أخطاء "الإخوان" في فهم "30 يونيو" وتوابعها
الأحد, 28-يوليو-2013
أحمد فهمي -

أعقد جوانب الأزمة الحالية في مصر هو طريقة فهم “الإخوان” وكيفية إدارتهم لها، ويتجلى ذلك في ثلاثة مستويات تبدأ من توصيفهم ما جرى يومي 30 يونيو و3 يوليو، مرورا بالخلط بين الديني والسياسي، وصولا إلى المستوى المزمن وهو رؤية جماعة الإخوان لنفسها ولعلاقتها بمصر: الدولة والوطن .

المشترك بين مستويات الأزمة المصرية أن الأزمة في كل مراحلها تتغذى على عدة عوامل محفزة للصدام، وهي: (1) حالة الاستقطاب المتنامية في المجتمع منذ استفتاء 19 مارس2011 . (2) وجود شعور بأن هناك طرفا خاسرا وطرفا فائزا، ما يزيد مشاعر المرارة مقابل مشاعر الفرح . (3) تنامي مشاعر العداء مع تصاعد المواجهات وسقوط قتلى وجرحى، خاصة مع إصرار “الإخوان” على نشر الفوضى كوسيلة لتعطيل أي تقدم في خريطة المستقبل، ما وضعهم في مواجهة مباشرة مع المجتمع وليس الدولة وحدها . (4) صعوبة الالتفات في وسط هذا الجو إلى دعوات للمصالحة، ما يزيد الجماعة تشددا لا يتفق مع معطيات واقعها المنهك .

وتنبع أزمة التوصيف عند جماعة الإخوان، من اعتقادها أنها هي من دخل قصر الرئاسة في مصر، وليس الدكتور محمد مرسي وحده، ومن ثم فهي من خرج بعزله وليس هو، لذا بدت منذ اللحظة الأولى عاجزة عن فهم حقيقة ما يجري . وبينما كانت الملايين من الشعب المصري تهلل وترقص في الشوارع والميادين فرحا بثمرة ثورتها في 30يونيو، فقد اعتبرت الجماعة ما جرى نوعا من الخيانة . وفي البداية حملت جماعة الإخوان الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع منفردا مسؤولية عزل مرسي، في محاولة لشق صفوف القوات المسلحة، ثم ما لبثت أن أدركت عجزها عن تحقيق ذلك، خاصة بعد حادثة الحرس الجمهوري، فبدأت تصف ما جرى بالانقلاب العسكري . وصارت تخاطب الداخل بذلك، بينما كانت تخاطب به الخارج الغربي منذ اللحظة الأولى من دون أن تتوقف عن طلب المساندة . وربما تكون الجماعة قد نجحت في تصدير هذا الوصف لفئات محدودة من الشعب، ممن يرفضون أي دور للجيش في السياسة، لكن غالبية المصريين لم يتعاطفوا معها بأي قدر، إذ يرون أنهم بثورتهم ضد مرسي في 30 يونيو استعادوا دولتهم . وكان الخطأ القاتل الذي سقط فيه الإخوان هو أنهم واجهوا الشعب والدولة بنشر الفوضى، لكن رد الفعل لم يكن أبدا في صالحهم، فكلما زادت ممارستهم للفوضى، قويت العلاقة بين الشعب والقوات المسلحة خوفا على الدولة من الانجراف إلى النموذج السوري .

خطاب استعلائي

وعلى المستوى الثاني شحنت جماعة الإخوان قواعدها كالعادة بالدين في ميدان السياسة، وزادت خطابها الاستعلائي تهديدا مع توسع “حركة تمرد” في جمع التوقيعات، معتبرة أن ما يحدث صراع بين الإسلام وأعداء الإسلام، في حين حرصت “تمرد” على تمسكها بالسياسة . ومع تعقد التطورات لجأت الجماعة إلى شحن أنصارها بجرعات دينية عالية تختلط بالوهم أحيانا، مثل الزعم بأن جبريل عليه السلام شوهد في “ميدان رابعة العدوية” . وظل هذا الشحن ملازما ومكثفا ومتوترا بعد عزل مرسي، عندما قرر أنصاره البقاء في الميدان، وسط عزلة تامة عما يجري في مصر والعالم . وصار هؤلاء لا يتلقون إلا ما يلقى إليهم من منصة الميدان، حتى إن القوات المسلحة اضطرت بدورها إلى إلقاء منشورات إليهم كطريقة وحيدة متاحة لطمأنتهم أو تحذيرهم . وفي سياق التجييش رفعت الجماعة الأكفان في وجوه المصريين، الذين ترى غالبيتهم أن القضية لا تستحق هذه الميول الانتحارية، لأن عامة المصريين هم من سئموا حكم الإخوان، وخرجوا ضدهم في مظاهرات يرددون: “أنا مش كافر أنا مش ملحد . . يسقط يسقط حكم المرشد”، وهكذا صار الإخوان في هذه الأزمة في شبه “جيتو” من صنعهم، فيما كان الواجب عليهم أن ينفتحوا على الجميع .

