هدوء أوباما الذي تعقبه العاصفة
الثلاثاء, 16-ديسمبر-2008
أحمد محمد الشرعبي - وحدث في أميركا مالم يكن ضمن حسابات أفريقيو أميركا، وبدا الأمر تهاوياً لأسوار التقاليد الراسخة للتمييز العنصري ضد عرق السود في عاصمة العالم الغربي- أميركا- وكأن القضية برمتها ثورة ديمقراطية جديدة ينتظر منها أن تحدث الكثير من التغييرات، ولو أقتضى الأمر مشابهتها بالثورة الفرنسية من حيث طبيعة الانقلاب على البرجوازية المتمثلة في طبقة الأرستقراط المحيطة بالملك لأمكن القول أن ما حدث في أميركا ظاهره الإعلامي انقلاب أسود سلمي –بعكس الثورة الفرنسية الدموية- على السلطة برغم أن الأقلية السوداء تمثل 12%، لكن زلزال باراك أوباما حصل على كل حال، وحصل في مفاجأة الديمقراطية الأميركية أن على البيض التقليديين العنصريين عَضْ أصابع الغيض فقد صاروا أقلية، إذ أن أوباما ومن وراءه الحزب الديمقراطي قد حصدوا الأغلبية المريحة في مجلسي الكونجرس والشيوخ إلى درجة أن 60% من البيض و 95% من السود ناهيك عن بقية الأقليات، المهم في ظاهرة أوباما أن الرجل قد صار رئيساً شرعياً ومحرزاً أجماعاً من جميع أعراق وطوائف الشعب الأميركي.
وحينما فاز أوباما فإن ثلاثية الشروط الديمقراطية الأميركية بحق أي شخص يصل إلى البيت الأبيض في أن يكون أبيض البشرة ديانة بروتستانتية وذو أصول أنجلوساساكونية تكون جميعها قد تهاوت، وليس ثمة عدل حينما يتم الربط بين ظاهرة أوباما والرئيس كارتر فالأخير لم يكن فقط ذو أصول أنجلوساسكونية في حين أوباما خرج على كل القواعد بما فيها أن أسرة أوباما جديدة النشوء في أميركا حيث لم تجاوز الخمسين عاما.
وواقع الأمر أن الانهيارات التي تجاوزت المحيط الأطلنطي وأنظمة الدرع الصاروخي الأميركية لتصل إلى قلاع المال للنظام المالي الرأسمالي في أميركا في 15 سبتمبر الماضي قد تجاوزت مؤسسات المال– محافظ البنك المركزي الأميركي جريس بيرن قال للكونجرس بأنه منصدم مما جرى- إلى الناخب الأميركي ثمة خيار سوى تفضيل التغيير بانتظار الغد المشرق لأوباما عن استمرار الحال كما هو عليه لماكين الذي ظل يؤكد أن أميركا تحتاج إلى أميركي شجاع ومقاتل حتى النهاية، وخلاصة برنامج الأخير هي استمرار مسلسل جورج بوش المرعب..
وبالنسبة لقوى التأثير -كمؤسسات المال والصناعة والإعلام والسلاح ومراكز الأبحاث القومية والإستراتيجية والنخب العريقة داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري- فإن وضع أميركا الداخلي والخارجي يتطلب توصيفة خاصة مبنية على التغيير بحيث تقوم بأعباء ثمان سنوات عجاف من رئاسة الجمهوري جورج دبليو بوش، التي خلفت إنهاكاً للعسكرية الأميركية ومديونية بلغت 14 تريليون دولار وأوجدت كرهاً لا متناهي من الجانبي الإسلامي وبقية الدول النامية للهيمنة والتسلط الأميركي ومهدت الطريق لميلاد نظام عالمي جديد مالي ومتعدد الأقطاب، وجعلت من الأوربيين توابع لا شركاء.
وكان من الطبيعي إحجام كثير من نخب الجمهوريين من الترشح لفداحة الأعباء القادمة، في حين أن الديمقراطيين قدموا شخصيتين قياسيتين على الانتخابات الأميركية الأولى هيلاري كلينتون كأول امرأة تصير رئيسة للبيت الأبيض ومن عائلة رئاسية لكن نزوات زوجها الأخلاقية أخرتها في خيارات الناخب الأميركي عن باراك أوباما، الشخصية الثانية للديمقراطيين، الذي كان دخوله السباق الإنتخابي أعجوبة الموسم ورسالة ديمقراطية للعالم بأن أفريقية الأخير وبيئته الفقيرة وإسلامية جَدَيْهِ الكينيين، كلها أمور لم تمنعاه من حظوظ التقدم بثبات والتكلم بحرية مطلقة إلى الناخب الأميركي الذي فضله في النهاية على جون ماكين الذي سعى حزبه أن تكون مفاجأتهم في الانتخابات تقديم رأس بن لادن إلى الشعب الأميركي الذي -بلا شك- سيصفح عن سنوات الجمهوريين العجاف الأمر الذي يفسر تعاظم القصف الصاروخي الأميركي على وزيراستان، معتمدين على أنباء استخباراتية عشوائية.. وبالفعل وضعت الديمقراطية اوزارها فغاصت أقدام "الفيل" في مستقعات العراق وأفغانستان في حين تقدم "الحمار" ليمسك بزمام المبادرة.
