشهد السياسي للمشاركة السياسية وغيابها في بعض مراحل التاريخ السياسي في اليمن المعاصر الذي كان سبباً رئيسياً في عدم الاستقرار، كما أن الدراسة، ركزت على الفترة من 17 يوليو 1978م إلى 2007م وهي الفترة التي تميزت بظهور حالة من التوازن والمرونة بين قبول القوى التقليدية بجزء من التحديث وتنازل قوى الحداثة عن بعض مطالب التحديث، الأمر الذي يؤكد أن الحداثة لم تكن مطلبا فتوياً وإنما ضرورة حياتية تفرضها متغيرات العصر وتقترن بدرجة الوعي السياسي للشعوب، وإن محاولة تغييبها يؤدي إلى ألانتكاسه وتوقف حركة الإسهام في تطور الحياة الإنسانية والحضارية.
لقد أفردت الدارسة مساحة واسعة للفترة من 17 يوليو 1978م 2007م تتبعت خلالها المراحل العملية للمشاركة السياسية والشعبية والأسباب العملية والموضوعية للأمن والاستقرار الذي شهدته اليمن في تلك الفترة ووقفت الدراسة أمام الفكر الاستراتيجي لعلي عبدالله صالح الذي من خلاله استطاع إنجاز أعظم أهداف الثورة اليمنية ( إعادة تحقيق وحدة شطري اليمن في 22 مايو 1990م) بالطرق السليمة، وبينت الدراسة الدور البارز للقوى السياسية التي أسهمت في إنجاح الفكر الاستراتيجي لعلي عبدالله صالح الذي أعتمد علي مبدأ الحوار وإشراك كافة القوى السياسية الفاعلة في الحياة السياسية، وكيفية الوصول إلى صياغة الميثاق الوطني كعقد اجتماعي ووثيقة دستورية ونظرية سياسية استطاع اليمنيون من خلاله الممارسة العملية للمشاركة السياسية والشعبية وتجاوزوا العقبات الدستورية وكسروا من خلال الميثاق الوطني حاجز الخوف من الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، كما أوضحت الدراسة الطرق العملية التي تمكن اليمنيون من خلالها إيجاد الأداة السياسية ( المؤتمر الشعبي العام) لتنفيذ أهداف ومبادئ الميثاق الوطني بمشاركة كافة القوى السياسية الفاعلة في الحياة السياسية، وقدمت الدارسة صورة عملية لمراحل التطور السياسي للحزب الاشتراكي اليمني الكبير وكيف اعتبر الأداة السياسية للعمل السياسي في تلك الفترة، ثم استعرضت الدراسة الخطوات العملية التي اتبعها اليمنيون من أجل الوصول إلى إعادة وحدة الشطرين بالطرق السلمية.

لقد أفردت الدراسة الأكاديمية باباً كاملاً لتتبع تحديث المشاركة السياسية بعد إعادة وحدة شطري اليمن في في 22 مايو 1990م من خلال الدراسة التحليلية للفترة الانتقالية وبيان الايجابيات والسلبيات وتوضيح الأساس النظري للتعددية السياسية والحزبية خلال تلك الفترة وبيان الصورة العملية لحجم الاحزاب السياسية التي ظهرت ، ثم بينت الدراسة دور الأحزاب والتنظيمات السياسية في عملية الاستفتاء على مشروع دستور دولة الوحدة ( الجمهورية اليمنية) و نتائجه على تثبيت الوحدة الاندماجية الكاملة، وأشارت الدراسة إلى تأثير القبيلة اليمنية في الحياة السياسية العامة وكيفية الاستفادة من الولاء القبلي لخدمة الولاء الوطني الكلي لتحقيق الاندماج الوطني الكامل، ثم بينت الدراسة دور القوى السياسية الفاعلة في تحديث الصيغ الدستورية والقانونية للمشاركة السياسية في اليمن وصولاً إلى مشاركة الأحزاب والتنظيمات السياسية في الانتخابات البرلمانية الأولى للجمهورية اليمنية في 27 إبريل 1993م وبينت نتائجها وآثارها الايجابية والسلبية على الساحة اليمنية ونتائج ذلك التأثير على الحياة السياسية، ثم استعرضت مرحلة الائتلاف الحكومي الأول والنتائج التي أفرزها والأزمة السياسية وأثرها السلبي على الحياة العامة في اليمن، وأوضحت الدراسة دور الأحزاب والتنظيمات السياسية في حماية الوحدة اليمنية أثناء حرب صيف 1994م وبينت المبادرات التي تقدمت بها، ومبادرات العملاء والموقف الشعبي ونتائج كل ذلك علي تثبيت الوحدة اليمنية والحفاظ عليها.
