أوروبا تدير ظهرها للأزمة المالية
الاثنين, 02-ديسمبر-2013
سلام سرحان -

رغم بيانات النمو الباردة التي أعلنها الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو وخاصة في الاقتصادات الكبيرة مثل ألمانيا، إلا أن الشهر الماضي بعث بإشارات قوية الى أن أوروبا بدأت تدير ظهرها للأزمة المالية الطاحنة التي ضربتها منذ عام 2008 وتفاقمت في عام 2010.

فقد عاد النمو الى الاقتصاد الايرلندي والبرتغالي والاسباني، ورفعت الوكالات العالمية تصنيف كل من اليونان واسبانيا وقبرص، بعد مؤشرات كثيرة تدل على أنها أصبحت على المسار الصحيح للخروج من أزماتها المالية.

وها هي أيرلندا تستعد للخروج من برنامج الإنقاذ الذي أعاد هيكلة اقتصادها على أسس مستدامة لا مكان للعجز فيها بعد فترة تقشف صارمة، علمتها بالتأكيد كيف تتجنب الوقوع فيها مرة أخرى.

وأعلنت دبلن أنها لن تطلب مساعدة إضافية في شكل خط ائتمان وقائي عندما تخرج من برنامج إنقاذها خلال الشهر الحالي، بعد أن تمكنت من احكام سيطرتها على الموازنة العامة، وهو ما قد يجعلها في وضع أفضل حتى من الدول غير المتعثرة التي تعاني من عجز هائل في الموازنة مثل بريطانيا وفرنسا.

وأكدت إيرلندا التزامها بخفض العجز إلى أقل من ثلاثة بالمئة بحلول عام 2015 ووضع نسبة الدين على مسار نزولي، أي مواصلة العمل على خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.

كما تمكن الاقتصاد البرتغالي من مواصلة النمو في الربع الثالث من العام الحالي مسجلا نموا بلغ 0.2 بالمئة، بعد نمو أقوى في الربع الثاني بلغ 1.1 بالمئة بمعدلات فصلية، حيث تتجه البرتغال للخروج من برنامج الانقاذ في وقت قريب.

كما سجل الاقتصاد الاسباني نموا في الربع الثالث من العام الحالي هو الأول منذ نحو عامين. وتلقت بعد ذلك دعما معنويا كبيرا برفع تصنيفها من قبل وكالة ستاندرد أند بورز التي نقلت آفاقها الاقتصادية من سلبية الى مستقرة، مستندة الى انتعاش اقتصادي تدريجي بفضل صادرات اسبانيا المرتبطة بسلسلة من الاصلاحات البنيوية وتحسن آفاق الميزانية وانعكاسات الاجراءات التي تطبقها سلطات منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي.

كما رفعت الوكالة تصنيف قبرص درجة واحدة، وأرجعت قرارها الى تراجع المخاطر الفورية المحدقة بتطبيق الاصلاحات في البلاد.

وتمكنت اليونان من احراز تقدم كبير في معالجة قضيتها المزمنة وهي تهرب اليونانيين من الضرائب، حيث تجاوزت إيرادات الضرائب التوقعات خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، الأمر الذي وضع البلاد على المسار الصحيح لتحقيق فائض في الموازنة.

وتلقت هي الخرى دعما هائلا حين رفعت وكالات التصنيف الائتماني الثلاث تصنيفها الائتماني، وآخرها وكالة موديز التي قفزت بتصنيفها درجتين مع نظرة مستقبلية مستقرة.

الأهم من كل ذلك هو أن منطقة اليورو وضعت سياسة موحدة للتعامل المركزي مع المصارف المتعثرة من قبل آلية استقرار اليورو والبنك المركزي الاوروبي. ويضمن ذلك تدخل تلك المؤسسات للتعامل مع المصارف المتعثرة مباشرة ودون الحاجة للمرور بحكومات التي تعمل فيها المصارف، وبذلك ترفع عن كاهل تلك البلدان أكبر مشكلة تواجهها في أزماتها المالية، وهي انقاذ المصارف المتعثرة.

وبحسب معظم المحللين فإن تلك الخطوة فتحت الطريق نحو قيام الوحدة المصرفية المصرفية الأوروبية، التي ستطوي أي احتمال لتفجر أزمة ديون في أوروبا مرة أخرى مثل التي حصلت في السنوات الماضية.

كل تلك القراءات تشير الى أن أوروبا تنهض من جديد وأنها تزداد تقاربا وتوحدا يجعل منها أقرب الى كيان اقتصادي موحد، سيفتح حتما أبواب الحديث عن كيان فيدرالي موحد، يجعلها أقرب الى قيام دولة عملاقة واحدة.


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية