الإخوان المسلمون ...رهائن التنظيم السري
الثلاثاء, 12-مايو-2009
صلاح الدين حسن - يحاول المؤلف إثبات أن التنظيم السري يسيطر على مفاصل الجماعة "هناك صراع داخلي تاريخي وقديم ومتجدد بين التنظيم السري وجماعة الإخوان المسلمين، ترتب عليه إعاقة كاملة لمسيرة الإخوان وفشل مشروعهم في التغيير أربع مرات تاريخية، المرة الأولى انتهت بمقتل المؤسس وحلّ التنظيم، والمرة الثانية بالصدام الدامي مع مشروع الثورة المصرية، والمرة الثالثة بسبب تنظيم 1965، والرابعة ما تواجهه الجماعة اليوم من مأزق الحظر والردة التنظيمية والفكرية". حول هذه الفكرة يتمحور كتاب سيد عبد الستار المليجي الذي سيصدر قريبا عن دار الزهراء للإعلام العربي، وقد انفردت "إسلام أون لاين.نت" بالحصول على نسخة منه. المليجي هو أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين وقد أثار جدلا كبيرا بسبب طرحه لآراء في وسائل الإعلام انتقد فيها قيادات الجماعة، وبعد سكون دام ما يقرب من سنتين عكف خلالها المليجي على كتابه "الإخوان المسلمون رهائن التنظيم السري" ليثير الجدل من جديد. وفي المقدمة يؤكد أحد قيادات جيل السبيعينات عضويته في مجلس شورى الإخوان وكونه واحدا من الإخوان العاملين على مدى 40 سنة حتى اليوم. ويستخدم المليجي مصطلح "المراجعات الفكرية للجماعة" في التنبيه على أن الكتاب يمثل بداية لسلسلة من الفعاليات في مجال المراجعات الفكرية والتنظيمية للجماعة. يتكون الكتاب من 10 فصول جميعها -كما يذكر الكاتب- تحاول معالجة تاريخ محاولات التصدي للتنظيم السري في جماعة الإخوان المسلمين، ونصح الجناة بالعدول عن فكرتهم – وفقا للكاتب- ويرصد المليجي ثلاث محاولات للتصدي لهذا التنظيم: واحدة قديمة، وواحدة من جيل السبعينيات، وأخرى حديثة في عصر الانفجار المعرفي وشبكة المعلومات. ويتعرض الكتاب لطبيعة الحركة الإسلامية أو "الصحوة" التي ولدت من رحم النكسة، واتخذت الإسلام وسيلة تصحيح وتعبئة ثم يعرج على موقف الإخوان و"التنظيم السري" من الصحوة الإسلامية، كما يشرح بالتفصيل قصة قضية "سلسبيل" التي ذكر أنها "تنظيم سري" حاول أن ينقلب على نظام الإخوان الشرعي، ويذكر المليجي وقائع وتفاصيل حاول التأكيد من خلالها على "الانحرافات" الفكرية والحركية التي لحقت بالجماعة نتيجة لهذا الانقلاب. يتناول المليجي في تضاعيف الكتاب ما يعتبرها مظاهر دالة على الضعف والتراجع داخل الصف الإخواني فيتحدث عن "ضعف لروح الإخوة في الله، وفتور الهمة، وتسلط الجواسيس، ونقلة السوء والمرتزقة على مقدرات القرار في الجماعة"، و"انتشار الغيبة والنميمة بين الصف الإخواني"، وكيف تحول ذلك إلى حالة "فساد" تنظيمي وفكري تستوجب النهوض لإصلاحها. ويسرد الكاتب في سبيل إثبات ذلك بعض الأدلة يصفها بالدامغة على العسف باللوائح وتغييرها وفقا لمراد "السريين الجدد" وتعطيل مجلس الشورى ثم تزوير الانتخابات الإخوانية الداخلية للإتيان بمجلس شورى أغلبيته من "التنظيم السري"، ويطرح الكتاب تصورًا حول المستقبل لمن يريد إنجاح مشروع الإخوان والاستفادة بطاقتهم ضمن نسيج مجتمعهم.
