أسواق النفط في ظل الأزمة الأوكرانية
الأربعاء, 26-مارس-2014
نعمت أبو الصوف -
منحنيات العقود الآجلة لأسعار الخام القياسية في منطقتي أوروبا وآسيا مستمرة في حالة التراجع Backwardation، بمعنى أن أسعار الشهر الفوري هي أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة، ما يشير إلى حالة التشدد في الأسواق، على الرغم من وفرة الإمدادات العالمية. منحنيات العقود الآجلة للخام في الولايات المتحدة أيضا في حالة التراجع، لكنها لا تزال مقيدة بالخدمات اللوجستية لخطوط الأنابيب المحلية التي تحدد شكل المنحنى. مع اقتراب بدء الربع الثاني من العام حيث الطلب العالمي على النفط يكون ضعيفا نسبيا، الأسواق متخمة بالإمدادات النفطية. لكن الاضطرابات السياسية تصاعدت أيضا على خلفية الأزمة الروسية - الأوكرانية، ما دفع شركات التكرير الآسيوية إلى مواصلة الشراء على الرغم من أنها على وشك الدخول في موسم الصيانة. ذلك أن أمن الإمدادات يعتبر قضية ملحة للمشترين في آسيا. أسواق خام بحر الشمال برنت ظلت في حالة تشدد، حيث إن أسعار التداول الآنية أعلى من أسعار الشهر الثاني بنحو 30 سنتا للبرميل. لقد تقلصت وفرة إمدادات النفط الخام في حوض الأطلسي مع زيادة الطلب عليها من قبل الأسواق الآسيوية وتراجع الإنتاج الليبي مرة أخرى. إضافة إلى ذلك الأسواق الآسيوية استوعبت نحو 500 ألف برميل في اليوم إضافية من النفط العراقي (خام البصرة الخفيف) من دون الكثير من الصعوبات، لكنها أجبرت إيران على وضع المزيد من النفط الخام في الخزانات العائمة.
تداعيات الأزمة الأوكرانية على أسعار خام بحر الشمال برنت كانت ضعيفة بصورة عامة، حيث إن الأسواق لا تتوقع أن يكون هناك حصار شامل على روسيا، بما في ذلك عقوبات على صناعة الطاقة الروسية أو حرب واسعة النطاق. الاعتقاد السائد هو أن الدول الغربية لا تستطيع تحمل العقوبات والعالم يعتمد بشكل كبير على الصادرات الروسية من النفط الخام، المنتجات النفطية والغاز الطبيعي. من الواضح أن الأسواق العالمية تمكنت من التعامل مع العقوبات الإيرانية التي اقتطعت نحو مليون برميل في اليوم من الصادرات الإيرانية من الأسواق، لكن ليس بمقدورها التعامل مع عقوبات شاملة على روسيا التي لا تصدر فقط نحو خمسة ملايين برميل في اليوم من النفط الخام، بل أيضا تصدر بضعة ملايين برميل نفط مكافئ في اليوم من المنتجات النفطية والغاز الطبيعي. على الرغم من ذلك، ارتفع الجزء الخلفي من منحيات العقود الآجلة لأسعار خام غرب تكساس الوسيط وبرنت، هذا قد يكون مؤشرا على أن قلق المستهلكين قد تسبب في بعض عمليات الشراء على المدى الطويل كحماية في وجه الاضطرابات السياسية، حيث ليس من المحتمل أن يتم التوصل إلى حل للأزمة الأوكرانية في أي وقت قريب.
إن شركات التكرير الآسيوية على وشك الدخول في موسم الصيانة الدورية، لكن مع ارتفاع التوترات السياسية واستمرار الهند والصين في ملء احتياطياتهما النفطية الاستراتيجية، الطلب على النفط الخام من الممكن أن يكون أعلى في الأشهر المقبلة. الهند ستبدأ بملء أول خزاناتها من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي في الربع الثاني من العام، في حين أن الصين مستمرة في إضافة المزيد من الاحتياطيات النفطية الاستراتيجية، على الرغم من التباطؤ المزعوم. من المتوقع أن يكون بإمكان الهند والصين استيعاب كميات كبيرة من النفط الخام لفترة من الوقت من دون الإخلال بميزان العرض والطلب العالمي.