لقد بينت الدراسة الخطوات العملية لتحديث المشاركة السياسية بعد تثبيت الوحدة اليمنية واستعرضت تجربة المؤتمر الشعبي العام في الممارسة العملية للديمقراطية في مختلف أطره وتكويناته القيادية والقاعدية، وكذلك تجربة الأحزاب والتنظيمات السياسية في التكتلات التي ظهرت بعد تثبيت الوحدة وأثارها السلبية والايجابية على الأداء السياسي لتلك الأحزاب خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وبينت دور قوى التقليدية والحداثة في تطورات الحياة السياسية في اليمن وأخيراً الخاتمة واستشراف المستقبل التي تضمنت الآتي:
إن استشراف آفاق مستقبل المشاركة السياسية في اليمن يتضح من خلال التحديث الذي استعرضته الدراسة في الفصول السابقة منذ عام 1962م وحتى عام 2007م إذ ركزت الدراسة على التعددية السياسية عقب إعادة وحدة شطري اليمن في 22 مايو 1990م وأثبتت أن اليمن يسير باتجاه التحديث السياسي في مختلف جوانب الحياة، وإن كانت القوى التقليدية مازالت ذات تأثير في مفاصل الحياة السياسية في ظل اعتماد الأحزاب والتنظيمات السياسية على الوجاهات القبلية في الانتخابات المحلية والنيابية، ويرى الباحث أن هذا التأثير سيظل فاعلاً خلال المرحلة القادمة مالم تكثف الأحزاب والتنظيمات السياسية من وجودها الفعلي في أوساط الجماهير لكسب الولاء التنظيمي القائم على الإقناع ببرامجها المختلفة التي ينبغي أن تلامس هموم الناس وتطلعاتهم بدلاً من الاعتماد على أفراد بعينهم، وإحداث حركة توعوية ثقافية في أوساط المجتمع القبلي التقليدي الذي غالباً ما يعتمد على الثقافة بالتقليدية التي تعتمد على العرف القبلي(2) وهو الخيار الذي ينبغي على الأحزاب والتنظيمات السياسية أن تؤمن به وتسعى إلى تفعيله وهذا ما يؤكده كثير من الباحثين(3) وقد لاحظ الباحث سواء من خلال دراسته للمشاركة السياسية أو إشرافه المباشر على العمليات الانتخابية في مختلف مراحلها أن تأثير القوى التقليدية لا يكون فاعلاً إلا في المناطق الريفية التي تقل فيها نسبة التعليم، غير أن ذلك لا يمكن أن يدوم طويلاً لأن قوى الحداثة هي المستقبل الفعلي لليمن خصوصاً أن أبناء القبائل يتجهون نحو التحصيل العلمي للوصول إلى أعلى الدرجات الأكاديمية، فكلما كثفت الدولة نشر العلم والمعرفة في المناطق الريفية كلما قلت نسبة الأمية وضعفت القوى التقليدية وزادت الرغبة في التحديث، وسيفرض هذا الاتجاه نفسه على الواقع ويصبح الاختيار على أساس علمي وموضوعي وليس قبلي سواء في اختيار قيادات الأحزاب او في اختيار الأحزاب لمرشحيها في الانتخابات المحلية والنيابية والرئاسية.
إن المؤسسات الدستورية الحديثة في الجمهورية اليمنية (كالأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني) قد قطعت شوطاً متقدماً في عملية التحديث السياسي والاجتماعي من خلال استيعاب القوى التقليدية التي مازالت فاعلة في المجتمع اليمني المعاصر، ونستطيع القول بأن القوى التقليدية لم ترفض قيم التحديث الاجتماعي والسياسي بل طالبت به من خلال مختلف الفعاليات التي نفذتها القبائل اليمنية (4) وهنا ينبغي على تلك المؤسسات الدستورية أن تعمل على توظيف هذه الولاءات لتنمية الولاء الكلي لليمن خدمة للصالح العام، وهذا الاتجاه سيجعل كل تلك المؤسسات مقبولة ومرغوبة في أوساط الجماهير بشكل أكثر وأن تعتمد على العناصر الأكثر تأهيلا، وينبغي القول بأن هذه المؤسسات قد تمكنت خلال الفترة من 1990م إلى 2007م من إلغاء التقليدية التي هيمنت خلال الفترة من 1962م إلى 1990م والخاصة برفض الحزبية التي كانت مقرونة بالعمالة والخيانة، وهذا إنجاز كبير على طريق التحديث السياسي والاجتماعي والقبول بالرأي والرأي الآخر.