بداية القصة يستخدم الكاتب أسلوبا قصصيا في سرده للوقائع التاريخية التي بدأها من عام 1975، حيث كان كل ما تبقى من الإخوان المسلمين في مصر عدد محدود من الأفراد بعد خروجهم من سجون النظام الناصري، في هذا الوقت لم يكن هناك اتفاق على طريقة عمل محددة لإعادة تكوين الجماعة في مصر، حيث سعى كل فرد في الجماعة حسب اجتهاده في موقعه، وكان من أبرز هؤلاء عمر التلمساني – المرشد الثالث للجماعة-. ويشير الكاتب إلى أن هذه الفترة شهدت تبنى قادة التنظيم السري القديم (مصطفى مشهور وأحمد حسنين وأتباعهم من تنظيم 65) فكرة إعادة التنظيم السري الخاص واعتبار رئيس التنظيم هو المرشد الحقيقي مع الإبقاء على وجود مرشد "صورة " لصرف نظر أجهزة الأمن عن المرشد الحقيقي، لكن هذه الفكرة عندما طُرحت رفضت بشدة، ولاقت إنكارا من غالبية قادة الإخوان القدامى، وبرز من الرافضين للنظام الخاص أسماء عمر التلمساني ومحمد فريد عبد الخالق ومحمد حامد أبو النصر وإسماعيل الهضيبي ومحمود عبد الحليم وصلاح شادي وأحمد الملط وعبد المعز عبد الستار وعبد الله رشوان، لكن "التنظيم الخاص السري" خالف القرار الجماعي واستمر أصحابه في العمل بطريقتهم في التجنيد للتنظيم الخاص مستغلين انشغال الرافضين لذلك بالعمل الدعوي العام الذي كان يقوده عمر التلمساني.
هروب التنظيم السري ثم ينتقل الكاتب ليروي قصة انكشاف التنظيم و"هروب" قائده ومساعديه للخارج قبل عملية اغتيال السادات، وكيف أن التلمساني اعتبر هذا الموقف فرصة لمقاومة "انحرافات" هذا التنظيم الذي كان يشعر به ولا يستطيع مقاومته، وتمثل ذلك في مسارعته لتطويق الخطر بتشكيل جديد يرأسه الدكتور أحمد الملط وجابر رزق ومحمد سليم، بالإضافة إلى الكاتب الذي أوكل إليه مهمة الاتصال بالمحافظات للتنسيق بين الإخوان وتقوية الاتصال بالطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية."في هذا التوقيت كان مصطفى مشهور وفريقه يصبون جهدهم التنظيمي على المصريين المعارين للسعودية والخليج واليمن والطلبة المبعوثين في أوروبا وأمريكا"، حسب قول المليجي: وبالفعل صنع منهم (مشهور) تنظيما خاصا سريا ينتمي لقيادة خاصة منفصلة تماما عن القيادة في القاهرة، كما أن حركة مصطفى مشهور في الخارج وطدت علاقته بالقيادات الإخوانية في الدول الأخرى على مدى ست سنوات.