ويمكن القول أن شخصية باراك أوباما بحد ذاتها غواية كاملة تقدم الولايات المتحدة الأميركية بمظهر جديد للعالم وقد طلق ناخبوها عهود التفرقة العنصرية الطويلة والمريرة، الأمر الذي من شأنه أن يفتح أمام الإدارة الجديدة أفاقاً جديدة للتحرك، ويكفي ما ستخلفه ظاهرة أوباما من تطويع للقارة السمراء –أفريقيا- للمشروع الأميركي الذي تبدو ملامحه في دارفور الغنية بالنفط والمعادن ووجود مساحات للتحرك لدى القوميات الأفريقية التي تطحنها النزاعات والحروب الأهلية بالبديل الديمقراطي الأميركي، ورغم أن الصينيين يسابقون الأميركان إلى أفريقيا فهم يتواجدون في السودان ويرسلون أموالاً لإقراض الكونغو -خمسة مليار دولار- إلا أن وصول رئيس أفريقي إلى البيت الأبيض سيقلب الطاولة على الصينيين.
سيعتقد الأوروبيون وفي مقدمتهم فرنسا وألمانيا أن الأزمة المالية قد أحدثت فعلها في البقية الباقية من العجرفة الأميركية، خصوصاً أن الإدارة السابقة قد خرقت جدار الصوت في تعاملاتها مع القارة الأوروبية، والأوربيون وتحديداً الفرنسيون يملكون ذكريات سيئة منذ سبعينيات القرن الماضي مع العجرفة الأميركية، ومن كتاب زيارة جديدة للتاريخ للأستاذ محمد حسنين هيكل، فقد نشبت مواجهة كلامية عنيفة بين ميشيل جوبير وزير خارجية فرنسا وكسينجر وزير خارجية أميركا -في ربيع 1974م- اتهم الأول واشنطن بتخريب الاقتصاد العالمي، وبأنها –أي أميركا- المحرض الخفي على ارتفاع أسعار النفط حينها لأن أكثر عائدات النفط تذهب إلى بنوك وخزائن أميركا، وكان من ضمن ماقاله كسينجر بأن أوروبا الغربية على وشك منافسة أمريكا بما ساعدت به الثانية الأولى، لكن جوبير أكد لكسينجر إلى أن التخريب الذي تلحقه أميركا بالسوفيت وإن مر بطريق أوروبا إلى أنه في النهاية سيصل في النهاية إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وحينما يتوافق خطاب أوباما الانتخابي -بخصوص شراكة جديدة مع أوروبا- مع أطروحات لأطراف في أوروبا بضرورة وجود أنساق جديدة من التعاون بين طرفي العالم الغربي –أوروبا وأميركا- فإن عالم مابعد بوش سيكون ذو إشكاليات مغايرة، حيث صار الرجل الأسود -الذي ظلت أميركا تضطهده لقرون خلت- حاكماً لأميركا الدولة الأقوى في العالم، وما من شك أن فاتورة التغيير في أميركا المتمثلة في خرق ميراث العنصرية في أميركا ستكون الواقع الجديد الذي سيضم الأوروبيين إلى أميركا وبالتالي يجعلهم يغفرون لسياسة الأميركية عجرفتها السابقة.
وسيضاف إلى أعباء الإدارة القادمة تحسين صورة أميركا في العالم الإسلامي خصوصاً أن الإدارة السابقة قد أخفقت في تحسين الصورة لدى العرب –مثلاً- إذ لم يجد استحداث ثلاثة مناصب بوزارة الخارجية منذ فبراير 2003 ثم إنفاق ملايين الدولارات على مؤسسات أميركية ناطقة بالعربية لتحسين ذات الصورة لدى المواطن العربي (حسب عمرو عبدالعاطي، الميراث الصعب.. تحسين صورة أميركا بعد بوش، إسلام أون لاين) وفي هذا الصدد فقد وصف أنتوني كوردسمان -المحلل البارز بمركز الدراسات الاستراتجية والدولية بواشنطن- تلك الأساليب والوسائل بالعبثية.
وتريد مؤسسات ومراكز السياسة والتخطيط في أميركا أن تجعل من أوباما غواية عظمى تتمثل في المساواة بين جميع أفرادها في الحقوق الاجتماعية والسياسية، والأخيرة هذه ستسخرها بصورة رسائل ديمقراطية تحمل نكهة التغيير لدى الدول والمجتمعات المغلوبة على أمرها، تبرر ما بعدها، وواقع استغلالياً يدحض دعاوي الزيف الأميركية. 


خاص الميثاق إنفو