عبد الغني الماوري - بالرغم من سطوة إسرائيل وقدرتها على الإفلات من العقاب والنقد في أحيان كثيرة بسبب سياستها العدوانية فإن هناك من يرغب دائماً في قول ما يخاف كثيرون قوله.
قبل عشرين عاماً كتب عضو مجلس الشيوخ الأميركي بول فيندلي كتابه الشهير "من يجرؤ على الكلام" كشف فيه عقلية اللوبي الصهيوني التي صارت تتحكم في سياسات الولايات المتحدة، وقد دفع فيندلي الثمن حيث انفقت "إيباك" وهي منظمة يهودية تدافع عن مصالح إسرائيل داخل أميركا وتتمتع بثقل كبير في الوسط السياسي الأميركي من الدورات لإسقاطه في الانتخابات وحصاره سياسياً، وقد نجحت إلى حدٍ كبير في ذلك.
لكن ظلت فكرة انتقاد عدم انتقاد إسرائيل قائمة وحاضرة في مقالات ودراسات غربية رغم كل شيء.
الكاتب والباحث الاستراتيجي الفرنسي باسكال بونيفاس أصدر في 2003 كتاب في هذا الإطار بعنوان "هل من المسموح به نقد إسرائيل" تحول إلى "من يجرؤ على نقد إسرائيل".
من خلال تجربة شخصية اقتنع بونيفاس بأن نقد إسرائيل عملية مكلفة جداً.
لم ينس كيف شُنت عليه حملة دعائية في الصحف والمجلات والإذاعات والقنوات التلفزيونية ساهم فيها بشكل كبير ومؤثر السفير الإسرائيلي في باريس :إيلي بارنافي"، ضغوط هائلة تعرض لها بونيفاس لم تتوقف عند التشهير به واتهامه بمعاداة السامية أو بالضغط على زملائه ورؤسائه للتخلي عنه بل وصل الأمر إلى تهديده بالقتل.
يصف بونيفاس في كتابه "آليات الضغط التي تعرض لها والتي تعرض لها غيره، بدءاً من تجاهل القضايا المطروحة والحدي عن أمور أخرى، مروراً بالاتهامات ومحاولات القتل المعنوي والتدمير الشخصي وصولاً إلى حجب الآراء وعدم النشر، ورفع دعاوى قضائية لإسكات الأصوات الناقدة". انتهى كلام مترجم الكتاب، أحمد الشيخ.
* نقد إسرائيل حق.. لكن
يبدأ بونيفاس كتابه بسؤال يبدو للوهلة الأولى أنه بسيط للغاية، هل نملك الحق في نقد إسرائيل؟. بسرعة تأتي الإجابة بسيطة أيضاً، نعم، بالتأكيد إلى درجة أن سفير إسرائيل في باريس وأصدقاء هذا البلد من الفرنسيين يدعونك إلى ممارسة هذا النقد، إسرائيل دولة ديمقراطية، وهي بهذه الصفة، تقر الحق في ممارسة النقد، لكن ذلك لا يعدو كونه حقاً نظرياً على أرض الواقع لا يمكنك أن تقوم بشيء يمكن أن يُفهم أن فيه انتقاد للدولة العبرية.
لا يتردد بونيفاس في الإجابة بوضوح، فالحق في نقد إسرائيل وهم كبير ، ففي الممارسة العملية الأمر أكثر تعقيدا وأكثر مخاطرة ، في داخل إسرائيل لا يتردد رجال السياسة والصحف والناشطين في الجمعيات الأهلية في نقد الحكومة بشدة، لكن خارج هذا البلد ينبغي على المرء ولا سيما في فرنسا أن يتوخى الحذر فيما يقوله بشأن إسرائيل، يضيف بونيفاس في سخرية واضحة "يستطيع المرء أن يمارس النقد ضد الحكومة الفرنسية، وضد دستور فرنسا، وأن يتهم رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، وينعتها بأفظع النعوت دون أن يتعرض لأي أذى، يستطيع المرء أيضاً أن يحكم بصورة سلبية على حكومات دول أخرى، وأن ينتقد الطابع الانفرادي لأميركا في العلاقات الدولية وسياستها العسكرية، وأن يدين جمهورية الصين الشعبية بمناسبة قمعها للمظاهرات في ساحة تيانن منن، أو لسياستها في التبت، وأن ينتقد روسيا بسبب ممارستها في الشيشان أو أن ينتقد صربيا بسبب كوسوفو، أو ينتقد الأنظمة الأفريقية لفسادها، أو أن ينتقد إنجلترا وألمانيا لرغبتهما في الهيمنة على أوربا (بدلاً من فرنسا)، باختصار يمكن للمرء أن ينتقد مائة وتسعة وثمانين دولة هي أعضاء في الأمم المتحدة بدون أن يواجه صعوبات، وبدون أن يتعرض للخطر، فسيواجه هذا النقد بمواقف مضادة، وبردود رافضة، لكن أبداً لن يتهمك أحد بالعنصرية، لكن هناك دولة واحدة فقط هي دولة إسرائيل يؤخذ النقد الموجه إلى حكومتها مباشرة على أنه عنصرية مقنعة أو عنصرية لا تعلن عن نفسها صراحة.