تنظيمان في الجماعة ووفق ما ذهب إليه المليجي فقد عرفت هذه المرحلة للإخوان تنظيمان: التنظيم المعلن بقيادة عمر التلمساني وأحمد الملط وجابر رزق، و"التنظيم السري المخالف" بقيادة مصطفى مشهور ومجموعته، وهي اللحظة التاريخية التي بدأ فيها الصراع بين التنظيمين. ويرجع الكاتب قوة هذا التنظيم إلى ما وصفه بعمليات الاختراق المنظمة طيلة السنوات التي تواجد فيها رأس التنظيم (مشهور) بالخارج (1981-1987)، حيث كان أفراده يأتون ومعهم رسالة من الإخوان في الخارج تشير إلى أنهم على فكر الإخوان وكانوا يستوعبون من جانب الإخوان "غير السريين" بحسن نية؛ لأنهم لم يلتفتوا وقتها "لمخططاتهم الانقلابية"، لكن الكاتب يلفت إلى أنهم "لاحظوا أكثر من مرة أنهم يأتون بالكراهية والتآمر ولم يشعروا في أحدهم بما يتعارف على تسميته بالحب في الله". وينتقل الكاتب إلى مرحلة مرض المرشد التلمساني وهي اللحظة التي شعر فيها تنظيم مشهور بوجود أعداد كافية منهم فقررت إعادة قيادة التنظيم السري (المرحوم مصطفى مشهور ومحمود عزت وخيرت الشاطر)، وأوجدت لنفسها مقرا إداريا تحت مسمى شركة "سلسبيل"، وبدءوا مرحلة جديدة تستهدف "إحلال عناصرهم محل الإخوان المرابطين في الوطن، واستخدموا في ذلك كل الأساليب المنافية لآداب وتعاليم الإسلام وفى مقدمتها تشويه سمعتنا والافتراء علينا والكذب على جموع الإخوان". ويذكر الكاتب محاولة شغل مشهور مقعد المرشد فور وفاة التلمساني وقبل دفنه وادعائه بأن الإخوان بايعوه، لكن هناك أصواتا من الجماعة ذكرته باللائحة التي تنص على أحقية محمد حامد أبو النصر بمنصب المرشد؛ لأنه الأكبر سنا إلا أن الكاتب يعترف بأن هذه اللحظة كانت لحظة "نشوة" بعد انتصار "النظام الخاص السري" على الإخوان. بيد أن رجال التنظيم لم يستطيعوا إبلاغ أبو النصر بتولي مشهور للمقعد – حسب رواية الرسول للكاتب – وأنه تحرج من إعلامه بتولي مصطفى مشهور للمنصب فقدم له الأمر على أن الإخوان في القاهرة يستأذنونه في ذلك إشفاقًا على صحته، ولكنه بادر الرسول باستعداده للانتقال من منفلوط إلى القاهرة ليباشر مهام المرشد العام حسب اللائحة. ويرى الكاتب "أن فريق السريين اضطر إلى الانسحاب التكتيكي وقبول الأمر الواقع، وانسحب مصطفى مشهور خطوة واحدة للخلف ليحتل موقع نائب المرشد، وأسكنوا المرشد محمد حامد أبو النصر في شقة بمنيل الروضة بعمارة مملوكة للمرحوم حسن الجمل، وعينوا عليه عددا من "مخابرات النظام الخاص" تحت مسمى (خدامين الأستاذ)، وكان محمد حامد أبو النصر لكبر سنه كثير التغيب عن المقر بشارع التوفيقية، وفعليا كان نائبه مصطفى مشهور يدير كل أمور الجماعة حسبما يرى". في هذه المرحلة الانتقالية يشير الكاتب إلى أن "التنظيم السري" الوافد مع مصطفى مشهور عمل على مشروعين: الأول هو "تحطيم" الذين يدرك أنهم رافضون للانضواء تحت إدارة التنظيم السري والرافضين لطريقته في الفهم والعمل، والمشروع الثاني هو الإعداد لانتخابات داخلية مفصلة تفصيلا خاصا لتحقق لهم مشروعية تنظيمية.
