أربعة بلدان.. والخطر واحد
الأحد, 12-يناير-2014
خيرالله خيرالله -


ما الذي يجمع بين لبنان وسوريا والعراق.. واليمن؟ إنها أربعة بلدان تواجه خطرا واحدا. هناك انسداد سياسي في كل من البلدان الأربعة التي يبدو مستقبلها على كفّ عفريت. هذا لا يعني بالطبع أن قائمة الدول المعرّضة للانهيار تقتصر على هذه البلدان الأربعة. يمكن إضافة بلدان أخرى إلى اللائحة، في مقدّمتها ليبيا وحتى تونس حيث يستند المجتمع المدني إلى إرث بورقيبة في محاولته الدفاع عن مؤسسات الدولة المدنية.

ليس هناك ما يشير إلى أن لبنان يمكن أن يخرج من أزمته العميقة، أقلّه في المدى المنظور. هناك رغبة إيرانية في وضع اليد نهائيا على البلد عن طريق تغيير النظام فيه. ليس صدفة أنّ إيران تمنع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلّف من تشكيل حكومة، وستمنع قريبا انتخاب رئيس جديد للجمهورية في حال لم يرضخ الطامح إلى الرئاسة لشروط معيّنة. تشبه هذه الشروط المطالب التي تقدّمت بها من الرئيس سعد الحريري والتي كان رفضه لها من بين أسباب إسقاط حكومة الوحدة الوطنية- التي كان يرأسها- بقوة السلاح.

رسالة إيران إلى اللبنانيين واضحة كلّ الوضوح. فحوى الرسالة أن هناك نظاما جديدا قام في لبنان. لا حكومة بعد اليوم، بل لا رئيس جديدا للجمهورية من دون موافقة “حزب الله”، أي الميليشيا المذهبية ذات العناصر اللبنانية التابعة لـ”الحرس الثوري” والتي تؤمن بمنطق القوة والسلاح غير الشرعي بديلا من الدستور والقوانين.

لا أسرار في لبنان. إمّا يرضخ البلد كلّه لما تريده إيران، وما تريده إيران هو وضع اللبنة الأولى لتغيير النظام من خلال “مؤتمر تأسيسي” سبق ودعا إليه الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله.. وإما الفراغ والخراب. ذلك هو التحدي الأوّل، بل التحدي المصيري الذي يواجه لبنان. هناك حزب يرسل مقاتليه إلى سوريا للمشاركة في قتل شعبها، ويضع الانتماء المذهبي فوق أي انتماء آخر، أي فوق الانتماء إلى لبنان. مطلوب من لبنان كلّه أن يكون نسخة طبق الأصل لهذا الحزب.

يبدو أن على لبنان الاختيار بين أن يكون مستعمرة إيرانية من جهة، وبين الفراغ والخراب من جهة أخرى. عليه العيش أيضا على وقع الانهيار السوري. ففي سوريا نظام فئوي وضع نصب عينيه تفتيت البلد. سوريا التي عرفناها لم يعد لها وجود. والكلام عن صمود النظام لا يعني أن سوريا لم تسقط. على العكس من ذلك، كلما طال عمر النظام، كلّما زاد عمق الأزمة السورية. والأزمة السورية هي في الأصل أزمة نظام وكيان في الوقت ذاته. ولذلك، نرى الإدارة الأميركية تفعل كلّ ما تستطيع لإطالة عمر النظام، بمباركة إسرائيلية طبعا.

المطلوب الانتهاء من سوريا التي عرفناها. هذا حصل بالفعل. هل أفضل من هذا النظام، الذي يمثّل عائلة مرتبطة بمصالح تجارية وغير تجارية من كلّ نوع، والذي تسيطر عليه إيران سيطرة مباشرة كاملة وتتحكّم بمفاصله، يؤدي مهمّة تفتيت سوريا؟ لا يكتفي بتفتيت البلد، بل أخذ النظام على عاتقه تدمير كلّ بيت سوري، وتعميق الانقسامات الطائفية والمذهبية إلى أبعد حدود ممكنة؟

مع مرور الوقت ومع استمرار التدهور في سوريا ومع انتشار العناصر المتطرفة، التي هي أصلا صناعة النظام السوري الذي يسعى إلى تسويق نفسه كمعاد للإرهاب وسدّ في وجهه، انكشفت حقيقة النظام العراقي. تبيّن أن هذا النظام الذي كان في مرحلة معيّنة يشكو من النظام السوري الذي يرسل إليه إرهابيين سنّة وغير سنّة، بدأ يمارس اللعبة نفسها.

قبل فترة لم يمرّ عليها الزمن، كان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يطالب بمحكمة دولية يمثل أمامها بشّار الأسد. صار العراق الآن ممرّا للسلاح والرجال الذين يقاتلون إلى جانب النظام من منطلق مذهبي بحت. هل من هدف للنظام العراقي الذي أقامه الأميركيون غير تقسيم العراق وفق خطوط محددة، خصوصا بعدما صار يدّعي، على غرار ما يفعل الأسد الابن، بأنّه يحارب عناصر “القاعدة” وأخواتها المنتشرة في المناطق العراقية ذات الأكثرية السنّية؟

لم يعد من عائق أمام تنفيذ هذا المخطط الإيراني غير مدينة بغداد. تبدو بغداد، بسبب التداخل بين أحيائها عصيّة على التقسيم. ولكن من الواضح أنّ نوري المالكي لم يفقد الأمل في تحقيق مبتغاه، خصوصا أنّ رهانه الأوّل والأخير، من أجل البقاء في السلطة هو على إيران وعلى إثارة الغرائز المذهبية وضمان انتشارها وترسيخها في العقول والقلوب.

يبقى اليمن البعيد عن المشرق العربي. ولكن مع بدء السنة 2014، يظهر بوضوح أن الأزمة اليمنية غير قابلة للحلّ، وأن عملية تفتيت البلد ذي الحضارة العريقة تتقدّم على كلّ مشاريع الحلّ الأخرى. هناك في شمال الشمال من يراهن على إقامة دولته بدعم إيراني. هناك حروب الحوثيين مع كلّ من يعترض على تمددهم في كلّ الاتجاهات. وهناك في الجنوب وجنوب الجنوب من يمارس اللعبة ذاتها بدعم إيراني مباشر.

هناك، على الأقلّ، أربعة بلدان عربية تواجه الخطر نفسه. خطر التفتيت أو الانفجار من الداخل، أي أن ينهار البلد على نفسه. من يستطيع تصوّر مخرج في لبنان من دون أن يصبح مهددا بمصير الوزير السابق محمّد شطح الذي كان همّه تحييد البلد وتوفير غطاء دولي لهذه المهمّة الوطنية؟

من لديه أي رهان من أي نوع كان على خروج سوريا من أزمتها وعودة العراق إلى العراقيين.. وتفادي مصير بائس لليمن؟ من لديه أي رهان من أي نوع كان على عودة القيادة في إيران إلى التعقّل بعيدا عن الغرائز المذهبية واقتناعها بأن الفراغ في الوطن الصغير، لا يمكن أن يخدم أي دولة من دول المنطقة تسعى حقيقة إلى حدّ أدنى من الاستقرار الإقليمي؟


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.