يضطر بونيفاس وهو يناقش استغلال الحكومات الإسرائيلية لفكرة معاداة السامية للهروب من المآزق التي تقع فيها أن يقول "لا توجد علاقة مباشرة بين انتقاد إسرائيل والعداء للسامية، فالمرء لا ينتقد إسرائيل في وجودها وإنما لما تقوم به".
أبلسة المعارضة
ثمة خطة صهيونية تهدف إلى أبلسة معارض السياسات الإسرائيلية غير الإنسانية، عام 2002م صار المجتمع الإسرائيلي أكثر تطرفاً من ذي قبل، وقد تعاملوا مع الانتفاضة الفلسطينية بقسوة ووحشية، وقد اعترف الكسي موشيه ممثل ليكود فرنسا أن المواقف المتطرفة تزايدت، فمن كانوا من المعتدلين صاروا من المتطرفين، ومن كانوا من المتطرفين صاروا أكثر تطرفاً".
يذكر بونيفاس كيف أن التطرف اليهودي أمتد لليهود أنفسهم، فعلى سبيل المثال لم يتردد الرئيس الحالي للمجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا روجيه كوكيرمان في الرد على ايال سيفان وهو سينمائي إسرائيلي كان يعيب على كوكيرمان أنه يلعب لعبة شارون بإشعاله خوف يهود فرنسا حتى يهاجروا إلى إسرائيل" فكان رد كوكيرمان عليه "أنت من حماس".
في سياق "الارهاب الفكري" الذي تمارسه الميديا المرتبطة بإسرائيل وصف موقع متطرف على الشبكة الدولية "الانترنت" اليهود الذين وقعوا على نداء من أجل السلام في الشرق الأوسط بأنهم خونة".
يسأل بونيفاس، هل من الطبيعي لمؤسسة تزعم أنها تتحدث باسم كل يهود فرنسا أن تمارس مثل هذا الخلط؟ وما جدوى الأمر إذا كان أحدٌ لا يجرؤ على أن يوجه لها لوماً.
لكن روجيه كوكيرمان كان واضحاً جداً في هذه المسألة "من ينتقد إسرائيل عليه أن يتحمل النقد المضاد"، إن النقد المضاد الذي قصده المسؤول اليهودي بالتأكيد ليس ذلك المتعارف عليه، إنه بكل بساطة حصار وحرب قاسية، ما تعرض له بول فيندلي و بونيفاس وغيرهما لا يمكن إدراجه تحت عنوان وشعار النقد المضاد والرأي الآخر.
* محاكمة الإعلام
في موضوع مكافحة العنصرية والعداء للسامية فإن المشكلة في توظيفها في السياسة حسب بونيفاس، متسائلاً "هل من أجل أن نمنع حرق المعابد اليهودية في فرنسا علينا ألا نتحدث عن القتلى في الأراضي المحتلة؟".
ثمة ازدواجية في التعامل مع الحدث واضحة، فالذين يتهمون أجهزة الإعلام الفرنسية بأنها تمارس تعتيماً على الاعتداءات اللاسامية في فرنسا هم أنفسهم الذين يريدون فرض هذه التعتيم حول الوضع في الشرق الأوسط".