إن التحديث السياسي والاجتماعي الذي تحقق خلال الفترة محل الدراسة قد أحدث تغييراً جذرياً في مستوى التفكير بالعلاقات اليمنية العربية وبالذات العلاقات الخليجية اليمنية والسعودية بدرجة أساسية، حيث ظل الحديث عن الحدود اليمنية مع الغير من الأمور المحرمة، بل إن مجرد الحديث عن هذا الموضوع يندرج في خانة الخيانة الكبرى، ولم يجرؤ أحد على الحديث في هذا الموضوع إلا بعد إعادة وحدة الشطرين في 22 مايو 1990م وهي النقطة التي انطلق منها اليمنيون باتجاه أشقائهم رغم التخوف الذي أحدثته الوحدة اليمنية لدى دول مجلس التعاون الخليجي إلا أن الممارسات العملية التي أظهرها اليمنيون عقب الوحدة قد برهنت للعالم أن إعادة وحدة شطري اليمن الى التوحد عامل أمن واستقرار للمنطقة العربية ولمنطقة الخليج العربية بدرجة أساسية، ونتيجة لحالة التحديث التي شهدتها اليمن تم البدء في محاولة إنهاء مشكلة الحدود الملتهبة بين اليمن والمملكة العربية السعودية باتفاق يونيو 2000م على قاعدة لا ضرر ولا ضرار (5)، وكان قد تم إنهاء مشكلة الحدود بين الجمهورية اليمنية وسلطنة عمان في 1/10/1992م (6)، والذي على إثره شهدت العلاقات اليمنية الخليجية تحولاً جذرياً من الجيرة إلى الشراكة (7)، حيث بدأت دول مجلس التعاون تدرك الأهمية الإستراتيجية للموقع الجغرافي للجمهورية اليمنية الذي يتمتع بشريط ساحلي بطول يصل إلى أكثر من 2300 كم، حيث أتاح الموقع الجغرافي المتميز لليمن فرصة إنشاء منافذ بحرية على شريطها الساحلي للبحر العربي خارج نطاق مضيقي هرمز وباب المندب، وهي المنافذ التي تسمح للنفط الخليجي بامتلاك مرونة كاملة في التوجه شرقاً إلى جنوب شرق آسيا أو غرباً إلى أوروبا (8)، ولذلك شهدت العلاقات اليمنية الخليجية أربعة مسارات في اتجاه الشراكة المستقبلية: المسار الأول: التأهيل التنموي الشامل للاقتصاد اليمني، وفي سبيل تفعيل هذا المسار اتبعت الخطوات التالية: حشد الدعم لتمويل مخرجات خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة للتخفيف من الفقر 2006-2010م وتمويل خطة التنمية العشرية حتى العام 2015م، من خلال إعداد الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بالتنسيق مع الجمهورية اليمنية لمؤتمر المانحين الذي انعقد في لندن في نوفمبر 2006م وأسفر عن تعهدات بحصول الاقتصاد اليمني على ما يتجاوز أربعة مليارات ونصف المليار دولار قدمت منها خمس من دول مجلس التعاون الخليجي نصف هذا الدعم الدولي (9)، أما المسار الثاني: إيجاد مناخ وبيئة مواتية وجاذبة للاستثمارات المحلية والخليجية والدولية والترويج لها وقد نفذت أكبر خطوة عملية في هذا الاتجاه بالتعاون المشترك بين الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي والجمهورية اليمنية وهي انعقاد مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار في اليمن الذي انعقد في العاصمة صنعاء في ابريل 2007م بمشاركة أكثر من 650 من كبريات الشركات الاستثمارية في الخليج واليمن (10)، وفي ما يخص المسار الثلاث: تفعيل مجموعة العمل بشأن استكمال انضمام اليمن الى عدد من المنظمات الاقتصادية والاجتماعية وتفعيل دور اللجان المشتركة لتأهيل اليمن للاندماج في اقتصاديات مجلس التعاون(11). 

