أزمة الميزانية والشلل الأمريكي
الثلاثاء, 08-أكتوبر-2013
عبد الزهرة الركابي -



بعدما فشل الاجتماع الذي عُقد بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومسؤولين في الكونغرس مؤخراً، شن الرئيس الأمريكي هجوماً حاداً على رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر، محملاً إياه وفريقه مسؤولية شلل الدولة الحاصل منذ أيام، حيث انفجرت الأزمة السياسية في أمريكا، منذرة باحتمال امتدادها لفترة طويلة، الأمر الذي سيؤدي في حال استمرارها الى تكبد الاقتصاد الأمريكي خسائر تصل إلى 300 مليون دولار يومياً على الأقل، بل إن نسبة الخسائر هذه سترتفع إذا ما استمر المأزق الحالي داخل الكونغرس، لأن الوكالات والبرامج الحكومية ربما تنفد من الأموال من دون تلقي اعتمادات جديدة .


حتى إن (وكالة موديز للتصنيف الائتماني) قدرت احتمالات تكلفة الإغلاق، إذا استمر بين ثلاثة وأربعة أسابيع، بتراجع النمو الاقتصادي للولايات المتحدة خلال الربع الأخير من العام بنسبة 1،4 في المئة، علاوة على ارتفاع معدل البطالة .


ويبدو أن المشهد كأنه، راح يتكرر إذا ما رجعنا الى الوراء، حيث كان الرئيس ديمقراطياً ورئيس مجلس النواب جمهورياً، ولا سيما أن المأزق الذي يشهده الكونغرس، يتماثل في سيناريو يشبه ما حصل في عام ،1995 في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون ورئيس مجلس النواب الأسبق نوت غينغريتش .


وحصلت عملية الإغلاق مرتين في تاريخ الولايات المتحدة، الأولى بين 14 و19 نوفمبر/ تشرين الثاني عام ،1995 والثانية من 16 ديسمبر/ كانون الأول 1995 إلى 6 يناير/ كانون الثاني 1996 (21 يوماً)، وكان نتيجة للصراعات بين الرئيس الديمقراطي آنذاك بيل كلينتون والكونغرس حول تمويل الرعاية الصحية والتعليم والبيئة والصحة العامة في موازنة عام 1996 .


والمعروف أن الدستور الأمريكي يشترط إقرار الميزانية من قبل الكونغرس بمجلسيه قبل بدء السنة المالية، حيث يقر مجلس الشيوخ نسخته الخاصة به، وكذلك يفعل مجلس النواب، ثم يتفق المجلسان المذكوران على نسخة موحدة وإقرارها معاً، قبل إرسالها الى الرئيس الأمريكي لاعتمادها، غير أن الأخير يملك حق النقض (الفيتو) لتعطيلها، وإعادتها مرة أخرى الى الكونغرس بمجلسيه، لتعديلها والتصويت عليها مجدداً .


ومن الواضح أن الأزمة المالية الراهنة، تتعلق بمحاولة الجمهوريين عرقلة إقرار الميزانية الجديدة، لحمل الإدارة الأمريكية على تأجيل تنفيذ مشروع الرعاية الصحية، الذي سيتم تنفيذه في بداية العام المالي الجديد - أي في الأول من الشهر الجاري - على الرغم من أن الرئيس الأمريكي تصدى بقوة لهذه المحاولة الجمهورية، من دون أن يفلح بذلك، وكي لا يكون في وضع محرج أمام ناخبيه الذين أوصلوه الى الرئاسة، بعدما وعدهم بتنفيذ هذا المشروع الذي أقره الكونغرس الذي كان تحت سيطرة الديمقراطيين آنذاك .


ومن التجاذبات الساخنة بين مجلس النواب وإدارة أوباما، فإن كل الاحتمالات تشير الى أن الكونغرس قد وصل الى طريق مسدود حيال هذه الأزمة التي تتضاعف يوماً بعد آخر، وأن المباحثات المعقدة بين الديمقراطيين والجمهوريين على هذا المنحى في هذا الوقت، لم تسفر عن حل مناسب، يفضي الى تمرير الميزانية، حتى لو كان مجلس النواب قد صوّت على مشروع قانون موازنة مؤقتة لتفادي عملية الإغلاق، لكن هكذا مشروع لم يتضمن تمويلاً لمشروع الرعاية الصحية .


وأمام هذا الفشل في تمرير تمويل الدولة الفيدرالية، أصبح حتمياً على الحكومة الأمريكية، القيام بإغلاق جزئي للأبواب مع بدء السنة المالية الجديدة في الأول من الشهر الجاري كما أسلفنا، لكن الأيام المنصرمة من هذا الإغلاق، أصابت الوكالات والبرامج الحكومية بشلل كبير، وهي التي تعتمد أصلاً على اعتمادات التمويل السنوي من الكونغرس، وهذا الشلل بات يُعرف حالياً ب (الشلل الأمريكي) .


وعلى واقع التضارب في المواقف بين الجمهوريين والديمقراطيين، فإن التسوية تبدو صعبة بين الطرفين على الأقل حالياً، كما أن الرئيس الأمريكي لن يقدم على تنازلات للجمهوريين قد تؤدي الى ركود اقتصادي .


يُذكر في هذا السياق أن الجمهوريين اشترطوا إلغاء مشروع الرعاية الصحية (أوباما كير) من الميزانية، وهذا الشرط من بنات أفكار الجناح المحافظ داخل مجلس النواب الذي يُعرف باسم (حزب الشاي)، الذي برر هذا الشرط بمعالجة عجز الميزانية، الأمر الذي جعل رئيس المجلس جون بوينر (الجمهوري)، يعمد الى إضافته الى مشروع الميزانية، لكن هذا الربط رفضه الديمقراطيون بشدة، كما أن أوباما بدا ساخطاً حيال مطالب الجمهوريين، حتى أنه صرح لمحطة التلفزيون “سي إن بي سي” الأمريكية بالقول، “أنا ساخط لأنه إذا لم أقل لعشرين مليون شخص أنه ليس في إمكانهم الوصول إلى الضمان الصحي، فإن الدولة ستبقى مشلولة بسبب الجمهوريين” .


وعلى كل حال، فإن هذا الشلل الأمريكي أو إغلاق الحكومة الأمريكية الفيدرالية، سيشكل خطراً على أمريكا والعالم إذا ما استمر، حسبما صرح به رئيس البنك الأوروبي المركزي في باريس .


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.