تصفية القسم المارق كانت بداية عمل التنظيم الحقيقية -كما يذكر الكاتب- هو "تشويه سمعة قسم الطلاب، ووصف بالقسم المارق، والقسم المنعدم التربية، والقسم الباحث عن الشهرة، والقسم السابق على الجماعة في الحركة"، وكانت نتيجة تصاعد موجة العداء ضد قسم الطلاب هو الإطاحة بمسئولي القسم بجامعة الأزهر بقيادة د.محمد رشدي، وكانت نهاية القسم الحقيقية حدثت بعد تكليف (محمد مهدي عاكف) بتصفية قيادة القسم المركزية وتسليم القسم في النهاية لأحد أنصارهم (د.رشاد البيومي) بعد الإطاحة بطلائع قسم الطلاب إلى "ما تصوروه نهايتهم" في النقابات المهنية وعندما نجح المبعدون في إدارة النقابات المهنية "طاردوهم" في النقابات ووضعوا أمامهم العراقيل. وينتقل الكاتب إلى قصة سلسبيل التي تأكد من خلالها أن "التنظيم الخاص نوى وباشر بالفعل الإجهاز على كل ما تبقى من الإخوان المناوئين للتنظيم السري، وأصبح شعارهم أنا ومن بعدي الطوفان". فالكاتب يؤكد أن التنظيم السري سلم "عامدا" لمباحث أمن الدولة معلومات مفصلة ودقيقة عن كل من عمل أو يعمل في الإخوان المسلمين، ويطالب الكاتب في هذا الصدد مساءلة من تسببوا في ذلك. ويضيف: "لم تكد تنتهي قصة سلسبيل حتى فوجئ الجميع بلعبة الانتخابات المفبركة وانتُخب مجلس شورى، ولم يعجبهم فأضافوا عليه 30 صوتا ممن لم يفوزوا في الانتخابات، ثم اجتمع مجلس الشورى وصعدهم إلى سدة الحكم، ثم ركلوا مجلس الشورى إلى الأبد فقد أتم مهمته، وجاء بمن أرادوا فلم يُدعََ للاجتماع ولا مرة واحدة من 1995 وحتى اليوم واكتفى قائد التنظيم بنفسه حاكما مطلقا يفعل بالإخوان ما يريد".
السيطرة على الجماعة وينتقل الكاتب إلى فترة المحاكمات العسكرية عام 1995، حيث يشير إلى أن غياب الإخوان وراء القضبان كانت فرصة لقيادات للتنظيم السري، فألغوا غالبية نتائج الانتخابات وقام بإحلال أنصارهم في معظم المواقع التنظيمية، وعينوا أنفسهم سريعا بمكتب الإرشاد بدلاء عن الأعضاء المعتقلين وكانت هذه أول مرة في تاريخ الإخوان يسيطر أعضاء التنظيم السري الخاص على مكتب الإرشاد والأقسام الفنية والأموال في القاهرة ومعظم المحافظات، ويكون نائب المرشد العام مصطفى مشهور هو خامس خمسة أداروا النظام الخاص في الأربعينيات من القرن العشرين. يصف الكاتب بيعة المرشد الخامس مصطفى مشهور بأنها أغرب بيعة في تاريخ الإخوان (بيعة المقابر) التي أصبح فيها "الفيزيائي مشهور ومن المقابر وبواسطة مظاهرة مجهولة الأعضاء المرشدَ الحقيقيَّ، وتولى بنفسه وجهازه الخاص تصفية البقية الباقية من قيادات السبعينيات في عملية حزب الوسط الرهيبة التفاصيل".
