معارك مستحقة.. مذكرات القيادة في الحرب والسلام
الأحد, 08-مارس-2015
بنجوين بريستاريخ -
مذكرات «ليون بانيتا» بعنوان «معارك مستحقة.. مذكرات القيادة في الحرب والسلام»، لتسلط الضوء على مشوار طويل أمضاه الرجل في دهاليز العمل السياسي، تقلد خلالها مناصب متعددة كان أهمها توليه وزارة الدفاع، ثم ترأسه لوكالة الاستخبارات المركزية. وعلى مدى تلك السنوات دخل الرجل في صراعات مع الخصوم السياسيين دون تردد ليعكس بذلك جانباً مهماً من شخصية بانيتا الذي لم يكن يتهيب الصراعات، أو التصدي للمنتقدين.
لكن لفهم شخصية بانيتا، كما يكشفها الكتاب، وهي شخصية مقاتلة لا تستسلم بسهولة، لابد من الرجوع إلى تاريخه بحثاً عن مفاتيح شخصيته وتعقب أسلوبه في الإدارة. فهو ينحدر من أصول إيطالية، حيث قدم والده من القارة العجوز ليستقر في ولاية كاليفورنيا، فكان على بانيتا مواجهة الحياة مبكراً كأحد أفراد الأقليات العرقية والدينية، وعلى امتداد السنوات اللاحقة وحتى بعد تقلده مناصب مهمة، ظل بانيتا ذلك الرجل الكاثوليكي المتدين والملتصق بقيم العائلة والثقافة المحلية القادمة من وراء البحار. ولعل الجانب العملي في شخصية الرجل تبرز عندما يصف نفسه في مذكراته خلال الأيام الأولى لالتحاقه بالبيت الأبيض لتولي منصب كبير الموظفين في إدارة بيل كلينتون، حينها انتقد غياب الانضباط وعدم التقيد بالمعايير المعمول بها، حيث طلب من سلفه مده بالهيكل التنظيمي لموظفي البيت الأبيض، فقيل له إنه لا وجود لهيكل تنظيمي ليثير هذا الأمر دهشته وليعمل لاحقاً على تغييره.
أما مشواره السياسي فطغت عليه الواقعية والاعتدال، مفضلا الابتعاد عن المواقف الخلافية، فقد انتمى في البداية إلى الحزب الجمهوري كانعكاس لقيم محافظة يؤمن بها، لكنه سرعان ما تحول إلى الحزب الديمقراطي، فكان أول عمل له في الكونجرس كمساعد لنائب جمهوري، وعندما عاد إلى كاليفورنيا ترشح باسم الحزب الديمقراطي وأطاح بخصمه من الحزب المنافس. والحقيقة أن أسلوب بانيتا الصارم في الإدارة والتزامه بالقواعد أنقذ إلى حد كبير إدارة كلينتون الغارقة في الفوضى لدى التحاقه بها، وعندما اندلعت فضيحة لوينسكي عام 1997 رجع إلى الولاية التي رأى فيها النور، معتقداً أنه بلغ بمساره السياسي إلى منتهاه، لكن سمعته كمدير قادر على المواجهة سبقته إلى أوباما الذي استدعاه في 2009 كمدير لوكالة الاستخبارات الأميركية، فأشرف على إعادة بنائها بعدما تعرضت لضربات قاسية عقب هجمات 11 سبتمبر، وانخراطها في حرب العراق دون توفير الأدلة اللازمة على وجود أسلحة الدمار الشامل. ووصلت رئاسته للوكالة ذروتها في مايو 2011 عندما رُصد مخبأ أسامة بن لادن وتمت تصفيته، ثم لاحقاً تقلده وزارة الدفاع.
لكن، وفيما عدا الجانب الشخصي الذي تكشف عنه المذكرات، هناك أيضاً الملاحظات السياسية التي أبداها بانيتا وخص بها تحديداً إدارة أوباما التي انتقدها لأنها غلبت أحياناً الاعتبارات السياسية على المصالح الأمنية، لاسيما خلال المفاوضات مع حكومة المالكي عام 2011 للحفاظ على قوات أميركية في العراق، حيث قابل أوباما الموضوع بنوع من عدم الجدية، تاركاً مسألة التفاوض لفريقه دون الانخراط الشخصي، الأمر الذي انتهى بحرمان أميركا من مصادر نفوذها في العراق بعد الانسحاب الكلي. ويضيف بانيتا أن تراجع أوباما أيضاً عن «الخط الأحمر» الذي سطره في سوريا عند استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي. كان خطأ هز صورة أميركا ومصداقيتها في العالم وفي أعين حلفائها في المنطقة الذين تنامى لديهم الخوف بأنه ما عاد ممكناً التعويل على الولايات المتحدة.
ولا يوفر بانيتا أسلوب أوباما نفسه في القيادة، بحيث يعتمد الرئيس في رأيه على أسلوب أستاذ القانون ويعمل بمنطق الأكاديمي المنفصل أحياناً عن أسلوب الانخراط العاطفي الذي تتطلبه القيادة الناجحة، وهو أسلوب يفترق كلياً عن نهج صاحب المذكرات الذي يقول إنه يواجه المشكلات بالمواجهة والانخراط العاطفي وليس فقط بالتحليل العقلي الذي يحبذه أوباما، ما يفقده أحياناً الحماس اللازم للتغلب على الصعاب.
لكن، وفيما ينتقد بانيتا سياسات أوباما في العراق وسوريا، فإنه يثني عليه فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب في مناطق أخرى، بل يدعم استخدام الطائرات من دون طيار باعتبارها البرنامج الذي ركز عليه الرئيس في حملته ضد بؤر التطرف وعدم الاستقرار، سواء في اليمن أو باكستان.
وخلافاً لخصوم أوباما الذين رأوا في القصف الجوي ضعفاً ووصفوا الحملة ضد الإرهاب بأنها «برنامج للطائرات»، يرفض بانيتا هذا التقزيم للمعركة ضد الإرهاب، معتبراً أن الطائرات من دون طيران هي أداة أساسية في استهداف العناصر الخطرة، وهي لا تقل في أهميتها عن استخدام البنادق الرشاشة في الحرب العالمية الثانية.
نقلا عن صحيفة الاتحاد
|