ثالوث الإصلاح في آسيا
الأحد, 31-أغسطس-2014
كيشور محبوباني -
آسيا تستعد لدخول نقطة تاريخية عذبة، فالآن يتولى قيادة ثلاثة من أكثر بلدانها اكتظاظاً بالسكان الصين والهند وإندونيسيا قادة يتسمون بالقوة والنشاط والرغبة في الإصلاح . والواقع أن شي جين بينغ في الصين، ونارندرا مودي في الهند، وجوكو ويدودو (جوكوي) في إندونيسيا ربما تنتهي بهم الحال إلى بلوغ مرتبة متميزة بين أعظم قادة بلدانهم في العصر الحديث . في الصين، وحد ماو تسي تونغ البلاد في عام ،1949 في حين كان دنغ شياو بينجغمسؤولاً عن تصميم النهضة الاقتصادية غير المسبوقة . ولكي ينضم شي إلى صفوف أمثال هؤلاء القادة العظماء فيتعين عليه أن ينشئ دولة حديثة تقوم على قواعد راسخة . ويتطلب هذا في المقام الأول ذبح تنين الفساد الهائل . على مر السنين، استوطن الفساد في الصين، مع استغلال قادة الحزب في الأقاليم ورؤساء الشركات المملوكة للدولة سلطاتهم وامتيازاتهم الواسعة لتكديس الثروات الشخصية . وأفضى هذا إلى تقويض شرعية الحزب الشيوعي الصيني، في حين تسبب في عرقلة المنافسة القائمة على السوق والتي يحتاج إليها الاقتصاد الصيني لدفع البلاد إلى مصاف الدول ذات الدخل المرتفع . وحتى الآن، يبدو أن شي يرقى إلى مستوى التحدي . هو يلاحق بجرأة كبار الشخصيات التي كانت تعتبر في السابق "غير قابلة للّمس"، من أمثال الجنرال شيوي تساي هو نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية سابقاً، وتشو يونغ كانغ العضو السابق في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، وهي الهيئة الأعلى في الحكومة الصينية . ولكن المعركة الطويلة الأمد ضد الفساد من غير الممكن أن تعتمد على شي وحده . فلن يتسنى لها تحقيق النجاح إلا إذا تم إنشاء مؤسسات قوية لحماية وتعزيز سيادة القانون لفترة طويلة بعد خروج شي من السلطة . وإذا اختار شي إنشاء مثل هذه المؤسسات، فبوسعه أن يعتمد على تقليد قانوني قوي . وكما ذكر جاري لوك سفير الولايات المتحدة لدى الصين في كلمة ألقاها في وقت سابق من هذا العام، فإن مفهوم المساواة أمام القانون في الصين يضرب بجذوره في أعماق التاريخ . والواقع أن رجل الدولة الإصلاحي شانغ يانغ في القرن الرابع قبل الميلاد أكَّد في مقولة شهيرة هذا المفهوم: "عندما ينتهك الأمير القانون فإن الجريمة التي يرتكبها تتساوى مع الجريمة نفسها التي قد يرتكبها أي شخص من عامة الناس" . في الهند، عمل المهاتما غاندي على تجديد شباب البلاد التي أنهكها الاستعمار، وأنشأ جواهر لال نهرو ثقافتها السياسية الديمقراطية . والآن يتعين على مودي أن يُرسي الأساس لظهور الهند بوصفها قوة اقتصادية عالمية . من الواضح أن النجاح في إعادة إنتاج معدلات النمو السنوية بمتوسط 10%، والتي حققتها ولاية جواجارات تحت زعامة مودي طيلة الفترة 2004-،2012 يمثل نعمة كبرى لآفاق التنمية ومكانة الهند العالمية . ولكن تحقيق معدلات النمو المرتفعة هذه بطريقة مستدامة سوف يتطلب إصلاحات بعيدة المدى ومؤلمة في بعض الأحيان، مثل إلغاء إعانات الدعم المسرفة، وخاصة للوقود، من أجل تحرير الموارد للإنفاق المتزايد على الرعاية الصحية على سبيل المثال . ومن بين الضرورات الأخرى تقليص عجز الموازنة، وإزالة الحواجز الداخلية التي تعوق التجارة، وتشجيع الاستثمار الخاص . في حالة إندونيسيا، كان الزعيمان الأكثر نفوذاً حتى الآن سوكارنو الذي استخدم قدراته الخطابية القوية لتعزيز حس الوحدة الوطنية في واحدة من أكثر بلدان العالم تنوعاً، وسوهارتو، الذي أطاح سوكارنو وأنشأ قاعدة اقتصادية قوية نجحت في انتشال الملايين من براثن الفقر . ويتعين على جوكوي الآن أن يسارع إلى إرساء القواعد المؤسسية للحكم الرشيد . لقد ارتفع جوكوي من بدايات متواضعة إلى قمة السلطة من دون المساس بصورته باعتباره "رجل الشعب" أو سمعته كرجل واقعي صادق . ويتمتع جوكوي بسجل طويل من الحكم الرشيد، حيث نفذ سياسات فعّالة أثناء فترة ولايته كعمدة لسوراكارتا (مثل تجديد الأسواق، وإعادة توطين سكان الأحياء الفقيرة، والتخلص من الروتين البيروقراطي)، وكحاكم لجاكارتا (حيث عمل على توسيع القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم) . -
*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاقتصادية.
|