لقد أوضحت الدراسة أن الجمهورية اليمنية قد شهدت تحديثاً في مختلف جوانب الحياة نقلت اليمن من الحالة التقليدية التي كانت سائدة قبل الثورة الى الحداثة في العصر الراهن، وخصوصاً بعد إعادة وحدة شطري اليمن، على اعتبار أن الوحدة اليمنية قد كسرت حاجز الخوف وعدم الثقة التي كانت سائدة سواء بين اليمنيين أنفسهم أو بينهم ودول الجوار الجغرافي، فعلى مستوى السياسة الخارجية للجمهورية اليمنية شهدت اليمن توازناً مرناً بين السياسة الداخلية والخارجية الأمر الذي مكنها من إحداث نقلة نوعية في سياستها الخارجية وحظيت باحترام دولي غير مسبوق من خلال اعتمادها على مرتكزات ثابتة في سياستها الخارجية(12)، ولعل ما حدث من تطور ملحوظ في علاقات اليمن بغيره من دول العالم قد مكن الجمهورية اليمنية من إحداث نهوض تنموي شامل في مختلف جوانب الحياة من خلال دعم الدول المانحة وفي المقدمة دول مجلس التعاون الخليجية، الأمر الذي يعطي مؤشراً واضحاً باتجاه مزيد من التحديث الذي تسعى إليه اليمن منذ وقت مبكر والرهان بالدرجة الأولى على تنامي العلاقات اليمنية الخليجية، سواء كانت على المستوى الثنائي او على مستوى علاقات اليمن بمجلس التعاون الخليجي، فعلى المستوى الثنائي تتمتع اليمن بعلاقات قائمة على: قاعدة صلبة من التفاهم العميق في إطار التعاون المشترك والتنسيق المستمر والتشاور المتواصل(13) واليمن جزء مهم في المنطقة لما تتمتع به من كثافة سكانية ينبغي أن تستغل للنهوض بالاقتصاد بمجلس التعاون(14)، وقد قدرت اللجنة الفنية المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليمن احتياجات اليمن التمويلية لبرنامج التنمية وتأهيل اقتصاد اليمن لإدماجه مع الاقتصاديات الخليجية بثمانية وأربعين مليار دولار للفترة من 2006م إلى 2015م(15)، وتبين المؤشرات أن حجم التبادل التجاري بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي قد بلغ 366.1 مليار ريال خلال عام 2005م بزيادة 71 مليار ريال عن العام السابق ويمثل نسبة 35% من تجارة اليمن(16)، ويتضح من خلال المؤشرات الاستثمارية لدول مجلس التعاون الخليجية أنها مازالت متواضعة ولم ترق إلى المستوى الذي يطمح إليه أبناء اليمن والخليج، وتأتى في المقدمة الاستثمارات السعودية التي بلغت 280 ملياراً و 102 مليون ريال بموجودات ثابتة تبلغ 132 مليارا و 136 مليون ريال وفرت خمسة آلاف و 919 فرصة عمل(17) كما أن الباحثين الخليجيين يؤكدون أن أمام مجلس التعاون تجاه اليمن مسئولية كبرى(18)، وأشار خبراء اقتصاديون في البنك الدولي إلى أن انضمام اليمن إلى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية سيزيد توسيع حجم السوق بنسبة تزيد عن 50% بالنظر إلى الزيادة السكانية في اليمن(19).
إن المؤشرات المستقبلية تؤكد بأن الجمهورية اليمنية تسير بخطى حثيثة باتجاه التحديث خصوصا بعد زيادة نمو مواردها الاقتصادية بعد تثبيت الوحدة اليمنية في صيف 1994م، فقد أعلن أن 14 قطاعاً نفطياً قد تنافست عليه 62 شركة عالمية في محافظات الجوف وحضرموت والحديدة والمهرة وعدن وابين وشبوه(20)، بالإضافة إلى ما تنتجه من النفط والغاز الذي يصل احتياطي الغاز فيه إلى 14 تريليون قدم مكعب في مارب(21)، ناهيك عن المؤشرات المستقبلية في مجال الزراعة والثروة السمكية والتنمية السياحية في اليمن حيث بلغ عدد المنشآت السياحية 1428 منشأة سياحية في عام 2000م واحتلت القارة الأوروبية المرتبة الأولى في توافد السياح إلى اليمن، وهذه الموارد الثلاثة متجددة وغير قابلة للنضوب وإن استثمار رأس المال الخليجي فيها حتى الآن مازال ضعيفا.
