مرسي والإخوان في المحاكمة
الخميس, 07-نوفمبر-2013
أمينة أبو شهاب -

أهم ما كان على المحك وما كان موضوعاً للاختبار والاستكشاف في يوم المحاكمة لمرسي هو حجم الدعم الشعبي ل “شرعيته” وبالتالي للإخوان بإزاء السلطة الجديدة، ولذلك فإن أعين الجميع بمن فيهم الإعلام والمراسلون الأجانب كانت على الشارع قبل المحكمة، وكانت على المحكمة لا لشيء إلا لقياس انعكاسها وانعكاس “ظهور” مرسي الرئيس “المخطوف” على هذا الشارع .

لقد كان من الطبيعي أن يكون يوم المحاكمة هو يوم مصيري للحكم الجديد وللإخوان على حد سواء، ذلك أنه اليوم الذي من المتوقع ان يقول فيه الشعب “كلمته” وبالنسبة للإخوان الذين جعلوا شرعية مرسي قضيتهم الشاغلة والمحورية وسخروا لها كل جهدهم الإعلامي والميداني والسياسي، فإنه ليس من المبالغة القول إن هذا اليوم هو المصب الفعلي الذي كانت تتجمع فيه كل جهودهم، وكان من المفترض أن تظهر فيه نتائج نشاطهم السياسي وتصعيدهم وعنفهم في الشارع تأجيجاً ومقدمة لفعل شعبي واسع . ولنقل كذلك، وبكل دقة، إنهم كانوا يتوقون بشدة إلى نقطة تحوّل سياسي وانتصار معنوي كبير لصالحهم بإثبات أن بذور أفكارهم ومقولاتهم السياسية تجد موقع القبول الحسن في تربة الوعي الشعبي وإنها من التحذر فيه بما يتيح رد فعل شعبي منتظراً وعلى نطاق واسع مهما كانت الأثمان .

يعرف الإخوان أن المراهنة على الافتراض والوهم والفرق بين ذلك وبين الواقع الحقيقي هو ما يحدده يوم المحاكمة الذي سيقيس لهم كما للغير مدى فعالية الآلة الدعائية الإخوانية بما تمثله الجزيرة كواجهة كبرى لها .

لقد وضع الإخوان سقفاً شعبياً عالياً لما هو متوقع في موضوع مرسي، وكان يوم المحاكمة مثلاً في الخطاب الديماغوجي لهم هو يوم “تحريره” من أسره، أما عن عودته إلى الحكم فحدث ولا حرج عن الروايات الخرافية التي تتنبأ برجوعه الى الحكم بطريقة اعجازية وفي أوقات ترتبط بأزمنة دينية، ومناسبات مرت تحمل معها الرئيس الذي رسمت حوله هالة من النورانية والمكانة الدينية لإخفاء صورة فشله في الحكم وعدم كفاءته .

بعكس ما أعد الإخوان الجميع له وكذلك بعض أجهزة الإعلام المصري، مر يوم المحاكمة بهدوء وسلام لدرجة أن البعض افترض تكتيكاً إخوانياً بمفاجأة الجميع بحشود كبرى بعد المحاكمة، ولكن الحقيقة هي أن الإخوان كانوا يناشدون الشعب المصري بالخروج للمظاهرات طوال الأسبوع الذي سبق المحاكمة من دون نتيجة مرضية ومن دون استجابة لنداء أخير من القيادة الإخوانية صدر ليلة المحاكمة وكان يدعو بشكل يائس إلى عدم الاستجابة لمحاولة النظام “لكسر الإرادة الشعبية” .

الذين اعتنوا بحصر أعداد المتظاهرين يوم المحاكمة يقولون إن عددهم لم يزد على أربعة آلاف متظاهر في مصر كلها، لم تكن المحاكمة إذن، حدثاً بتلك الأهمية التي تقلب موازين الأمور سياسياً وتنفلت فيه الترتيبات الأمنية، لم تتأثر البورصة بل كانت رابحة ذلك اليوم وكان سيلان المرور متدفقاً أكثر من المعتاد في بعض المناطق، ذلك لأن كثيراً من المصريين لزموا بيوتهم لمشاهدة المحاكمة ومرسي تلفزيونياً . حصاد الإخوان من عملهم السياسي طوال فترة الشهور الماضية كان، إذن، هزيلاً لدرجة العبثية ولدرجة التساؤل عن الدماء والأرواح التي تم هدرها في سبيل قضية “الشرعية” وفي سبيل خلق عقيدة قائمة على الخرافة عن عودة مرسي .

هل هو مرسي ثانية الذي استهلك الإخوان وطاقتهم وأحرقهم شعبياً كما أحرق صورتهم من قبل عندما كان في الرئاسة؟ يظهر يوم المحاكمة أن خطاب الإخوان الإعلامي حول مرسي كرمز لديمقراطية مجهضة هو خطاب فاشل ومتكلف، ولا استقبال شعبياً له خارج القاعدة الصلبة للإخوان والتي تقدر هذه الأيام بعشرات الآلاف فقط، بعد أن كانت تعد بمئات الألوف، وإذا لم تكن هذه القاعدة قد خرجت إلى الشوارع إيماناً بقضية شرعية مرسي ودعماً للإخوان، ولم تخرج كذلك الجماهير السلفية وأنصار الجماعة الإسلامية (تحالف دعم الشرعية) فهل كان منطقياً توقع ان يكون أفراد الشعب المصري هم الظهير الشعبي الذي سيعلن عن نفسه ذلك اليوم؟

أشارت مراسلة خدمة ال “بي .بي .سي” العالمية إلى الأعداد القليلة من المتظاهرين أمام المحكمة لتقول لمشاهديها الذين اعتادوا على سماع كل ما يؤيد وجهة نظر الإخوان السياسية، إن الأعداد القليلة التي يرونها تحكي عن الضربة الأمنية التي تلقاها الإخوان الذين ذكرت أيضاً أن أعدادهم في الشوارع يفترض أنها بمئات الآلاف . هل الضربات الأمنية هي وحدها المسؤولة عما يبدو أنها نهاية التنظيم الإخواني ودخوله في مرحلة من الضعف والانكفاء أم أن هذا الضعف هو علة ذاتية في طبيعة التنظيم وتكوينه كان للتحولات السياسية في مصر أن تكشفها؟ هل التنظيم هو فعلاً بالحجم الذي صورته المصادر الغربية بغية إبرازه بمواجهة القوى القومية؟

أما عن مرسي فهل لعب جيداً دور المظلوم ودور صدام معاً، وهل ظهر قبل هذا وذاك في حجم الرئيس “الشرعي” لمصر؟ السؤال الأخير تنفيه إشارة رابعة والأصابع الأربعة التي رفعها في داخل قفصه مؤكداً بذلك سبب الثورة عليه وعزله هو كونه رئيس عشيرته من أعضاء الإخوان وليس رئيساً لمصر، رغم كل “التلميع” الإعلامي له ورغم الهالة الدينية التي رسمت حوله كان هو مرسي نفسه .



نقلا عن صحيفة "دار الخليج"