النص الكامل لمحاضرة الدكتور مهاتير محمد بجامعة عدن "الازمة المالية الدولية والدول الاسلامية.. اسبابها والدروس المستفادة"
السبت, 27-ديسمبر-2008
الميثاق إنفو - أيها الضيوف الموقرون، السيدات والسادة؛ أولا أود أن أشكر جامعة عدن لدعوتهم لي إلى الحديث عن الأزمات المالية، ولا بد لي من الاعتراف في البداية بأنني لست مؤهلا للتحدث عن تمويل تكنولوجيا المعلومات، علمي في مجالات التمويل ويقتصر على الموافقة على الميزانيات الحكومية المتكاملة، وأنا أتكلم في لغة الناس العاديين بشأن موضوع تمويل وأنا مثل جميع الناس العاديين. ونحن في خضم الأزمة المالية الناجمة عن انهيار المؤسسات المالية الأميركية، هذا الانهيار لم يسبق له مثيل، لأن جميع الأسماء الكبيرة في العمل المصرفي العالم يعانون جميعا في وقت واحد معا وهم يجلبون معهم المؤسسات المالية الأخرى سواء كانت صغيرة أم كبيرة معهم. إن الخسائر في الولايات المتحدة وحدها هي تريليونات من الدولار، وهو رقم من يصعب على المرء أن يتخيله، والدول الأوربية تفقد أموالا طائلة والعالم الآن، والمبالغ من الصعب أن يتكهنها أي شخص. لأن الولايات المتحدة الأميركية تجذب الكثير من الاستثمارات الأجنبية وخصوصا من أوربا وغيرها من البلدان المتقدمة الأخرى، فإن هذه البلدان تعاني مصير البنوك والمؤسسات الأميركية نفسه، الدول الأوربية تشهد انهيارا والأعمال التجارية الأخرى تعاني من المصير الأميركي نفسه. فكيف سيكون عليه الحال؟ وكيف يؤثر في البلدان الإسلامية؟ وإذا أردنا أن نعرف فإننا بحاجة لفهم شيء من أسباب الأزمة المالية. أساسا انهيار البنوك من سوء استخدام النظام المصرفي الغربي وجشع الشعب، هؤلاء الناس تعودوا ابتكار طرق ووسائل، واستخدام المعادلات الرياضية، لاستغلال الثغرات الموجودة في النظم، لكي يتسنى لهم تقديم المزيد من المال في حالة ممارسة أعمال التجارية الطبيعية لإنتاج السلع والخدمات. في النظام المصرفي الغربي حجم قروض البنوك الذي تعطيه أساسا غير محدودة ويمكن أن يتجاوز رأس المال والودائع لدى البنوك، ويمكن أن يخلق في الواقع المال من لا شيء، وليس في الواقع من طبع أوراق العملة وإنما بإصدار الشيكات وبطاقات الائتمان والشيكات السياحية... الخ، لأن معظم صفقات تدفع الشيكات، النقدية في شكل أوراق العملة ليست ضرورية حقا، شيكات... إلخ، بالأموال نفسها، نحن ندفع بالنقد والبطاقات ونرى هذه التسديدات مقبولة وأن العملة النقدية لا تلعب دورا، لسنا بحاجتها إلا في حالة التعاملات الصغيرة كون البنوك تجني أرباحها من خلال الإقراض وكون أن المبالغ التي يمكن إقراضها هي غير محدودة، فإن المصارف تحاول أن تقرض أكبر مبالغ ممكنة ما إذا كانت متوفرة لديها أم لا. فإذا كان الإقراض معقولا فمعنى ذلك أن البنك لا يقرض إلا الأشخاص القادرين على تسديد القروض، لكن بسبب الطمع ولوسائل جني أكبر أرباح ممكنة فإنهم لا ينظرون إلى إمكانية وقدرة المقترض على تسديد هذه القروض، فما يعنيهم فقط أن يقرضوا أكبر مبلغ ممكن وأن تكون الأرباح على سعر الفائدة التي سوف يجنونها من إجمالي القروض التي يقرضونها، ولتأمين هذه القروض فإنهم يجمعون المنتجات والقروض ويؤممونها من خلال شركات التأمين، والمبالغ تبلغ مليارات ولكن الفائدة هي تعتبر جزءا من إجمالي، فالقروض