إن التحديث الذي طرأ على المجتمع اليمني منذ الثورة في عام 1962م، ثم إعادة وحدة شطري اليمن عام 1990م وحتى اليوم قد شمل المدينة والريف فقد تمكنت الجمهورية اليمنية من مد شبكة الطرقات الإسفلتية والمعبدة إلى كافة أرجاء اليمن وربطت اليمن بدول الجوار الجغرافي، ومدت شبكة الهاتف والكهرباء والمياه العذبة، والصرف الصحي، وغطى البث الإذاعي والتلفزيوني كل اليمن، ونشرت المدارس والمعاهد والكليات والجامعات في المدن وعواصم الأرياف، ولم يعد من فرق بين المدينة والريف كما كان قبل الثورة، وكانت المرأة اليمنية تعاني من الأمية، غير أن الدولة اتخذت خطوة عملية في هذا الشأن باعتمادها دعماً تحفيزياً للفتاة اليمنية بهدف تحفيز أولياء الأمور للدفع بالفتيات إلى التعليم، وقد حققت هذه الخطوة نجاحاً في مدارس التعليم الأساسي بالمحافظات والمديريات المستهدفة حيث بلغ عددهن في العام الأول للمشروع (الذي اعتمد للفترة من 1990م- 1994م (36.000) طالبة، وهناك تنامٍ سنوي لهذه الفئة بواقع 10% في السنة حيث وصل عدد الطالبات في المدارس المستفيدة في العام الرابع للمشروع (48.000) طالبة في عدد (693) مدرسة بنسبة نمو فعلية بلغت 33% خلال سنوات المشروع، ثم تنامت أعداد المدارس المستهدفة حتى وصلت 954 مدرسة وبلغت نسبة النمو نهاية 2002م 39%، وتم اعتماد مشروع التغذية المدرسية الجديد 2002-2007م الذي يبلغ قيمته أكثر من 13.000.000 دولار والذي سيستهدف الإناث في مدارس التعليم الأساسي في المحافظات والمديريات في عموم الجمهورية اليمنية(22)، وإذا كانت جميع هذه الخطوات قد حققت قدراً متميزاً في اتجاه التحديث إلا أن القوى التقليدية في اليمن ستستمر في التأثير على قوى الحداثة والتغيير بحكم المصالح التي تسعى القوى التقليدية إلى تثبيتها لاعتقادها المرتبط بالماضي القائم على النظرة الضيقة في عهد الإمامة والاستعمار، والسبيل الأمثل لمواجهة هذه القوى هو انتهاج المزيد من الديمقراطية والمشاركة السياسية وتعميق الوعي الثقافي ومواجهة الفساد وكل الظواهر غير المقبولة في المجتمع ووضع المعالجات الجذرية لها باعتبارها الضمانة الأكثر فاعلية في القضاء على الممارسات السلبية للقوى التقليدية. 

إن كافة السبل التي اتخذتها الجمهورية اليمنية في سبيل القضاء على بعض الظواهر غير المقبولة في المجتمع الحديث مازالت بحاجة إلى تفعيل وتطوير ودعم، لكي تواصل اليمن جهودها في القضاء على تلك الظواهر التي من أبرزها الثأر وحمل السلاح والتعصب القبلي، الذي يظهر بين الحين والآخر في بعض المناطق النائية، ويرى الباحث إن هذه المسئولية جماعية ينبغي على الجميع القيام بها الحكومة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني على حد سواء، كما أن على دول الجوار الجغرافي في مجلس التعاون الخليجي أن تمد يد العون والمساعدة لليمن في سبيل القضاء على ما يعتبره البعض من السياسيين في مجلس التعاون الخليجي عقبة في طريق انضمام اليمن إلى عضوية المجلس(23)، وإذا كانت قضايا حمل السلاح وحيازته والثأر والتعصب القبلي في بعض المناطق النائية تمس الجانب الأمني، فإن على اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي أن يعتمد دراسة علمية لأسباب هذه الظواهر، ومن ثم اعتماد الأساليب الناجعة لمعالجتها من جذورها، ويرى الباحث إن هذا الجانب لن يكلف الجانبين أكثر من توفير المال اللازم لإيجاد الوسائل المناسبة للقضاء نهائياً على هذه الظواهر السلبية التي تعيق عملية التحديث، وينبغي أن يدرك الجميع: إن أمن اليمن من أمن دول مجلس التعاون والعكس صحيح(24)، كما ينبغي على مجالس النواب والشورى والوزراء أن تسن القوانين التي تجرم كل فعل يقف عائقاً في طريق التحديث والتغيير نحو الأفضل المنشود، وأن تفعل الأجهزة الخاصة بمواجهة الفساد كالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية لمواجهة الفساد ونيابات الأموال العامة، ويرى الباحث إن الخطوات التي اتبعتها الدولة في مجال نشر الأجهزة الأمنية على كل أرجاء اليمن، بالذات المناطق الريفية البعيدة، التي ينبغي أن يترافق معها إيجاد كافة الأجهزة الخدمية التي توفر للمواطن حاجته اللازمة والكفيلة بحماية واستمرار التنمية واحدة من أبرز المهام العاجلة التي ينبغي القيام بها وعدم تأخيرها، لأنها تقطع الطريق على القوى التقليدية وتحد من ممارساتها السلبية وتعمل على استقطاب أبناء الريف وإدماجهم في العملية التعليمية وتمكنهم من المشاركة السياسية الفاعلة وترفع عنهم الوصاية الأبوية والروحية للقوى التقليدية.