يذكر بونيفاس كيف يحاول البعض أن يجعل من الإعلام متهماً، فمثل المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا قال في نشرة أخبار القناة الثانية (بالتلفزيون الفرنسي): أن مساندة الفلسطينيين هي السبب وراء الاعتداءات إزاء هذه الأحداث اللا سامية ضد المعابد اليهودية في فرنسا، ويدعو إلى التزام الصمت إزاء هذه الأحداث، وعلى العكس يتم انتقاد أجهزة الإعلام الفرنسية بشدة بسبب الصمت المفترض على الأعمال المعادية للسامية في فرنسا". وفي ذات السياق صرحت آن سنكلير وهي إحدى الصحفيات شعبية في فرنسا وقيادة بارزة من غلاة الموالين لإسرائيل "إن الطائفة الهيودية في فرنسا تشعر أن أجهزة الإعلام الفرنسية تأخذ موقفاً منحازاً بشدة، ولا تعطي وجهة نظر واحدة لشعب مضطهد ولشعب يمارس الاضطهاد والمذابح، على الصعيد الإعلامي نجد الميزان غير متكافئ: فعندما تحدث هجمة في القدس تؤدي إلى مقتل 15 إسرائيلياً في كافتيريا أو مطعم بتزا نجد الكاميرات في الأراضي المحتلة مع العائلات التي تعيش آثار الانتقام الإسرائيلي، هذه ليست صحافة، هذه طريقة في الانجاز"، غريب أن يصدر هذا الاتهام من قبل آن سنكلير وهي التي تقوم بالنجاز لصالح قادة إسرائيل في كل الظروف كما يقول بونيفاس.
هناك معزوفة يحاول الموالون لإسرائيل تعميمها "الإعلام مسؤول عن ما يتعرض له اليهود في فرنسا والعالم" من هؤلاء بيير –اندريا تاجييف- الذي يرى أن أجهزة الإعلام معادية للصهيونية، وهذا يعكس انحيازاً في معالجتها للصراع في الشرق الأوسط.
وفي ذات الاتجاه يتهم أرنوكلا رسيفلد وهو مدافع دائم عن إسرائيل مثقفي اليسار بمحاولة أبلسة إسرائيل، كثيرون من يظهر ولائه لإسرائيل في فرنسا لكن الذين لديهم وجهة نظر أخرى غير معادية لإسرائيل لكنها متوازنة يشعرون أنهم محاصرون، أما مدير تحرير مجلة "الاكسبريس" دوني جامبير فإنه دائم التأكيد بأن الصحافة الفرنسية تتعاطف مع الفلسطينيين، لكن المشكلة حسب اعتقاد بونيفاس تكمن في ممارسة البعض ضغوطاً على أجهزة الإعلام عندما يكون مضمون الإعلام لا يلائمه ، معتبراً مسألة حرية الإعلام حول الشرق الأوسط والحق في النقاش حول هذا هذا الموضوع صار تحدياً ديمقراطياً كبيراً ، وأنه لكي لا يسقط الإعلام أمام محاولات الرقابة ومحاولات الضغط لابد من مقاومة التهديدات وعدم الخضوع للابتزاز، فالموالون لإسرائيل يجب أن يفهموا أن ادعائهم بأن إعلام فرنسا موالٍ للفلسطينيين ليس ذا مصداقية، إنه كلام يُقصد منه الاستغلال السياسي لا أكثر.
* كراهية مصطنعة
لا يمكن لأحد أن ينكر أن العداء للسامية لا يزال قائماً في فرنسا، لكن وبحسب بونيفاس الطوائف العربية والمسلحة أو السوداء –ناهيك عن الغجر هم بالتأكيد أكثر معاناة على صعيد العنصرية من الطائفية اليهودية، لكن الموالون لإسرائيل عادةً ما يقومون بإعطاء بعض الاعتداءات البسيطة حجماً أكبر، في بعض الاحيان تم اختراع وقائع بغرض الحصول على عطف أكبر.