يتم اعتبارها مأمونة، ولأنهم يؤمنون بأنه إذا فشل المقترض في تسديد هذه القروض فإن شركات التأمين سوف تعوض البنك. ولكن عندما قروض المليارات تفشل، والضمانات هي ضمانات المباني ولا يمكن بيعها فإن شركات التأمين لا تستطيع أن تفي بالتزاماتها، لأن المبالغ أكثر بكثير من قدرتها على التسديد، ولهذا فإن المصارف تتكبد خسائر كبيرة تبلغ بالمليارات وتزيد عن أصولها وتعرقل عملها فهم يصبحون مفلسين، الحكومات كان لا بد أن تنقذها بمنح الملايين من خلال مبالغ دافعي الضرائب، وما يحدث هو أنه لا يوجد إشراف حكومي مناسب على القطاع المصرفي لأنهم يعتقدون أن هناك السوق الحرة وأن السوق الحرة ستنظم نفسها بنفسها وهذا الافتراض خاطئ لأن السوق تهتم فقط بالربح ولا تتدخل بالخطط التي تستهدف جني مزيد من الأرباح، السوق ليس لها أي سلطة ولا أي وظيفة تنظيمية، التنظيم فقط يأتي من خلال العرض والطلب فإذا ما زاد العرض عن الطلب الأسعار تنخفض بعد ذلك تستجيب السوق من خلال تخفيض العرض ويرتفع السعر مرة أخرى، فبالتالي الأسعار تستقر وهكذا تعتقد السوق الحرة. الشركات التي لا تجني ربحا يتم إغلاقها وفقط الشركات الكبرى هي التي تبقى وهناك إساءات كثيرة من قبل المؤسسات في الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال المصارف التي تفرض الصناديق المغلقة وهناك عشرات المليارات من الدولارات، هناك مخطط آخر وهو التجارة بالمال وأحيانا أكثر من عشرين مرة أكثر من التجارة العالمية ولا توجد أي خدمات أو سلع تتبادل في هذه العملية ولا يتم تبادل المال أيضا؛ ولكن الشيء الوحيد الذي يحدث هو أن هناك تبادلا في القيود داخل حسابات البنوك، لهذا التجارة بالمال لا تخلق أي فرص عمل إضافية أو أي أعمال تجارية جديدة، فان إجمالي التجارة الدولية فقط واحد على عشرين بالمائة ونحن نعرف أن هناك أعدادا قليلة من الناس الذي يسترزقون منها. وبما أن جميع إيرادات الاستثمارات المالية لا تمنح عوائد أفضل فيما يتعلق بالنقد فإن الاستثمارات تكون في الأعمال التجارية والتجارة بالسلع والخدمات. كثير من الأميركيين لا يستثمرون في الأسواق المالية مباشرة وبدلا من ذلك يستثمرون في صناديق مختلفة وبدورها تستقبل مبالغ كبيرة وفي أسهم مختارة ويتم إدارتها من قبل محترفين. هذه الصناديق يفترض أن تعرف ما هي الأسهم التي تعطي أرباحا أفضل ولكن بسبب أن الاستثمار يرفع الأسعار أو أنهم يبيعون فإنهم يخفضون الأسعار فالحقيقة يمكنهم أن يسيطروا على أسعار الأسهم وبالتالي نظريا فإنها مربحة دائما وكم حصل شيء ما وخسروا مبالغ طائلة من المبالغ التي استثمروها وكل بلدان العالم ستتأثر من هذه الأزمة المالية، دول إسلامية أيضا ستتأثر، ولكن مدى التأثير هذا على الدول على الروابط التجارية والاستثمارية مع الولايات المتحدة الأميركية، فأوربا وغالبية الدول النامية استثمرت في المنتجات المالية المعروضة من قبل البنوك الدولية والصناديق الائتمانية والصناديق الاحتياطية، الكثير يحتفظون باحتياطياتهم في الولايات المتحدة الأميركية من خلال شراء أذون الخزانة الأميركية. الكثير من الدول يستثمر في أذون الخزانة وعندما يتم شراء أذون الخزانة فإن البنوك الوطنية تقرض الولايات المتحدة الأميركية ومعنى ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية