القاعدة تنظيم دون الإسلام وفتاويه تخالف نصوص الشرع الصريحة
الأربعاء, 14-مايو-2014
الميثاق إنفو -
انتهى عهد تغليف الأعمال الإرهابية التي تقوم بها القاعدة بسحابة من الفتاوى والتبريرات الدينية التي تسوقها الآلات الدعائية للتنظيم، والتي تناولتها وسائل الإعلام الغربية بشكل يصور التنظيم الإرهابي على أنه التصعيد الأقصى لحقيقة العرب والمسلمين، في حين أنه توجد قراءات وشبهات تعيد أصول هذا التنظيم إلى الدوائر الإستخباراتية الغربية وبالتحديد أميركا. ولعل تحريف بعض القواعد الدينية الإسلامية الصريحة واستعمال “عقول القاعدة” لبعض النصوص القرآنية للإفتاء بالقيام بجرائم، يكشف نوعا ما الخلفية الحقيقية لهذا التنظيم والقصد من إيجاده.
خرقت التنظيمات الجهادية الفقه الإسلامي خرقا خطيرا لم يحدث من قبل، عندما أصدرت فتوى بقتل كل أميركي ويهودي، وهو ما يعبر عنه بـ”فتوى القتل على الجنسية”، وهذه فتوى باطلة من أساسها ولا تستند إلى أي دليل شرعي.
فهناك أميركي مسلم، وهناك أميركي متعاطف مع قضايا المسلمين، وهناك أميركي يعارض سياسة بلاده في الشرق الأوسط. فلا يمكن أن يكون هناك شعب أو أهل ديانة أو عرق على نسق واحد. وقد كان القرآن عظيماً حينما أشار إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى بقوله تعالى: “ليسوا سواءً”، وهي حكمة قرآنية عظيمة نسوقها ونكررها على مسامع قادة القاعدة والمقتنعين بفكرهم. وهذه الآية تمثل قمة العدل القرآني مع الخصوم والمخالفين في العقيدة والدين. كما أن القرآن لم يعمم الأحكام أبدا مع أهل الكتاب، ولكن كان يستخدم دائماً كلمة “مِن” وهي للتبعيض: “ومنهم”، مثل قوله تعالى: “وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً”.
لا ينبغي إذن أن يجعلنا الطغيان الأميركي أو الاحتلال الصهيوني في المنطقة، نحيد عن أحكام الشرع الحنيف، إذ ينص القرآن على العدل مع غير المسلمين، بقوله تعالى: “وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى”. وليس هذا دفاعا عن أميركا أو غيرها، ولكنه دفاع عن الشريعة، وسعي للانضباط بقواعدها، لأن الله تعبدنا بالتزام الشريعة والدوران حولها حيث دارت وإن خالفت أهواءنا وأفكارنا.
استحدثت القاعدة حكما فقهيا لم يقل به أحد من السلف أو الخلف من العلماء، عند إصدارها لفتوى القتل على الجنسية
مبررات عاجزة
لقد استحدثت القاعدة حكما فقهيا جديدا لم يقل به أحد من السلف أو الخلف من علماء المسلمين، وذلك عندما تعرضت إلى النقد العنيف من قبل الجماعة الإسلامية وغيرها، على إطلاقها وتبنيها لفتوى القتل على الجنسية، حيث قالت “إن كل أميركي يستحق القتل لأنه يدفع الضرائب إلى دولته، وهذه الضرائب هي التي تمول الجيش الأميركي والسياسات الأميركية الجائرة والظالمة”.
نسيت القاعدة أن الشعوب كلها كانت تدفع الضرائب والمكوس إلى الحكومات منذ قديم الأزل، ومن أيام الروم والفرس، ولم يقل أحد من الصحابة والتابعين أو الفقهاء بقتل كل رومي أو فارسي، بل وردت في النهي عن قتل كل هؤلاء نصوص كثيرة من أقوال الصحابة والتابعين وفقهائهم.