يشير الكتاب إلى قضية تؤكد هذا المعنى، فقد أعلن جوزيف سيتروك –الحاخام الأكبر- في تشرين الأول / أكتوبر 2002 من القدس حيث كان يزورها لإذاعة فرنس انتير وإذاعة الطائفة اليهودية معاً: "لقد طُعن طفل صغير في مدرسة حر يوسف في المنطقة التاسعة عشرة من باريس" وأضاف: لأنه يهودي وفقط لأنه يهودي"، وقدم جوزيف سيترك تعازيه للأسرة، وكانت انتشرت هذه الإشاعة في باريس في اليوم السابق ووصلت حتى إلى مكاتب تحرير الصحف والإذاعات مثل " لوموند" والقناة الأولى بالتلفزيون الفرنسي، غير أن البوليس قام بتكذيب هذه الاشاعة في الحال، ولم يتم استعابها بعد ذلك حتى من قبل الإذاعات اليهودية، في 18 مارس 2002 أعلن المدعي العام في بلاغ رسمي أن حرق المعبد اليهودي لم يكن عملاً لا سامياً "يبدو أن سبب الحريق يعود إلى عامل كان تحت تأثير شرب الخمر بصورة مفرطة، وألقى عقب سيجارته، كان المعبد اليهودي قد احترق في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2000.
في المقابل فإن العرب والمسلمين – وحسب بونيفاس- هم الذين يتم استهدافهم ويتعرضون لعنف طائفي أو جسدي، وقد استغل الموالون لإسرائيل أحداث 11 سبتمبر 2001 للحديث عن الفاشية الخضراء "وهو ما تحدث به الرئيس الأميركي جورج بوش لاحقاً" ويؤكد تقرير للجنة القومية الاستشارية لحقوق الإنسان أن الطائفة المغربية "يقصد المهاجرون المغاربة" هي الضحية الأولى من الناحية العددية للعنف والتهديد العنصري في فرنسا.
يذكر بونيفاس أمثلة كثيرة على تعرض العرب والمسلمين في فرنسا لأحداث عنصرية منها على سبيل المثال: تعرض إمام بمدينة نيس عمره 43 سنة للضرب من قبل الشرطة في 7 ايار/ مايو 2002، لأنه أوقف سيارته في مكان خطأ، وفي 5 تشرين الأول / أكتوبر من نفس العام قام سائق بإطلاق النار على زبائن مقهيين يرتادهما المغاربة وقتل شخصاً وأصاب آخرين، يقول بونيفاس "لقد تجاوزنا هنا مرحلة الرسائل الالكترونية والرسائل التي تمتلئ بالشتائم" التي يتحدث عنها الموالون لإسرائيل في سياق حصر ما تعرض له اليهود من أعمال عنصرية ومعادية للسامية، لكن الأخطر هو إحراق المساجد، ففي 16 آذار / مارس 2002 احترق مسجد فيlain ، وفي ليل 11 و12 كانون الثاني / يناير 2003 تعرض مسجدان لعمليات تخريب في مدينة ينم، وخُصص لهذا الحديث ستة أسطر في صحيفة "لوموند"، يسأل بونيفاس ما هي المساحة التي كان سيحتلها هذا الحدث لو كان الأمر يتعلق بمعبد يهودي؟
في 26 يناير 2003 نشر الموقع المتطرف على الانترنت Resistan ceseme- colonne. org بياناً يعرب فيه عن سعادته للأعمال التي تمت ضد مساجد ومؤسسات دينية إسلامية في بعض المدن الفرنسية، ويأسف لأن أجهزة الإعلام رأت أنه من الصائب التكتم على هذه الأعمال الوطنية، ويدعو الفرنسيين إلى تنويع هذه "الأعمال الفظة" ضد مصالح المسلمين في فرنسا، ولم يثير هذا البيان رد فعل خاص، ولم تشر إليه الصحافة.
حوادث كثيرة تعرض لها العرب والمسلمون في فرنسا يتم تجاهلها، إذا وقع لك مكروه ولم تكن يهودياً فهذا أمر عادي، أما إذا كنت يهودياً فإن الأمر خطير للغاية.
بالعودة إلى أحد الأسئلة الجوهرية التي يحاول الكتاب الإجابة عليها "هل فرنسا بلد معاد للسامية؟".
قولاً واحداً، يؤكد بونيفاس أن الحقيقة عكس ذلك تماماً، فاليهود يتمتعون بمزايا كثيرة في فرنسا، وأن أي كلام آخر إنما يقصد به الابتزاز. جان كريستيوف واستير بنباسا في مقالٍ لهما في جريدة "لوموند" بتاريخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 2001 تحت عنوان "نحن لسنا ضحايا" قالا "لا يعاني اليهود في فرنسا على غرار العرب من أي إبعاد والحال أنه منذ شهور بل سنوات وأجهزة الإعلام اليهودية تجعل من العداء للسامية قضايا تجنيدية لنشاطهم، فلتتوقف عن اللعب بالنار".