الخدمات اللوجستية لخطوط الأنابيب مستمرة في تحديد سعر خام غرب تكساس الوسيط، ومستمرة أيضا في إرباك الأسواق. كميات متزايدة من النفط الخام تشحن يوميا إلى ساحل الخليج الأمريكي، مستنزفة المخزون التجاري في منطقة كوشينج، أوكلاهوما. المخزون التجاري في منطقة كوشينج وصل في الوقت الحاضر إلى نحو 31 مليون برميل انخفاضا من 42 مليون برميل في 24 كانون الثاني (يناير) الماضي. في الوقت نفسه المخزون في ارتفاع على ساحل الخليج، حيث ارتفع مخزون النفط الخام بنحو 23 مليون برميل في الفترة نفسها. في الوقت الحاضر بإمكان خط الأنابيب "طريق البحر" والمقطع الجنوبي من خط الأنابيب "كيستون اكس لـ " نقل نحو 1.1 مليون برميل في اليوم من مركز التخزين في كوشينج، لكن مع التوسعات الإضافية لخط أنابيب "طريق البحر" سترتفع هذه الكمية إلى 1.5 مليون برميل في اليوم في الربع القادم.
إن تزايد الطلب على النفط في ساحل الخليج الأمريكي، يمكن أن يخفض المخزون في مركز كوشينج، الذي يمتلك طاقة تخزين تصل إلى 70 مليون برميل، إلى مستويات دنيا قد تصل إلى 25 مليون برميل، وهو الحد الأدنى لتشغيل الخزانات. لذلك الفجوة بين خام غرب تكساس الوسيط وخام بحر الشمال برنت سوف تتقلص. إن تراجع المخزونات في منطقة كوشينج كانت فعلا مسؤولة عن ردم الفجوة بين أسعار الخامين، التي تقلصت حتى الآن إلى أكثر من النصف، من ذروة هذا العام 14.95 دولار للبرميل في 13 كانون الثاني (يناير) إلى ما دون ستة دولارات للبرميل. لكن هذا التراجع قد توقف في منتصف آذار (مارس) الجاري، على الرغم من انخفاض أسعار خام بحر الشمال برنت في أعقاب تفادي التصعيد في الأزمة الأوكرانية. لكن المزيد من التراجع في مخزونات منطقة كوشينج قد يضيق من الخصم مرة أخرى. في الوقت الحاضر تخطط الحكومة الأمريكية في إضافة خمسة ملايين برميل من النفط الحامضي المتوسط والثقيل إلى الأسواق فيما تسميه "اختبار" لخطوط الأنابيب التي تربط احتياطياتها النفطية الاستراتيجية. إن هذه الخطوة تبدو أكثر ردا على التدخل الروسي في أوكرانيا منها اختبارا حقيقيا لنظام خطوط الأنابيب. لكن، إذا ما أرادت الحكومة الأمريكية من هذا التصرف إحداث الحد الأقصى من التأثير في الأسواق، فإنه من الأجدر بها السماح بتصدير هذه الكمية. آخر "اختبار" قامت به الولايات المتحدة كان قبل حرب الخليج الأولى، لذلك من الواضح جدا أن هناك ترابطا بين "الاختبار" والأزمات أو الحروب. كما هو الحال في المرات السابقة أثناء الأعاصير أو تعطل الإمدادات الأخرى، سيتم استخدام نظام المناقصة في البيع، وهذا قد يؤدي إلى قيام شركات التكرير بشراء النفط الخام بخصومات كبيرة. الأمر الذي سيسمح لمصافي ساحل الخليج بزيادة معدلات التشغيل عندما تعود من الصيانة الدورية. إن الحكومة الأمريكية تريد تجنب المزيد من الارتفاعات في المخزون النفطي حول منطقة هيوستن، لأن هذا سيؤدي إلى انخفاض الأسعار للمنتجين المحليين. حيث إن الهدف هو الضغط على روسيا وليس المنتجين الأمريكيين.
*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية"
|