وعلى المستوى الخاص بإدارة الأزمة وفقا لرؤية الجماعة لنفسها ولمصر، فإن الجماعة انطلقت من كونها حالة ذاتية منقطعة ومتمايزة عن الدولة والوطن، أي “دولة فوق الدولة” . ولهذا يفهم أنصار الدكتور محمد مرسي الأزمة ويتعاملون معها بطريقة فئوية ضيقة . وفي المقابل فإن مؤسسات الدولة وفي مقدمتها القوات المسلحة تفهم ما جرى في 3 يوليو وتتعامل معه على نحو مغاير، ولذا سعت في كل المراحل لتحاشي الصدام مع الجماعة، إذ تعتبر هذه المؤسسات أن الأمر برمته كان حسما لخلاف طويل ومعقد بينها وبين مؤسسة الرئاسة، على ضوء تقاعس الرئاسة عن حماية الأمن القومي المصري داخليا وخارجيا، إذ كانت من خلال تبعيتها لمكتب إرشاد الإخوان سببا فاعلا في نشر الانقسام والفوضى في بنية الدولة والمجتمع، كما حدث مع الإعلام والقضاء والشرطة والجيش والأزهر والكنيسة، ولم تستثن من ذلك العلاقة بين المسلمين والأقباط، إلى جانب غل الرئاسة يد الجيش والشرطة عن مواجهة التنظيمات الجهادية والتكفيرية في سيناء، وهي المتهمة بقتل الجنود في رفح (أغسطس 2012)، وفي خطف الجنود السبعة (مايو 2013)، مما عد إهانة موجهة عمدا إلى القوات المسلحة والشرطة، وكذلك تراخي الرئاسة في حماية حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وتوريطها الدولة المصرية في الأزمة السورية عبر فتح باب “الجهاد”، فالرئيس المعزول لم يستوعب قلق الجيش والمؤسسات المسؤولة عن حماية الأمن القومي المصري مما يحدث في سوريا .

ملاحقة الممرضين

وحتى الآن ليس لمؤسسات الدولة المصرية خلاف معلن مع جماعة الإخوان، فالأزمة من وجهة نظر هذه المؤسسات مست فقط حتى الآن ما تعلق بتأثير بعض قيادات الجماعة على قرارات وسلطات الدكتور مرسي عندما كان رئيسا، ومسؤولا أعلى في الدولة بحكم الدستور عن مؤسسات الدولة . وهنا السر في تعطيل الدستور، بهدف قطع كل ولاية له على هذه المؤسسات، ومن هنا تأتي أيضا الملاحقة القضائية لرموز بعينها من الجماعة متهمة بمزاحمة مؤسسات الدولة في توجيه قرارات وسلطات مرسي، ثم تورط البعض منها مؤخرا في دعوات التحريض على العنف ونشر الفوضى .

وما يعقد الموقف أن الإخوان ومن يناصرهم يعتقدون أن الجيش ظلمهم وحدهم، وأنه انحاز للطرف المناوئ لهم، بينما الواقع يجزم بأنه لم يكن ممكنا عزل مرسي، إلا بالطريقة التي تمت، خاصة بعدما سد بنفسه كل الطرق الدستورية المتاحة برفضه الاحتكام إلى الصندوق، باستفتاء أو بانتخابات مبكرة . ما دعا مؤسسات الدولة إلى حل الأزمة عبر توازنات القوة، وليس ضرورات القانون . فالجيش المصري كأي جيش آخر حريص بمقتضيات الضرورة الوطنية على بناء علاقة طيبة مع جميع مكونات المجتمع المصري على تنوعها السياسي، انطلاقا من أن وحدة الجبهة الداخلية تعضده وهو يحمي الثغور، وهكذا فإن عناد مرسي ودهاء التاريخ من أوقع مصر في اللحظة بالذات في هذا المأزق .

ومن المزعج أن ترى جماعة الإخوان، أن ما جرى بكل مستوياته كان مؤامرة ضدها وحدها، لأن هذا الشعور ساقها إلى السقوط السهل في حبائل الأممية، ما أوقعها أيضا وهي خارج السلطة في نفس الخطأ الذي سقطت فيه وهي تشارك مرسي قصر الرئاسة، فهي اليوم تدير الأزمة وفقا لاستراتيجيات أممية، وليس وفقا لاستراتيجيات الدولة المصرية . وهذا الخطأ ذاته كان وراء صداماتها المتواصلة في كل الدول العربية التي تواجدت بها: مصر والسودان وسوريا والعراق وليبيا وتونس والجزائر ودول الخليج . ما يزيدها تشددا سياسيا وتوترا وطنيا . ويضيف إليها وهي في أزمتها الحالية أعباء وتعقيدات كان حتما عليها أن تتخفف منها .

إن هذا الفشل المزمن يحتاج الآن من جماعة الإخوان إلى مراجعة فكرية وتنظيمية عميقة وشفافة محكومة بأطر وطنية صادقة لوجه الله والوطن، كي لا تتورط في مزيد من التعقيدات التي لا تحتملها هي ولا تحتملها مصر . وتتطلب هذه المراجعة حسما نهائيا لأزمة العلاقة بين الجماعة والدولة، بإعلاء الدولة على الجماعة . وما لم يحدث ذلك فإن السيناريو الحالي سوف يستنسخ نفسه دوما، ليخيم بدمائه وعنفه وأزماته على فرصها في المستقبل، سواء في مصر أو في غيرها، بما يدمر ما بقي للجماعة من بنية فكرية وتنظيمية محلية أو دولية بأسرع مما تتصور هي نفسها .

* باحث متخصص في شؤون الإسلام السياسي

*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.