حاييم موزيكان مدير تحرير "كريف" يعترف بأن الطائفة اليهودية تتمتع بوضعية متميزة في علاقاتها مع السياسيين" يمكن أن أتحدث مع شيراك وأحصل على موعد معه بدون أي مشكلة".
ما يعرفه موزيكان أن الرئيس الحالي ساركوزي أكثر تعاطفاً مع اليهود، إذ أن لديه جذور يهودية، وقد احتفلت إسرائيل بانتخابه رئيساً العام الجاري.
* ابتزاز
أفرد الكتاب فصلاً كاملاً عن معاداة السامية في فرنسا من منظور إسرائيلي أميركي، من المفارقة باعتقاد بونيفاس أن يأتي النقد من الولايات المتحدة، وهو بلد تحدد سياسته الخارجية على نطاق واسع انطلاقاً من وزن الطوائف المختلفة وقدرتهم على التنظيم، مؤكداً أنه لا توجد مؤامرة منظمة في الولايات المتحدة لأبلسة فرنسا وإنما مناخ ومسلمات فرضت نفسها ، وصارت بعض الأقوال المكررة وغير الدقيقة بمثابة حقائق لا يمكن تجاوزها، وتطورت كراهية فرنسا في الولايات المتحدة أولاً حول ادعاء معاداة السامية قبل أن تنطلق هذه الكراهية بشأن الموقف الفرنسي غير المؤيد لغزو العراق.
في 10 آيار / مايو 2002 أظهر البرنامج الشعبي جداً "حياة ليلة السبت" شريطاً مصوراً على خلفية أوكورديون متلائمة مع تعليق "فرنسا بلد أشهر الطباخين، أشهر الرسامين، وأشهر المعادين للسامية، الفرنسيون جبناء ومتشدقون، متغطرسون ومتعنفون، معادون لإسرائيل، معادون لأميركا ومعادون لليهود دائماً.
ألم يحن الوقت –تقول المعلقة- لكي نبدأ من جديد كراهية الفرنسيين" وكانت المجلة الأسبوعية The weekly standand ذات التأثير الكبير في الأوساط المحافظة قد جعلت عنوانها الرئيسي مصحوباً بصورة للعلم الفرنسي مع تحوير لشعار الجمهورية الفرنسية ليصير "حرية، مساواة ، كراهية اليهود".
المدير التنفيذي للمؤتمر الأميركي اليهودي "جولد شتاين" حمّل الحكومة الفرنسية مسؤولية ما تعرض له اليهود من اعتداءات، وقد تظاهر عدة مئات من اليهود والموالين لإسرائيل في 26 نيسان/ إبريل 2002 في نيويورك للمطالبة بمقاطعة فرنسا اقتصادياً، وقد وصل بالمنظمات اليهودية الكبرى في الولايات المتحدة إلى وصف فرنسا كبلد مخرب على غرار ألمانيا في الثلاثينيات، بالتأكيد يتحد المؤلف عن فترة ما بعد الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001 التي تميزت فيها السياسة الفرنسية عن السياسة الأميركية على الأقل في موضوع العراق، لكن كل ذلك تغير في 2005 من خلال التفاهم السياسي بين الرئيس الأميركي بوش والرئيس الفرنسي جاك شيراك من خلال البوابة اللبنانية حيث وضعا نص قرار مجلس الأمن 1559، والذي تضمن خروج الجيش السوري من لبنان ونزع أسلحة المقاومة اللبنانية، وقد أصبح هذا التفاهم أكثر قوة بعد وصول ساركوزي إلى السلطة العام الجاري ، في التعليق على الاتهامات الموجهة لفرنسا بأنها بلد معدياً للسامية قال بونيفاس "إذا أوقف البوليس الفرنسي شاباً يهودياً فإن لديه في فرنسا فرصاً أكثر للخروج بدون مشاكل من شاب أسود تم توقيفه من قبل البوليس في مدينة أميركية.