الجمعية هي الحل يطرح المليجي مشروع الجمعية الخيرية كأحد سيناريوهات حل مشكلة الإخوان المسلمين في ظل الأوضاع القائمة والظروف الدولية الحاضرة، ويرى أن العالم قد توسع في مجال المنظمات غير الحكومية توسعا ملحوظا لدرجة أن بعض هذه المنظمات غير الحكومية ينافس الدول من حيث التأثير في واقع الحياة، وأوضح الأمثلة في المجتمع المصري على سبيل المثال هو دور الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية في ظاهرة التدين وحركة بناء المساجد وتنظيم دروس العلم وفتح المعاهد لإعداد الخطباء حتى أن الجمعية الشرعية دخلت معترك العلاج الطبي والإغاثة الإنسانية وحققت تقدما ملموسا في هذا المجال. ويعتبر المليجي أن كافة الاعتراضات على مشروع الجمعية الخيرية واهية ومردودة، ومنها على سبيل المثال: عدم موافقة الدولة على جمعية باسم الإخوان، فهو يرى أن هذه شماعة من لا يريدون الانضباط الإداري والمالي، ويفضلون العمل بالفوضى التي لا يمكن معها محاسبة أحد أو مساءلة موظف، وطرح المليجي السؤال بطريقة أخرى: لماذا لا تقبل الدولة تسجيل جمعية خيرية للإخوان؟ ويبحث المليجي في الإجابة عن هذه السؤال ويحث الجماعة على إجابته بشفافية وشجاعة لتصل إلى نتائج أفضل. ويذكر الكاتب أن من أسباب الرفض أن الإخوان تعودوا أن تستخدم المؤسسات التي تمتلكها لغير الغرض الذي أسست من أجله، وعدم مراعاة الحدود الفاصلة بين المهني والدعوي والسياسي والخدمي، ويرى أن "الإخوان يمارسون كل شيء من أي شيء، ونقول كل ما نريد في أي وقت ومن فوق أي منصة نرتقيها، حتى الجنازات التي أجيزت للعبرة والاعتبار والاتعاظ بالموت تحولها الجماعة إلى مهرجانات سياسية تقول فيها كلاما نقديا للنظام والحزب الحاكم... إلخ". والحل من وجهة نظر الكاتب هو في "مواجهة الموقف بشجاعة وشفافية وجد، والبداية اختيار مؤسسين للجمعية معروفين بالتعقل والتروي والتفاعل المجتمعي والقبول عند متخذي القرار ولو على سبيل التجرِبة، وأن تكون الجماعة مستعدة لعدم الخلط بين مجالات عمل الجمعية المشهرة وبين ما تريد الجماعة عمله، وأن يكون هناك حوار مع أجهزة الدولة بهذا الشأن وقبول المنصوص عليه قانونا بوصفهم جهة متمكنة وقادرة على الموافقة أو عدم الموافقة لا سيما أننا بصدد بدايات لبناء الثقة بين الأطراف ولسنا بصدد تصفية حسابات مع أحد في هذا الوطن.
مشروع حزب سياسي ويتعرض الكاتب إلى المشكلات التي تواجه الجماعة في إشهار حزب سياسي وهي تتشابه إلى حد كبير مع المشكلات التي تعوق إشهار الجمعية، لكنه يقسمها هذه المرة إلى معوقات داخلية وخارجية، أما الداخلية فأهمها أن الجماعة لم تتقبل بعد طرق وآليات العمل السياسي في الدولة الحديثة؛ بسبب أن غالبية الإخوان ما يزال بينه وبين الآليات الديمقراطية عداوة وسوء تفاهم "ففريق السريين" لا يعطي (مجرد حق التصويت) لكل أعضاء الجماعة، ويميز بينهم تميزا عنصريا "معيبا"، ويقسمهم إلى محبين ومتعاطفين ومؤيدين وجميع الفئات الثلاث ليس له حق التصويت ولا حق الترشح، والقسم المميز قسم الإخوان العاملين وهم مقسمون إلى مناصرين للتنظيم السري فيدعون إلى الانتخابات، ومعارضين تفوت عليهم فرصة الحضور بأساليب "ملتوية وماكرة" وتحسم النتائج في النهاية بعدد 20% من الإخوان. ويذهب الكاتب إلى أن المنهج الثقافي والتربوي يغذي منهجا خفيا شعوريا نفسيا يؤدي إلى رفض الحياة في دولة يحكمها الدستور والقانون، كما يؤكد أن هناك عمدا من "السريين ببقاء قسم التربية في قبضتهم حتى تستمر الجماعة تدور في رحى أفكارهم التكفيرية دونما أي اقتراب من آليات استلام السلطة في الدولة المعاصرة".
