العرب لا يحتاجون للوصاية التركية
الأربعاء, 21-أغسطس-2013
فيصل جلول -

في اواخر يوليو/تموز الماضي ذهلت وسائل الاعلام البريطانية جراء تصريحات عدوانية تلقتها صحيفة “التايمز” من رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي وصف الصحيفة ب “المأجورة” وهدد بملاحقتها قضائياً لأنها نشرت رسالة مفتوحة موقعة من عدد من المثقفين الدوليين ومن بينهم بعض فناني هوليوود شأن دايفيد لنش وشون بن والمؤرخ البريطاني المعروف دايفيد ستاركي، وآخرين، وقد ورد في الرسالة التي صيغت دفاعا عن متظاهري “ساحة تقسيم” ان رئيس الوزراء التركي يستخدم اساليب هتلرية في التصدي لمعارضيه .

ليست مقارنة اردوغان بالهتلرية حكراً على الرسالة المذكورة فقد سبق أن أطلق عليه هذه التهمة زعيم المعارضة كمال اوغلو وهو الأدرى بشؤون بلاده من أية جهة خارجية . ولو قيض لأوغلو أن يذكر مستندات هذه التهمة لما اقتصر على المتظاهرين المقموعين في “تقسيم” فأردوغان فاز بزعامة حزبه في انتخابات العام الماضي بطريقة “بونابرتية” اذ لم يترشح أي منافس له وحصل على1421 مندوبا من اصل ،1424 أي بامتناع أو تغيب 3 مندوبين، وألقى خطاباً امتد لساعتين ونصف الساعة . تبقى الاشارة الى ان السجون التركية تضم 200 صحافي، ويضع هذا الرقم تركيا عملياً بين اكثر الدول عداء لحرية التعبير . واذا كان صحيحاً أن رجب طيب أردوغان لا رسم بأصابعه تحية دكتاتوريين عبروا من قبل في مهرجاناته وتصريحاته فالصحيح ايضا انه اعتمد مؤخراً تحية مميزة بأربع أصابع منسوبة ل “رابعة العدوية” حيث اعتصم “الاخوان المسلمون” في مصر قبل ان تطردهم الاجهزة المصرية منها ومن ميدان النهضة المجاور .

و يسير اردوغان على خطى المتسلطين الذي يغيرون شروط اللعبة الانتخابية بعد انتخابهم فيأتون بدستور جديد وقواعد لعبة جديدة لضمان بقائهم في الحكم إلى أجل غير مسمى، فقد ذكرت بعض وسائل الاعلام التركية في سبتمبر/أيلول العام الماضي ان اردوغان سيترشح لرئاسة الجمهورية السنة المقبلة وفق دستور جديد شبيه بدستور الجمهورية الفرنسية الخامسة قبل تعديله والذي يحدد الفترة الرئاسة بسبع سنوات يمكن تجديدها لمرة واحدة وإن تم له ذلك يكون اردوغان قد مارس الحكم رئيسا للوزراء وللجمهورية لمدة تفوق الربع قرن وهو ما فعله بعض الديكتاتوريين .

والبادي ان الصدف لا تعمل لمصلحة رئيس الوزراء التركي فقد سبق له أن خاض معركة شهيرة مع الفنانين المسرحيين في تركيا وذلك على اثر خلاف نشب في احدى المسرحيات مع ابنته سمية اردوغان التي اشتكت لأبيها فكان ان شن حملة على اهل المسرح “سكارى ومتغطرسين” وهدد بقطع المعونة الرسمية عن مسارح اسطنبول قائلاً: “لا يمكن للمسارح ان تتلقى دعماً من الحكومة ثم تنتقد اليد التي اطعمتها” الأمر الذي ربما يعكس في مخيلته صورة للمسرح المداح الذي يسبح بحمد السلطان .

ولأن اردوغان يخيف أهل الثقافة والفن في بلاده فقد بادر النجم التركي المعروف باسم “مهند” الى دعم متظاهري “ساحة تقسيم” وقد سار على رسمه آخرون، ولعلهم محقون، فقد سبق لأردوغان ان ساق عازف البيانو التركي الشهير “فاضل ساي” أمام القضاء، فعاقبته احدى المحاكم بحكم قاس جراء تغريدة ارسلها عبر “تويتر” انتقد فيها اداء الحكومة التركية، الأمر الذي تسبب بضجة هائلة أدت الى إلغاء الحكم واحتفاظ الموسيقي بتغريدته .

كان يمكن للمرء ان يعتبر النزعة التسلطية لدى اردوغان شأناً تركيا خالصاً لولا أن الرجل يحشر انفه في شؤون عالمنا العربي ويدعم القتلة والتكفيريين أو يرعاهم في غير بلد، وقد وصل به الحال الى حد تصنيف تاريخنا وزعمائنا وكأنه وصي علينا، اذ اعتبر ان جمال عبدالناصر بمثابة فرعون مستبد، في حين يشبه الرئيس المعزول محمد مرسي ب “النبي موسى” وطلب من المصريين العودة الى عهد الرئيس السابق الذي فقد ثقة شعبه عبر نزول عشرات ملايين المصريين الى الشارع للمطالبة برحيله . في هذا الوقت لا تتردد وسائل اعلام مقربة من حزبه في تصنيف زعماء عرب في محور للشر جراء تأييدهم للحكومة المصرية الانتقالية الراهنة .

يحتاج رئيس الوزراء التركي لمن يذكّره بأننا خرجنا من جبة السلطنة العثمانية منذ قرن تقريباً وبالتالي ما عاد الباب العالي مرجعنا وما عاد الاسلام السياسي يجمعنا طالما أن الاتراك قد ألغوا الخلافة الاسلامية للمرة الأولى منذ أن تأسست في المدينة المنورة .

ما عادت بلداننا ولايات تابعة للصدر الاعظم يقول لنا ما ينبغي وما لاينبغي، ولسنا رعايا مدينين بالطاعة لجناب السلطان حتى نقف او لانقف ضد أو مع هذا الزعيم العربي أو ذاك، ولسنا في افضل الحالات حلفاء لأنقرة يستدعي تحالفنا تبادل الطاعة بل لا نحتاج حتى الى النصيحة من رئيس الوزراء التركي الذي تلاحقه في بلاده تهم الديكتاتورية والتسلط وقمع الحريات وسجن الصحافيين، والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن أصولهم الاثنية .

على الرغم من نبرته العالية و من ادعاءته الخطابية المنفرة بتمثيل قوة اقليمية يهابها الغرب وتهابها أوروبا، على الرغم من ذلك فإن الواقع يفصح عن دولة تركية بنت استراتيجيتها منذ عقدين للانخراط في الاتحاد الاوروبي، أي للاندراج في هرمية غربية من باب التبعية واسفل الهرم، وعليه فليس لدى العرب ما يربحونه من تبعية مفترضة للتابع التركي، فهم يحتفظون بكل الاوراق المطلوبة لاحتلال موقع اقليمي سيد ومستقل و عالمي يليق بهم، وفي كل الحالات هم لا يحتاجون لأردوغان اذا ما أرادوا اتباع الغربيين واعتماد ديمقراطيتهم .


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.