إن خط التوازي والتوازن بين التقليدية والحداثة الذي تحاول تجربة المشاركة السياسية في اليمن الحفاظ عليه قد حقق نجاحاً، بالنظر إلى المجتمع اليمني وموروثه التاريخي وجذوره التقليدية، إذ واجهت التجربة مشكلة الصراع الثنائي بين التقليدية والحداثة وقد أوضحت الدراسة إن مقومات التقليدية في بعض الفترات كانت تظهر أكثر فاعلية، غير أن الأهداف التي أعلنتها الثورة اليمنية 26 سبتمبر و 14 أكتوبر عامي 62 و 1963م ومثلت إجماع اليمنيين على تنفيذها كانت في كل مرحلة من مراحل الصراع بين التقليدية والحداثة المرجعية التي شكلت نقطة الالتقاء بين ثنائي الصراع، ثم جاءت نقطة التحول الكبرى التي حجمت فاعلية القوى التقليدية وأعطت دفعة قوية للتحديث في 22 مايو 1990م، عندما تحقق إعادة وحدة شطري اليمن، وهو ما مكن محاولات التوفيق بين التقليدية والحداثة من إظهار فاعلية أكثر وجعل الأولى تبدي تفهماً ومرونة باتجاه قبول التحديث مع الحفاظ على المصالح المشتركة في الحياة السياسية العامة، بل يمكن القول إن التفاعل بين التقليدية والحداثة في اليمن في مجال المشاركة السياسية قد تجاوز الثنائية وبات المجتمع اليمني أكثر استيعاباً للتحديث من أي وقت مضى، وهذا لا يعني أن الصراع بين التقليدية والحداثة في اليمن قد انتهى وإلى الأبد، بل إن فاعلية التقليدية ستضل كامنة تراقب الحداثة لمنعها من تجاوز مصالحها، ثم تستخدم الدستور وأهداف الثورة اليمنية عندما تشعر بتضرر مصالحها، وبعض هذه القوى النفعية التقليدية تحاول كلما سنحت لها فرصة الاختلاف العودة باليمن إلى ما قبل 1962م، والبعض الآخر من القوى النفعية تحاول العودة باليمن إلى ما قبل 22 مايو 1990م، وعليه ينبغي التفاعل مع المستجدات الإيجابية التي تظهر صيغاً جديدة تفوق محاولات التوازن بين التقليدية والحداثة بهدف تطويرها ودعمها نحو تحقيق الأفضل للمجتمع اليمني الحديث وتجاوز نفعية القوى التقليدية التي تضع العثرات أمام التحديث السياسي والاجتماعي والثقافي والعلمي في اليمن المعاصر. 

النتائج
لقد أجابت الدراسة على العديد من التساؤلات التي طرحت في خطة الدراسة وأوضحت جملة من الحقائق الموضوعية المستنتجة من الدراسة على النحو التالي:
الحقيقة الأولى: أن التطبيق العملي القائم على الشفافية لمبدأ المشاركة السياسية في اليمن يولد الرضا والقناعة ويمنح السلطة قوة الشرعية المستمدة من الثقة الجماهيرية، ويعطيها الحق الدستوري والقانوني في فرض هيبة الدولة ومنع الانحراف أو الإخلال بالأمن العام والسكينة العامة.
الحقيقة الثانية: إن حرية المشاركة السياسية في اليمن عمقت مبدأ امتلاك الشعب للسلطة، وأنه مصدرها ويمنح الثقة لمن يرى فيه الصلاح والقدرة على تحقيق آماله وطموحاته، وأن الشعب قادر على سحب هذه الثقة في حالة الإخلال بأمانة المسئولية، حيث أوضحت الدراسة ممارسة الشعب لحقه في امتلاك السلطة، وبينت حق الشعب في مراقبة المؤسسات والهيئات الدستورية من خلال مظاهر وضمانات المشاركة السياسية التي استعرضتها الدراسة.
الحقيقة الثالثة: أن التعددية الحزبية جزء من المشاركة السياسية وهي وسيلة فعالة للنضال السلمي من أجل الوصول إلى السلطة عبر الشعب مالكها ومصدرها الأصيل، فإذا انطلقت الحزبية من مبدأ الولاء الوطني للشعب اتصفت بالشرعية وقوبلت بالرضا وما دون ذلك فإن الشعب يرفضه جملة وتفصيلا.
الحقيقة الرابعة: أن حرية المشاركة السياسية ضمانة أكيدة لمبدأ الحوار الذي انتهجه اليمنيون منذ آلاف السنين وحققوا من خلاله التقدم الحضاري الذي خلف آثاراً شاهدة على المستوى الذي وصلت إليه الحضارة اليمنية في التاريخ القديم، وضمانة أكيدة لتطور وازدهار اليمن في العصر الراهن، إذ أن الحوار هو المبدأ الذي على أساسه تمكن اليمنيون من إعادة وحدة شطري اليمن في 22 مايو 1990م.