الإصلاحات الداخلية الشاملة يخصص الكاتب فصلا كاملا يتحدث فيه عن الإصلاح الداخلي الذي يجب على الجماعة فتح ملفاته كخطوة أساسية في طريق الإصلاح، منها ملف استيلاء الجهاز السري على مقاليد الجماعة وعسكرتها بأساليب غير إسلامية ولا أخلاقية وحتمية إلغاء العمل السري تماما واستنكاره؛ لأنه لم يعد له فائدة ترجى، والعودة بالجماعة لتكون ودية أخوية وليس تنظيمية تسلطية متصارعة، وتبسيط النظام المتبع ليحقق مجرد التنسيق بين الإخوان في القطر، ولتكن البداية التحقيق مع المنشقين تحت مسمى شركة سلسبيل. ويرى أن الجماعة مطالبة أن تستخدم مصطلحات حقيقية ومستساغة لدى القاعدة العريضة من المواطنين، ويرى أنهم عليهم أن يعيدوا النظر في مصطلحات (الشعبة) التي تعني "نظاما مباحثيا"، حيث يقال شعبة مباحث القاهرة أو شرق... إلخ، وكلمة (الكتيبة) التي تعني نظاما عسكريا، وكلمة (الأسرة) التي تعني نظاما كشفيا للأشبال.. فهل نحن كذلك أم أن هذه مصطلحات تجاوزناها؟ وهل هي مقدسة ومن فرائض الدين الإسلامي؟ أم هي مجرد اجتهادات تعبر عن تأثر بالبيئة والظروف المحيطة في الزمان الغابر؟.
كما يطالب بفتح ملف الأموال ومحاولة إعادتها من مغتصبيها لتصرف في مصارفها الشرعية، والعمل على وجود نظام مالي محكم وشفاف وواضح لجموع المساهمين، وحتى يتحقق ذلك يجب وقف نظام الجباية المسمى بنظام الاشتراكات الشهرية تماما؛ لأن الجماعة ليست في حاجة إليه. ويشدد المليجي على أهمية فتح ملف المهمشين والمحاصرين في جماعتهم بسبب ما يقدمونه من نصيحة مخلصة، والعودة بالإخوان بيتا جامعا لكل محبيها والمتفقين معها في الفهم والعمل. ويطالب بفتح ملف تزوير الانتخابات الإخوانية بداية من بيعة المقابر المرفوضة لائحيا وإسلاميا إلى التعيينات في مكتب الإرشاد وتهميش دور مجلس الشورى. كما يطالب الجماعة بكشف عناصر التكفير المتسللة في أوساطها ومواجهتها بالحجج والبراهين وعلاجهم نفسيا وتعليميا حتى يبرءوا مما هم فيه. كما يطالب الجماعة أن تتوب عن أعمال التجسس على المعارضين داخل الجماعة وعلى الأحزاب الأخرى، وأن يعلن الإخوان إدانتهم لمن مارسوا هذه الفضائح تاريخيا. ويدعو الكاتب الجماعة إلى التوبة عن النظرة الاستعلائية البغيضة، والانتفاخات الكاذبة تجاه الآخر، فما ذم الإسلام شيئا أكثر من ذمه للكبر والمتكبرين الذين ينكرون الحق ويحتقرون الناس، والذين يرون في أنفسهم الجدارة والكفاية بالمناصب والسلطان لا لخبرة أو تميز في الأداء والعطاء، ولكن فقط لكونهم من تنظيم الإخوان المسلمين. ويختم الكاتب كتابه بقوله "أما الاستمرار وفينا كل هذه العيوب والمثالب فهو الجري وراء السراب يحسبه بعضنا دولة إسلامية وأستاذية العالم حتى إذا فات العمر، وحانت لحظة الموت، لم يجده شيئا، ووجد الله عنده فوفاه حسابه".
|