البعد السياسي في رؤية أوباما للاقتصاد الأمريكي
السبت, 03-أغسطس-2013
عمرو عبد العاطي -

على الرغم من تسجيل الاقتصاد الأمريكي حالات من التحسن الملحوظ، إلا أنه تلوح في الأفق معارك مستمرة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومشرعين من الحزبين، الديمقراطيين والجمهوريين، حول مناقشة الموازنة بمجلسي الكونغرس الأمريكي (مجلس الشيوخ ومجلس النواب) . واتساقاً مع أهدافه المُحددة سلفاً بضرورة تبني برنامج اقتصادي محوره “الدفاع عن الطبقة الوسطى”، ألقى أوباما في الرابع والعشرين من الشهر الماضي خطابه بكلية نوكس بولاية إلينوي، حول إدارته للملفات الاقتصادية مُدافعاً فيه عن سجل إدارته في القدرة على معالجة المشكلات الاقتصادية التي نجحت إدارته في تحقيقها خلال فترتها الرئاسية الأولى، بعد فترة من الانكماش الاقتصادي عقب الأزمة الاقتصادية التي ألمت بالاقتصاد الأمريكي والعالمي في منتصف عام 2008 .

يواجه أوباما معركة جديدة مع الجمهوريين في الخريف المقبل بشأن الميزانية ورفع سقف الديون، فبينما يريد زيادة الإنفاق في المجالات التي يرى أنها ستحفز الاقتصاد (البنى التحتية، التعليم، الرعاية الصحية . . . .) يريد الجمهوريون من جهتهم، تخفيض الإنفاق ويسعون للضغط من أجل تغيير برنامجه للرعاية الصحية، وأكد أوباما في سياق كلمته أنه وعلى الرغم من مرور ستة أشهر من فترة ولايته الثانية إلا أنه سيخصص الوقت المُتبقي من فترته الرئاسية الثانية لتطبيق الأفكار التي ستدفع بأمريكا قُدماً للأمام، مُشيراً إلى بعض عناصر خطته الاقتصادية للنهوض بالأمة التي تتمثل في العمل على عدة محاور بداية من تطوير الطاقة البديلة وإصلاح قطاع الصناعة، وإنفاق مزيد من الأموال على بناء الطرق والجسور والموانئ، مُروراً برفع الأجور الدنيا، وانتهاء بتمكين الأطفال من دخول المدارس منذ سن الرابعة، وهو الأمر الذي يثير تساؤلاً مهماً في هذا السياق مفاده: إلى أي مدى يمكن ترجمة الرؤية السابقة إلى سياسات على أرض الواقع؟

إمكان التطبيق

تأتي خطة أوباما الاقتصادية على خلفية تقدم معظم المؤشرات الاقتصادية، على الرغم من استمرار ارتفاع معدلات البطالة وبطء النمو عن مستويات ما قبل الأزمة المالية والانكماش الاقتصادي الناتج عنها . يؤكد أوباما أن محور هذه الخطة هو شعور الطبقة الوسطى بالأمان، حيث إنها الطبقة الأكثر ديناميكية في المجتمع والقادرة على النهوض به، مؤكداً أن من أهداف هذه الخطة “ضمان الوظائف والتدريب وامتلاك عقار وتأمين العناية الطبية بأسعار مقبولة وفرصة توفير المال لضمان التقاعد” .

هذا ولم يُشر أوباما إلى التدابير التي سيتبعها لضمان تنفيذ هذه الخطة، وهو ما يُثير العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول محاور عمل هذه الخطة وكيفية تطبيقها، في ظل احتمالية اصطدامها برفض الجمهوريين الذين يشكلون الأغلبية في مجلس النواب والمكلفين باتخاذ القرارات في مجال النفقات وسابق تعطيلهم للعديد من المبادرات الرئاسية منذ مطلع عام 2011 .

ويعي أوباما جيداً أن أحد أهم أسباب إعادة انتخابه في عام 2012 كان الخطة الاقتصادية التي بدأ في تنفيذها بالفعل على أرض الواقع، إبان فترة الانكماش الاقتصادي، وأعلن خلال خطابه عن بدء إطلاق حملة لأكثر من شهرين لتأييد التدابير التي ستصب بالضرورة في مصلحة الطبقة الوسطى من دون الإعلان الواضح عن خطوات بعينها، جُل ما أعلن عنه أن الأفكار الطموحة التي هو بصدد إعلانها بعضها قديم وبعضها الآخر جديد .

ومن الجدير بالملاحظة أن أوباما فشل في تطبيق التدابير التي ستعزز من تنظيم حيازة الأسلحة النارية، وأن الكونغرس ما زال عاجزاً عن الاتفاق على توازن الموازنة، إضافة إلى عقبة قانون إصلاح الهجرة الذي تم التصويت عليه مؤخراً في مجلس الشيوخ، ولكن غير مؤكد موقفه في مجلس النواب، وتلوح في الأفق معارك جديدة حول الموازنة ورفع سقف الديون الذي يُعد من صلاحيات الكونغرس، خاصة على خلفية قيام أعضائه الجمهوريين بالسعي للحصول على تخفيض النفقات في عام 2011 حتى إن الولايات المتحدة كادت تُصبح عاجزة عن سداد الديون . وتسبب عجز المحافظين عن الاتفاق على بنود الموازنة إلى تطبيق سياسة التقشف للولاية الفيدرالية . هذا ويرغب أوباما في التوصل إلى اتفاق قبيل أكتوبر المقبل لضمان مواصلة نشاطات الولاية الفيدرالية والابتعاد عن سياسة التقشف وزيادة الضرائب على الطبقات الميسورة في المجتمع الأمريكي .

