محمد سيف حيدر - تُثير الأزمة الاقتصادية التي تجتاح عالمنا حالياً تساؤلات عدة حول أسبابها والآليات الحاكمة لوجودها وإمكانية استمرارها لفترة طويلة قادمة، لاسيما وأن آثارها الاقتصادية والاجتماعية باتت مدمرة ولم تعُد تُطاق بالنسبة للكثيرين. وإذا كان من أهم علامات هذه الأزمة اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء ومن ثمّ ارتفاع وتيرة نزعة تفاوت الدخل العالمي، لكن للبعض في هذه المسألة الأخيرة بالذات رأي آخر جديرٌ بالاهتمام.
ففي كتابه الموسوم "الجغرافية الجديدة لتفاوت الدخل العالمي"، والذي لم يلقَ – على الرغم من أهمية طروحاته – صدىً يُذكر في البلاد العربية، يُجادِل كَلِنْ فايرباو، أستاذ ورئيس قسم علم الاجتماع في جامعة بنسلفانيا الأميركية، بأن تفحُّص البيانات والمعطيات خلال السنوات الأربعين المنصرمة وحتى اليوم، يوحي بأن تفاوت الدخل بين الدول قد بلغ ذروته في الثلث الأخير من القرن العشرين، وهو الآن – وعلى عكس النظرة التقليدية المتشائمة السائِدة – آخِذٌ في الهبوط.
وفي الوقت نفسه، يلاحظ فايرباو أن تفاوت الدخل ضمن الدول – الذي كان آخِذاً في الانحدار خلال النصف الأول من القرن العشرين – بدأ في الارتفاع. وبسبب انتشار التصنيع ووصوله إلى دولٍ فقيرة، والزيادة المتوقعة في عدد سكان كثيرٍ منها، فإن فايرباو يتوقع استمرار نزعتي التفاوت المذكورتين آنفاً بين الدول وضمنها. والنتيجة هي تشكُّل جغرافية جديدة لتفاوت الدخل العالمي، حيث ينخفض تفاوت الدخل بين الدول ويرتفع ضمنها، خلافاً لنزعتي التفاوت اللتين كانتا سائدتين في القرن التاسع عشر وبواكير القرن العشرين.
ويوثق الكتاب بالأرقام والتحليل العميق والرصين، هذه الجغرافية الجديدة ويُبيِّن أن هذه الجغرافية أدت إلى تفاوت آخِذٌ في الانحدار للدخل العالمي، ويُفسِّر أسباب توصل التحليلات الأخرى إلى الاستنتاج الخاطئ الذي يؤكد أن تفاوت الدخل العالمي يواصل صعوده. كما يدرس الكتاب، بالتفصيل، الأسباب الكامنة وراء التغيُّر في مواقع تفاوت الدخل العالمي، ومن أهمها في رأي المؤلف امتداد التصنيع إلى المناطق الفقيرة من العالم، وبخاصة منطقة شرق آسيا. وهذا السبب، إضافة إلى أسباب أخرى، يضعنا، بحسب فايرباو، في موقع أفضل لرؤية ما إذا كانت الجغرافية الجديدة المذكورة سلفاً قابلة للاستمرار أم لا.
ويتنبأ الفصل الأخير من الكتاب بأن هذه الجغرافية ستستمر في القرن الحالي. وإذا ما تحققت هذه النبوءة، كما يعتقد المؤلف، فسنكون في وسط مرحلة لانتقال التفاوت تضعُف فيها ببطء الرابطة بين جنسية المرء ودخله، ومن ثمّ فقد يعتمد دخلنا في المستقبل على ما نعرفه أكثر من اعتماده على الموقع الذي نعيش فيه. وهو منطق سيجد اليوم الكثير من المؤيدين له بالتأكيد.
الكتاب: الجغرافية الجديدة لتفاوت الدخل العالمي
تأليف: كَلِنْ فايرباو
ترجمة: خضر الأحمد
الناشر: شركة الحوار الثقافي، بيروت
تاريخ النشر: 2004
عدد الصفحات: 303 صفحات.