* الكيل بمكيالين
في حين يرى غلاة الموالين لإسرائيل أن العداء للسامية يعيث فساداً في فرنسا يرى أغلب الفرنسييت أن هذا الداء إذا لم يكن قد اختفى تماماً فهو قد صار ضئيلاً وليس كما هو حال العداوة مع العرب والمسلمين، والكلام لبونيفاس الطائفة المسلمة تتعرض أكثر من الطائفة اليهودية إلى الاستهداف بسهولة كبيرة وبدون محاسبة على صعيد النشر والحياة الفكرية، ويدلل على ذلك بالترحيب بكتاب الصحيفة أوريانا فلاتش "العاصفة والكبرياء" الذي يحض على كراهية الإسلام والمسلمين، وقد بُيع منه أكثر من مليون نسخة في إيطاليا وترجم إلى اللغة الفرنسية وبُيع منه 75 ألف نسخة ، وهذا ما جعله في مبيعات الكتب البحثية في العالم.
وقد استخدمت الكاتبة –التي لم يتهمها أحد بالعنصرية- أوصافاً وألفاظاً قاسية بحق الإسلام والمسلمين مثل "المساجد التي تضج حتى الغثيان بالارهابيين والطامحين لأن يكونوا إرهابيين" وبصورة أو بأخرى فإن الإئمة هم المرشدون الروحيون للإرهاب، إن أبناء الله هم "أناس بدلاً من يسهموا في تقديم الانسانية يمضون وقتهم وراء دوافعهم في الهواء للصلاة خمس مرات في اليوم، إن أبناء الله يتكاثرون كالفئران "على نقيض الإيطاليين والأوربيين" إنهم إذن لا يشكلون هجرة بقدر ما يشكلون غزواً ينطلق تحت رمز الوقاحة، ويكفي من أجل طردهم أن يتم وضعهم في صفوف واقتيادهم حتى الموانئ والمطارات وإرسالهم إلى بلادهم، وقد تضمن كتاب فالاتشي إساءات بالغة إلى المقدسات الإسلامية ومغالطات شائنة، لكن باعترافها فإن الصحف الكبرى –ذات الميول الإسرائيلية- وصفتها بأنها تمثل ضمير أوربا".
أندريا تاجييف الذي يدين كثيراً كراهية اليهود كانت ملاحطته على كتاب فالاتشي استخدم بعض العبارات القاسية "نقدي يتعلق أساساً بأسلوب الكتاب الهجائي إلى حدٍ ما، وليس بجوهرة" ويسأل بونيفاس: ماذا كان سيقول تاجييف لو أن كتاباً مشابهاً نُشر عن اليهود؟ هل كان نقده سيتعلق بمجرد نقد الأسلوب؟
* ماذا يجب على فرنسا؟
ليس صحيحاً ما تردده بعض الجمعيات اليهودية من أن هناك عنصرية تجاه اليهود، ما لم يقله بونيفاس أن العلاقات الفرنسية اليهودية قوية جداً وتاريخية، فقد كان نابليون بونابرت ومنذ وقت مبكر أحد المتحمسين لإقامة دولة إسرائيل، وقد ساعدت فرنسا إسرائيل في إنشاء مفاعلها النووي "ديمونة".
في الفصل المخصص للحديث عن الاخطار التي تواجه السياسة الفرنسية يذهب بونيفاس إلى اعتبار فرانسوا ميتران بدون شك أكثر الرؤساء الفرنسيين محبة لليهود والأكثر قرباً من إسرائيل، إلى درجة أن صعوده إلى الاليزيه قد أقلق إلى حدٍ بعيد العواصم العربية في 1981، وقد أصدر ميتران بعد انتخابه مباشرةً قراراً بإلغاء مقاطعة الشركات المتعاملة مع إسرائيل كان اتخذ قبل عام، وزار إسرائيل كأول رئيس فرنسي، لكن استقباله الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بعد خروجه من بيروت 1982 أطاح بكل شيء، وهكذا فإن كل ما لا يشكل انحيازاً تاماً وواضحاً لإسرائيل فإنه يُنظر إليه ليس كمعارضة وإنما كعداوة بحسب بونيفاس.
وهذا في نهاية المطاف يجعل توجيه الانتقادات إلى سياسات خاطئة أمراً صعباً وباهظ الثمن، فيما يتعلق بغير إسرائيل لا يبدو أن هناك مشاكل.
الكتاب: من يجرؤ على نقد إسرائيل؟
تأليف: باسكال بونيفاس
ترجمة: أحمد الشيخ
الناشر: المركز العربي للدراسات الغربية
الطبعة الأولى 2004
عدد الصفحات: 265 صفحة