دلالات الخطة

يُعد تقرير وزارة العمل الأمريكية عن الوظائف الجديدة ومعدلات البطالة أحد أهم دلالات نجاح خطة أوباما الاقتصادية، التي تكشف عن إضافة 195 ألف وظيفة جديدة في شهر يونيو/حزيران، في الوقت الذي استقر فيه معدل البطالة عند 6 .7% نظراً لدخول مزيد من الأمريكيين في القوى العاملة الباحثة عن فرص وظيفية في السوق الداخلية، وبحسب التقرير الصادر، فإن رقم الوظائف الجديدة تجاوز توقعات الاقتصاديين التي تراوح معدلها حول 165 ألفاً فقط، تأتي هذه الأرقام الإيجابية التي استطاع الاقتصاد الأمريكي حصدها إثر تعديل الحكومة بيانات إبريل ومايو، بإضافة 70 ألف وظيفة إلى الأرقام المذكورة سابقاً .

بدورها، شهدت وظائف القطاع الخاص التي تستثني الوكالات الحكومية من على قائمتها نمواً بنحو 202 ألف وظيفة، بالمقارنة مع 207 آلاف في الشهر السابق، وكشف التقرير أيضاً، عن ارتفاع متوسط الدخل في الساعة الواحدة ب4 .0% إلى 01 .24 دولار مقارنة مع الشهر السابق، بينما جاء معدل الزيادة السنوية عند 2 .2% . وبفعل البيانات الجيدة لنمو الوظائف الأمريكية، فتحت أسهم وول ستريت على إيقاع الارتفاع الذي عززته توقعات باستمرار البنوك المركزية في تقديم التحفيز النقدي .

الدلالة الثانية على إمكانية نجاح خطة أوباما تتمثل في المشروع المقدم منه على خفض العجز بمقدار 1800 مليار دولار إضافية على عشر سنوات يتم توفير ثلثيها من الاقتطاعات والثلث من عائدات جديدة للحكومة الفيدرالية، وأكد أوباما أن هذا المبلغ، إضافة إلى إجراءات خفض العجز الأخرى التي سبق الاتفاق عليها مع الجمهوريين سيتيح “تجاوز هدف ال4000 مليار اللازم وفقاً لخبراء الاقتصاد المستقلين لتحقيق الاستقرار للميزانية بطريقة متوازنة ومسؤولة”، ويبلغ حجم مشروع الموازنة ثلاثة تريليونات و770 مليار دولار، ويغطي السنة المالية المقبلة التي تبدأ في أول أكتوبر 2013 وتنتهي بنهاية سبتمبر ،2014 وذلك على أساس عجز بمقدار 744 مليار دولار بنسبة 4 .4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل نسبة عجز قدرها 5 .5 في المئة للميزانية الحالية، ومن المُتوقع أن يحقق هذا المشروع معدل نمو سنوياً بنسبة 2 .3 %، ومعدل بطالة قدره 2 .7 % .

أبعاد سياسية

القراءة المتأنية لخطة أوباما وبعض الدلالات الداعمة لها، تؤكد إمكانية نجاحها إذا ما طُبقت على أرض الواقع، وكذا معرفة كامل التدابير التي ينوي اتباعها، ولكن بدراسة الواقع الأمريكي الحالي يُلاحظ أن الصراع التقليدي ما بين الديمقراطيين والجمهوريين هو المُسيطر على الحدث وعلى إمكانية إنجاح الخطة أو إفشالها، فعلى الرغم من تقديم أوباما لبعض التنازلات، وخاصة في مجال البرامج الاجتماعية التي يؤيدها حزبه الديمقراطي بقوة في محاولة منه لإرضاء الجمهوريين المعارضين لأي زيادة ضريبية، إلا أن محاولة أوباما إرضاء المعسكرين الجمهوري والديمقراطي معا لم تفلح، والدلالة على ذلك تأتي من تصريح الرئيس الجمهوري لمجلس النواب جون بوينر أن “هذه الإصلاحات المتواضعة (في البرامج الاجتماعية) رهينة لطلباته بزيادة الضرائب”، وهو خط أحمر بالنسبة للجمهوريين الذين اضطروا في يناير/كانون الثاني الماضي إلى الموافقة على تطبيق زيادة ضريبية على الفئات الأكثر ثراء، وفي الوقت ذاته اعتبر زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل أن خطة أوباما “ليست جادة، وهي ليست في معظمها سوى قائمة مشتريات لليسار”، في إشارة إلى الديمقراطيين .

في المقابل، اعترض أعضاء بارزون في الحزب الديمقراطي على بعض مقترحات أوباما لاسيما “احتساب المساعدات الاجتماعية وفقاً لمعدل التضخم”، وتعهد السناتور الديمقراطي برني ساندرز ببذل “كل ما في وسعه لتجميد خطة أوباما” .

ومن الجدير بالملاحظة أن نشر الموازنة أتى بعد شهرين من الموعد الذي ينص عليه القانون، وبرر البيت الأبيض هذا التأخير بالمواجهات بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس بشأن القضايا المالية منذ إعادة انتخاب الرئيس في نهاية ،2012 وكذا أن خطاب أوباما جاء في وقت يترقب أعضاء الكونغرس موعد انتخابات منتصف الولاية في نوفمبر/تشرين الأول 2014 . وسيتم التجديد لجميع أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، ويأمل أوباما بأن يعود مجلس النواب إلى المعسكر الديمقراطي للحصول على هامش مناورة أكبر، وهو ما وصفه أوباما بين طيات خطابه بأن خصومه السياسيين يتجاهلون حقيقة المشكلات التي تواجه المجتمع الأمريكي، وينصب كل اهتمامهم على الصراعات السياسية .

* باحث في الشؤون الأمريكية

*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.