الحقيقة الخامسة: أن حرية المشاركة السياسية عبر مراحل التاريخ السياسي القديم والمعاصر مبدأ ثابت لا يمكن أن يتحقق الأمن والاستقرار بدونه، وضمانة أكيدة للوحدة الوطنية، ومانع فعلي لمحاولة أية فئة الانحراف باحتكار السلطة وعدم إفساح المجال للمشاركة الشعبية في صنع الحياة السياسية العامة في اليمن، ومانع أصيل للتعصب الفئوي او الطائفي او المناطقي الذي أضر باليمن خلال مراحل التاريخ السياسي التي شهد فيها اليمن ثورات ضد التعصب.
الحقيقة السادسة: أن غياب المشاركة السياسية في بعض مراحل التاريخ السياسي في اليمن كان عاملاً أساسياً من عوامل عدم الاستقرار السياسي، وإن الحضارة التي شهدها اليمن في فترات مختلفة من تاريخه السياسي القديم والمعاصر لم تكن إلا في ظل حكم قائم على المشاركة السياسية الشعبية.
الحقيقة السابعة: أن المشاركة السياسية في اليمن كانت وما زالت قائمة على مبدأ الشورى الذي جاء به الدين الإسلامي الحنيف، إذ أوضحت الدراسة مراحل تطبيق الشورى في حياة اليمنيين قبل وبعد الإسلام وفي العصر الراهن، وتبين أن الإسلام عقيدة وشريعة و هو صمام أمان لمستقبل المشاركة السياسية في اليمن، وإن إجماع الأحزاب والتنظيمات السياسية على هذا المبدأ بات ثبت من الثوابت التي لا تخرج عنه التعددية السياسية. 

التوصيات
يرى الباحث أن المشاركة السياسية من خلال ما قدمته الدراسة تشكل حجر الزاوية للأمن والاستقرار، وتخلق الرضا والقناعة وتزيل حواجز الخوف وتزرع الثقة وتمكن كل فئات المجتمع من حق المشاركة السياسية في صنع الحياة العامة، وتجعل كل فرد فيه يدرك بأنه عنصر فاعل وتكسر الاحتكار والتسلط وتمنع الطغيان وتقضي على الانغلاق والخوف من المشاركة السياسية، وتحجم الممارسات السلبية للقوى التقليدية وتمكن المجتمع من خوض غمار التحديث والتجديد والمشاركة في بناء الدولة اليمنية الحديثة دولة النظام والقانون، وتقضي على رواسب الماضي وترسخ العمل الديمقراطي التعددي وتصون الوحدة ولذلك فإن الدراسة توصي بما يلي:
- إجراء التعديلات الدستورية اللازمة لترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة
- العمل على تطوير المشاركة السياسية في كل المستويات
- حماية وتطوير تجربة المجالس المحلية الطريق الأكثر وضوحا نحو مشاركة فعالة.
- تعزيز اللامركزية المالية والإدارية.
- الاهتمام بمستوى التعليم وتوحيده في مختلف المستويات.
- إشراف الدولة مباشرة على المدارس الدينية من أجل وحدة العقيدة والفكر.
- التركيز على المناطق النائية وإيجاد كافة وسائل الحياة المعاصرة وفي المقدمة التعليم والطرقات وشبكة الاتصالات والكهرباء والمياه والأجهزة الأمنية.
- عدم التساهل مع أية محاولات تمس الوحدة الوطنية وإيجاد المعالجات الجذرية لقطع الطريق أمام ممارسات القوى التقليدية التي تضر بالوحدة الوطنية.
- اعتماد مبدأ الحوار وجعله استراتيجية دائمة وإشراك الجميع فيه.
- تفعيل دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وإيجاد آلية عمل واضحة لتحديد التنسيق مع الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد.
- محاربة الفساد بروح المسؤولية الوطنية وإشراك المجتمع في كل القضايا الوطنية الكبرى.
- الاعتماد على الشفافية والوضوح في كل القضايا واطلاع المجتمع على المعلومات دون تأخير وطرح الحقائق كما هي.
- إيجاد حراك توعوي مسئول وإشراك كافة القوى السياسية وفئات المجتمع في هذا الجانب لتبصير الناس بجوهر الحقائق، وعدم ترك الساحة نهبا للشائعات وترديد المقولات المغلوطة الرامية إلى النيل من الوحدة الوطنية او التأثير على مستوى المشاركة السياسية تحت أي مسمى.