فقد ورد عن عمر بن الخطاب قوله: “اتقوا الله في الفلاحين الذين لا يناصبونكم الحرب”. وقال النووي في شرح صحيح مسلم: “أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا”. كما أن هذا الرأي الغريب والعجيب للقاعدة سيهدم إجماع العلماء والفقهاء والصحابة والتابعين على حرمة قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان والفلاحين والصناع، أي المدنيين عموماً. ثم من قال إن المواطن في أي دولة مسؤول عن سياسة دولته؟
هل هذا المواطن هو الذي يصنع سياسة حكومته؟ وكيف يصنعها إذا كــان يعارضها في الأصــل؟ ألـم ينجــح جــورج بــوش الابــن بـ51 % في الانتخابات الرئاسية الأولى؟ ألا يعني ذلك أن نسبة 49 % من الشعب الأميركي لم تكن مؤيّدة لحكمه؟ ألم يخرج الأميركان في مظاهرات حاشدة للتنديد بالتدخل الأميركي في العراق؟ إن نتيجة استطلاعات الرأي في أميركا في عهد جورج بوش الابن التي تعلّقت بمسألة احتلال العراق أوضحت أن: 63 % لا يوافقون على سياسته. فهل يعتبر هؤلاء من بين صانعي سياسة حكومتهم أم أنّهم معارضون لها؟
إن المعنى الوحيد لهذه الفتوى هو؛ الفوضى بما تعنيه من خراب ودمار وهدر للدماء التي حرم الله إراقتها. فالأصل في الدماء كما قال ابن تيمية هي العصمة. ولا تزول هذه العصمة إلا بسبب. ولكن القاعدة عكست هذه المنظومة فجعلت الأصل في الدماء والأنفس هي الإهدار، والاستثناء هو الحفاظ عليها.
وهل هناك مواطن في العالم كله يصنع سياسة دولته؟ إن معظم الشعوب الغربية، فضلاً عن العربية، لا يهمها سوى أن تعيش حياة رغدة مطمئنة.
أما أمور السياسة فأكثر الشعوب في منأى عنها. بل إن بعض الشعوب الغربية لا تعرف شيئاً أساساً عن منطقة الشرق الأوسط؛ لا فلسطين ولا الإسلام، ولا حتّى المسلمين. أما الضرائب فكل الشعوب مجبرة على دفعها وليست مخيرة في أمرها، وإلا وقعت تحت طائلة القانون. وجريمة التهرب من الضرائب في الغرب تعدّ من بين الجرائم المخلة بالشرف.
نسيت القاعدة أن الشعوب تدفع الضرائب للحكومات من أيام الروم والفرس ولم يقل أحد من الصحابة والتابعين بقتل رومي أو فارسي
نظرية الهدف المستحيل
من أهم الأخطاء الاستراتيجية للقاعدة، تبنيها لنظرية الهدف المستحيل. فهي تضع لنفسها أهدافا شبه مستحيلة وأكبر بكثير من قدراتها وطاقاتها دون أن تكون لديها أية أدوات لتحقيق هذه الأهداف. ولذلك لم تحقق أي هدف من هذه الأهداف. بل إن كل ما قصدته من أهداف حدث في الواقع عكسه.
فقد كانت تهدف من وراء أحداث 11 سبتمبر إلى تركيع أميركا وضبط سياستها في الشرق الأوسط، فلم يحدث الهدف المطلوب منها بل حدث العكس، إذا دخلت أميركا بجيوشها المنطقة واحتلت أفغانستان والعراق. وحاربت القاعدة الهند في كشمير فثبتت أقدامها فيها.
وحاربت السعودية في تفجيرات الرياض وغيرها. والجزائر في تفجيرات العاصمة الجزائرية. وتفجيرات عديدة في اليمن والأردن وموريتانيا. كل ذلك لتغيير الأنظمة الحاكمة في هذه البلدان، ولم يحدث ذلك، بل حدث العكس. فقد اكتسبت كل هذه الأنظمة دعماً دولياً وإقليمياً قوياً في مواجهة القاعدة.
وحاربت القاعدة باكستان لوقف دعمها للقوات الأميركية في أفغانستان، فحدث العكس، إذ أصبحت الطائرات الأميركية دون طيار تخترق كل يوم المجال الجوي الباكستاني دون إذن أو حتى علم حكومة باكستان لتضرب قادة القاعدة في أماكن اختبائهم في باكستان، واخترقت باكستان أمنياً واستخباراتياً، والأمثلة غير ذلك عديدة.
إن القاعدة وضعت لنفسها أهدافاً مستحيلة. ولم تحقق أياً من هذه الأهداف، بل هي دائما تحقق العكس تماماً. لقد خالفت هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي كان يضع لكل مرحلة من مراحل دعوته هدفاً يتناسب معها ومع قدرات وإمكانات أصحابه. فقد جعل له في مكة هدفاً واحداً هو حرية الدعوة إلى الله. فقال لقريش: “خلوا بيني وبين الناس”. ذلك مع تحمل الأذى والصفح والعفو: “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ”، “فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ”. وكان حول الكعبة 360 صنماً فلم يقم بتحطيمها ولم يتعرض لها. كما أن سنة التدرج هي سنة كونية في كل المخلوقات بدءاً من الإنسان نفسه وُصولا إلى غيره من المخلوقات.
----------
خلاصة بحث ناجح إبراهيم’تنظيم القاعدة الأفرع والخلل الفكري’ (مارس 2014) ‘الجهاديون في مصر: المراجعات’ الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث.
*. نشر في صحيفة العرب اللندنية.
|