مدينة لأكثر من 15 تريليون دولار للعالم، معنى ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية دولة مفلسة لا تستطيع تسديد القروض التي عليها. إذا، كل المبالغ التي تحتفظ بها بالدولار قد انخفضت قيمتها وقد لا تستطيع صرفها، الولايات المتحدة قادرة على أن تمنع أي شخص للحصول على الأموال من قبل المستثمرين في الدول الأخرى مثل ماليزيا لديها تجارة كبيرة مع الولايات المتحدة الأميركية وأوربا وإفلاس الولايات المتحدة الأميركية والمصارف الأوربية والركود الذي تواجه هذه البلدان معنى ذلك أن قدرتها على استيراد منتجات من ماليزيا ستنخفض والتأثير على ماليزيا سيكون انخفاض صادراتها وبما أن اقتصاد ماليزيا مبنى على الصادرات فإن الأزمة ستؤثر سلبا على الاقتصاد الماليزي. الولايات المتحدة الأميركية وأوربا تعتبر أسواقا كبيرة للمنتجات العالمية وعندما تدخل في حالة الركود فإنها ستؤثر على كل البلدان التي تتاجر معهم. الصين وهي أكبر وأسرع اقتصاد في العالم سوف يتأثر سلبا لكون الولايات المتحدة وأوربا سوقا كبيرا للمنتجات الصينية. بالإضافة إلى ذلك فإن مخزون الصين بالدولار الأميركي كبير للغاية وجزء كبير منه سوف يتم خسرانه بسبب هذه الأزمة. إذا ما استطعت أن أكرر فإن المبدأ الأساسي هو الطمع؛ الطمع الذي يدفع الإنسان ليكسب أرباحا بدون أخلاق وأي اعتبار للقواعد الأخلاقية. لا يوجد أي شك في أن الكثير من الناس قد صنعوا ثروات طائلة ولكن النظام لا يستطيع أن يصد كل هذه الإساءات على مدى العمر، فعندما يحصل فإن هذا النظام ينهار. الدروس المستفادة هي أنه في التجارة لا بد أن يكون هناك أخلاق وممارسات أخلاقية في الوقت الذي الأرباح مهمة لا بد أن يكون هناك ممارسات تحد من هذا الطمع، نحن نتحدث عن الأعمال كشركات مواطنة ونتحدث عن القواعد والأنظمة التي ستبقي هذا النظام صحيا ويؤدي وظيفته بشكل كامل. هناك المصارف الإسلامية لو تم إقراضها هذه المبالغ فإنه يمكن أن يتوقع ربحا وقد لا يكون هذا الربح ثابتا ولكنه مبنيا على أداء الأعمال التجارية ذاتها عندما تأخذ البنوك الإسلامية حصة في هذه الأعمال فإنها تشرف على الأعمال ولا يتم الإساءة أو سوء الاستخدام، بالتالي لا يكون هناك إقراض فان المتهورين سوف يشغلون هذه الثغرات مما يؤدي إلى خسارة هذه المصارف. إن توقع الأرباح من القروض الكبيرة هو الذي يؤدي إلى الإقراض غير الرشيد وهذه ممارسة يمنعها الإسلام. هذا هو السلوك الذي عادة ما يعانيه الفقراء بسبب رغبة الطامعين في تحقيق أرباح طائلة هذا ما يحصل لتجار العملة النقدية الذي يصنعون أكثر من مليار دولار في السنة من الفقراء حول العالم، بالرغم من أنهم يتبرعون للأعمال الخيرية لكن أرباحهم الهائلة التي ينظر إليها بأنها أعمال خير فإنهم سرقوا هذه الأموال من الفقراء. المسلمون يجب أن يأخذوا الأرباح العادلة والمنصفة من أعمالهم التجارية، يجب ألا تدفعهم الاستثمارات في المنتجات المالية من المصارف الصادرة عن المصارف الأميركية والأوربية، وإذا عرفوا هذا فإنهم سويكونون مستقلين ولن يتأثروا من الكوارث التي يسببها هؤلاء البنوك، فالمسلمون يجب ألا يديروا صناديق أو مغامرات مالية، عندما نقوم بالأعمال التجارية نحن المسلمين ونريد أن نكون قدوة يجب ألا نكون طامعين، أن