- معالجات أوضاع القضاء والنيابات العامة وإيجاد المحاكم المتخصصة وسرعة البت في القضايا.
- إيجاد آلية عمل موحدة للقضاء على كل الظواهر السلبية في المجتمع وفي المقدمة قضايا الثأر وحمل السلاح والتعصب القبلي والإرهاب والتطرف والغلو والفساد وإشراك كافة قوى المجتمع في تحمل هذه المسئولية باعتبار حماية الامن والاستقرار مسئولية جماعية.
- العمل الدائم على تطوير آليات العملية الانتخابية لتحقيق المزيد من الضمانات الانتخابية وجعل العمل الانتخابي شفافاً بشكل مستمر ودائم.
- الاهتمام بالجامعات ومراكز الدراسات والبحث العلمي ورصد الإمكانات المادية اللازمة للقيام بالدور المناط بها على الوجه المطلوب.
- إيجاد حراك عملي فعال في كل مرافق وأجهزة ومؤسسات الدولة لإعادة تأهيل الكوادر والاهتمام الكامل بالتأهيل والتدريب ورصد الإمكانات المادية اللازمة لذلك.
- إعادة تأهيل الكوادر التربوية في مراحل التعليم الأساسي ليصلوا إلى مستويات متقدمة في الجوانب المعرفية والتقنية وأكثر معرفة بالتطور المعرفي والتقني الحديث.
ويرى الباحث من خلال دراسة الأداء السياسي للأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني أن حالة القصور تشوب هذا الأداء وتجعله يسجل تراجعاً في كثير من المراحل، ويعزى ذلك إلى لجوء بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية إلى الأساليب التقليدية المنغلقة في التعامل مع الهيئة الناخبة، ومحاولاتها إبرام اتفاقات خارج إطار الدستور والقانون، وتعاملها مع الغير دون النزول إلى القواعد والاعتماد عليها في تحقيق أهدافها الوطنية، وميلها إلى عدم تعميق ثقتها بالجماهير، ومحاولاتها الاستقواء بالخارج، ولذلك فإن الدراسة توصي بما يلي:
- التزام الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني المطلق بالدستور والقانون وبالثوابت الوطنية وعدم الخروج عليها.
- اعتماد مصلحة اليمن أولاً.
- التعامل أولاً وأخيراً مع الجماهير صاحبة المصلحة الفعلية، والقوة التي تمنح الثقة او تحجبها.
- عدم الدخول في اتفاقات تتناقض مع الدستور والقانون.
- عدم الاستقواء بالخارج والتركيز على كسب ثقة الجماهير.
- الممارسة العملية والشفافة للديمقراطية في مختلف تكوينات الأحزاب والتنظيمات السياسية والخروج من الإملاءات وفرض الرغبات دون مشاركة عملية للتكوينات القيادية والقاعدية في تلك الأحزاب والتنظيمات السياسية.
- السعي الدائم والمستمر بالطرق المشروعة من أجل التداول السلمي للسلطة وعدم اللجوء إلى الطرق غير المشروعة.
- الانطلاق من واقع الشعب اليمني في الدعاية الإعلامية وعدم المبالغة واعتماد الصدق أولاً وأخيراً.
- الاعتراف بالرأي الآخر والقبول بالتعايش السلمي مع الغير دون بث الدعاية المفرقة والضارة بالوحدة الوطنية.
- القيام بالأدوار الوطنية والإنسانية المناطة بالأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني واتخاذ مواقف واضحة وعلنية من كل القضايا التي تمس الوحدة الوطنية.
- عدم استغلال القضايا الحقوقية لتحقيق مكاسب سياسية
- اعتماد مبدأ الحوار في كل مراحل الحياة العامة والسياسية.
- العمل على تطوير المشاركة السياسية داخل الأحزاب والتنظيمات السياسية
- اعتماد مبدأ الشفافية المطلقة والانطلاق من الوطن.
- تحمل المسئولية الوطنية مع الحكومة في الحفاظ على الأمن والاستقرار ومحاربة كل الظواهر الفاسدة والمخلة بالوحدة الوطنية والدستور والقوانين النافذة.
- تحمل المسئولية الوطنية في محاربة الإرهاب والتطرف والغلو والفساد وكل الظواهر المخلة بالأمن والاستقرار.
- إيجاد حراك دعوي بأهمية حماية الوحدة الوطنية في أوساط الجماهير وتعميق مبدأ المشاركة السياسية الفاعلة.
تلك أبرز التوصيات التي يرى الباحث أهمية تفعيلها من أجل الوصول إلى مزيد من التحديث في اليمن المعاصر .