الإخوان في عزلتهم
الاثنين, 07-أكتوبر-2013
فاروق يوسف -



ما الذي تهدف إليه جماعة الإخوان المسلمين حين تدفع بأعضائها إلى الاستمرار في التظاهر، في الوقت الذي تشير فيه كل المعطيات السياسية إلى انكماش قدرة الجماعة على التعبئة والتحشيد في ظل ازدراء واضح من قبل الشعب المصري، صارت الجماعة تواجهه كل لحظة؟

لن تذكّر مرحلة ما بعد فض الاعتصامات في رابعة العدوية بالأزمنة التي سبقتها.

كل شيء تغير. لم يقف أحد مع الإخوان حين قررت الإرادة الشعبية أن تلقي بهم خارج المعادلة السياسية. لذلك صار عليهم أن يعيدوا النظر في جدول أهدافهم السياسية.

إعادة مرسي إلى الحكم مثلا صارت مستحيلة، بل أن إخراجه من السجن صار أمرا عسيرا بعد أن صار قياديو الجماعة الدينية رفاقا له في سجنه.

هناك اليوم من لا يزال يرفع شعار الشرعية، كما لو أنها لا تزال قائمة. متناسيا أن الجماعة الدينية نفسها لم تفقد شرعية وجودها في الحكم فحسب، بل وفقدت أيضا شرعية وجودها في الحياة السياسية كلها، بعد أن حكم القانون بحظر نشاطها العلني.

كل الأبواب تبدو اليوم مغلقة أمام الجماعة التي هي أكبر الجماعات الدينية في العالم العربي، بل هي كانت ولا تزال الحاضنة التي خرجت منها جماعات دينية عديدة، حمل بعضها السلاح وتشدد في شروطه لإعادة السلم الأهلي إلى مجتمعات كانت إلى وقت قريب تعيش في انسجام ووئام.

سيقال إن الجماعة التي عرفت بعنادها ودهاء ساستها الذي يصل إلى درجة النفاق لن تستسلم لشروط يضعها الآخرون من أجل أن يكون انخراطها في الحياة السياسية مقبولا من جهة قانونية.

تستذكر الجماعة فصول حروبها السابقة مع العسكر القديم.

في كل حروبها السابقة غالبا ما كانت الجماعة تحاط بعاطفة شعبية، باعتبارها حركة سياسية ممنوعة من القيام بنشاطها الذي كان يحاط بهالة من الخير. لغة الحرمان القديمة لن تكون نافعة هذه المرة. فمن يقف في وجه الإخوان هذه المرة ليس العسكر بل الشعب كله.

في السابق كانت الجماعة تخسر معركة، غير أنها كانت في المقابل تكسب إلى صفوفها أفرادا من الشعب المصري يتفاعلون مع آمالها إذا لم يكونوا حطبا لنارها.

اليوم صار الفرز واضحا. الإخواني صار يميز نفسه عن باقي الشعب.

صار الشعب يصر على أن يرى الإخوان حجمهم الحقيقي في الحياة المصرية، لا أحد يرغب في تحطيم جماعة الإخوان المسلمين، فهي جزء أصيل من التاريخ السياسي المصري المعاصر، ولكن هناك رغبة شعبية عارمة في أن تنظر الجماعة إلى مرآة الواقع لترى حجمها الطبيعي في الحياة السياسية المصرية.

في سنة واحدة من الحكم خسرت الجماعة كل مستقبلها السياسي. لقد تفرق من حولها مؤيدوها وأنصارها.

لن تكون جماعة الإخوان المسلمين مضطرة إلى الاعتراف بهزيمتها، وهو ما يجعلها مضطرة إلى الدفع بأتباعها إلى التظاهر الذي تعرف أنه سيكون عبثيا. لقد تُركت جماعة الإخوان لتواجه مصيرها. يبدو المشهد مأساويا. فما من أحد ممن كان يقيم خارج الصورة يمكنه أن يمد يدا لإنقاذ الاخوان من محنتهم.

سيكون علينا أن نرى الإخوانيين وحدهم في الصورة؟

الإخوان في عزلتهم. الجماعة التي قررت أن ترى المجتمع من علياء غرورها قد انتهت إلى الفشل. سيبدو المشهد متاحا للنظر باعتباره جزءا من حروب الإخوان المتوقعة.

يتظاهر الإخوان ضد العسكر في اليوم الذي يحتفل فيه المصريون بانتصارهم العظيم في حرب أكتوبر.

إنهم ينظرون إلى العسكر باعتباره عدوا.

ولكن هل أخطأنا؟

قادة الإخوان في السجن. هل علينا أن نفكر في فراغ سياسي؟ اعتقد أن الشعب المصري قد قبض على الثمرة. لقد حسم العسكر أمرهم، السلطة ليست في يدهم، غير أنها لن تكون في يد الإخوان. الشعب وحده هو الذي يحكم في مصر.


* نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.