يكون لدينا نظام وقواعد وأنظمة خاصة بنا... قبل فترة طويلة أنا قدمت مشورة لأصدقاء ألا يقبلوا الدولار مقابل المنتجات التي يبيعونها لأنهم لو حصلوا على الدولار فيفترض أن يغيروه إلى اليورو أو الين الياباني وذلك لأنه لمدة سنوات قادمة فإن الولايات المتحدة الأميركية تعاني من عجز مالي كبير وهي مفلسة فإن الدولار الأميركي لا يوجد له أي ضمانات ولا يساوي شيئا، والآن نرى أن العملة الأميركية والدولار غير مستقرة، السبب الوحيد لأنه ما زال يحمل قيمة هو أن هناك طلب على هذه العملة لتمويل التجارة العالمية وعلى المعاملات التجارية ومع ذلك فإن الدولار الأميركي غير ذي جدوى، غير ذي قيمة، والولايات المتحدة ستضطر للعيش ضمن إمكانياتها وأن تترك المغامرات الدولية والحروب فالعالم سيكون أكثر سلاما وأمانا. إذا ما هي الدروس التي سنتعلمها من هذه الأزمة؟ أنا أعتقد أنه يجب علينا جميعا أن ندرك أن الطمع سيئ وانه سيؤدي إلى انهيارنا في الأعمال التجارية، يجب ألا نسمح لأنفسنا أن نكون طامعين ونجني أرباحا طائلة، ويجب ألا نسرق من الفقراء لكي نصبح أغنياء حتى ولو أننا نرغب بعمل أعمال خيرية من هذه الفلوس. هذا الدرس الأول. وإذا استثمر المستثمرون في الأعمال التجارية العادية وليس بالمخططات التي ستجني أموالا طائلة فنحن لن نعاني من الكوارث التي نراها اليوم، يجب أن يتجمد أي مخطط للثراء السريع، سيكون هناك ناس سيحاولون مخاطبة طمعنا ومن خلل الوعود لأنه سيكون عائد أكبر من استثماراتنا، والمخطط الهرمي هو أحدها وصناديق بنك الخزانة هي طريقة لجذب الاستثمارات الطائلة وأعطى فوائد كبيرة بعد أن يستثمروا هذه المبالغ في الإقراض، ولكن اعرفوا ما هي الاستثمارات من خلال هذه الصناديق عندما تفشل هذه الاستثمارات فإنهم سيخسرون كل المبالغ التي اقترضوها وسيخسرون هذه المبالغ التي استثمروها والمستثمرون الذين استثمروا سيخسرون فيها. البنوك، بما في ذلك البنوك الإسلامية، يجب ألا تقرض المبالغ التي ليست بحوزتها لا بد أن تتعامل بعقل وأن تكون واثقة من تسديد هذه القروض، البنوك يجب ألا تقرض عندما تعرف أن المقترض لا يستطيع سداد هذه المبالغ. إن تأمين القروض السيئة من خلال التأمين أيضا خطير فما نحتاجه اليوم هو أن نعيد النظر على النظام النقدي العالمي والنظام المصرفي العالمي. إن تفكك "بريتون وودز" الأصلية ثبت الدولار الأميركي على 35 دولارا أميركيا مقابل الأوقية الذهب، ولكن العملة النقدية عادة لا تساوي الورقة التي هي مطبوعة عليها ولكن عندما أصدر الشيكات السياحية والبطاقات الائتمانية وأن قيمة المال أو النقد لا يمكن أن تحدد. العالم يحتاج إلى نظام مالي جديد يثبت قيمة النقد بشيء ملموس وذي قيمة محددة، الذهب على سبيل المثال. إن النظام البنكي أو النظام المصرفي لا بد أن يتغير أو يتم تنظيمه بشكل أفضل. البنوك يجب ألا تعطى الحق لصنع المال من لا شيء أو صنع النقد من لا شيء؛ لا بد أن نمنعهم من الإقراض بدون حدود وسقوف محددة إذا فرضنا أن النظام البنكي الجديد وربما نحن ضروري نحتاج إلى نظام بنكي جديد. هذه بعض الدروس التي يجب أن نستفيد منها من الأزمة المالية والحل يجب ألا يقتصر على إنقاذ المصارف والشركات الفاشلة هناك حاجة لتغيير منظم لكل هذا النظام هناك حاجة للعالم.
السياسية نت
|