فقاعات إلى الأبد
السبت, 20-يوليو-2013
روبرت جيه. شيللر -

قد يتصور البعض أننا كنا نعيش في عالم ما بعد الفقاعة منذ انهيار أكبر فقاعة عقارية على الإطلاق في العالم في عام 2006 ونهاية فقاعة سوق الأسهم الكبرى على المستوى العالمي في العام التالي. ولكن الحديث عن الفقاعات لا ينقطع -فهناك فقاعات إسكان جديدة أو مستمرة في العديد من بلدان العالم، وهناك فقاعة عالمية جديدة في سوق الأسهم، وفقاعة طويلة الأجل في سوق السندات في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان، فضلاً عن فقاعة أسعار النفط وفقاعة الذهب، وهلم جرا.

بيد أنني رغم ذلك لم أكن أتوقع التطرق إلى قصة الفقاعات عندما زرت كولومبيا الشهر الماضي. ولكن مرة أخرى، حدثني الناس هناك عن فقاعة عقارية مستمرة، وقد طاف بي سائق سيارتي حول المدينة المنتجع كارتاخينا على ساحل البحر، وأشار في نبرة تدل على الدهشة إلى العديد من المنازل هناك التي بيعت أخيرا في مقابل الملايين من الدولارات.

يحتفظ البنك المركزي الكولومبي بمؤشر لأسعار المساكن لثلاثة مدن رئيسة - بوجوتا وميدلين وكالي. وقد ارتفع المؤشر بنسبة 69 في المائة من حيث القيمة الحقيقية ''المعدلة وفقاً للتضخم'' منذ عام 2004، مع قدوم أغلب الزيادة بعد عام 2007. ويذكرنا معدل نمو الأسعار هذا بتجربة الولايات المتحدة، مع ارتفاع مؤشر أسعار ستاندرد آند بورز- كيس شيلر للمساكن في عشر مدن في الولايات المتحدة بنسبة 131 في المائة من حيث القيمة الحقيقية، من قاعة في عام 1997 إلى ذروته في عام 2006.

ويثير هذا السؤال التالي: ما هي فقاعة المضاربة على وجه التحديد؟ وفقاً لتعريف قاموس أكسفورد باللغة الإنجليزية فإن الفقاعة هي ''أي شيء هش، أو واه، أو فارغ، أو بلا قيمة؛ أو خادع المظهر. ومنذ القرن السابع عشر فصاعدا، كانت الكلم تنطبق غالباً على المخططات التجارية أو المالية الوهمية''. والمشكلة هي أن كلمات مثل ''استعراض'' أو ''مخطط'' تشير إلى خلق متعمد وليس ظاهرة اجتماعية واسعة الانتشار وغير موجهة من قِبَل أي مدبر.

وربما تستخدم كلمة فقاعة بشكل عفوي متسرع.

من المؤكد أن يوجين فاما يعتقد ذلك عن يقين. إن فاما، وهو النصير الأكثر أهمية لفرضية كفاءة الأسواق''، ينكر وجود ما يسمى بالفقاعات. وعلى حد تعبيره في مقابلة عام 2010 مع جون كاسيدي من مجلة ''نيويوركر''، ''أنا لا أعرف حتى ماذا تعني كلمة فقاعة. لقد اكتسبت مثل هذه الكلمات شعبية، ولكنها في اعتقادي خالية من أي معنى''.

في الطبعة الثانية من كتابي ''الوفرة الطائشة''، حاولت أن أقدم تعريفاً أفضل لكلمة فقاعة. فكتبت آنذاك: ''إن فقاعة المضاربة حالة حيث تتسبب الأنباء عن زيادات في الأسعار في استحثاث حماس المستثمرين، الذي ينتشر بفعل العدوى السيكولوجية من شخص إلى آخر، وفي هذه العملية تتضخم الروايات التي قد تبرر الزيادة في الأسعار''. وهذا من شأنه أن يجتذب ''طبقة أكبر وأكثر عدداً من المستثمرين، الذين ينجذبون إلى هذا الاستثمار على الرغم من تشككهم حول قيمته الحقيقية، جزئياً بدافع من حسدهم لنجاحات الآخرين، وجزئياً بفعل الإثارة التي تنطوي عليها المقامرة.

ويبدو أن هذا هو جوهر معنى الكلمة كما تستخدم غالباً بشكل منتظم. وينطوي هذا التعريف على اقتراح ضمني حول الأسباب وراء الصعوبة التي يواجهها ''المال الذكي'' في تحقيق الربح من خلال المراهنة على فقاعات: حيث تعمل العدوى السيكولوجية على تشجيع عقلية تبرر ارتفاع الأسعار، حيث تصبح المشاركة في الفقاعة شبه عقلانية. ولكنها ليست عقلانية.

وتختلف الرواية من بلد إلى آخر، بما يعكس الأخبار الخاصة لكل بلد على حدة، وهي الأخبار التي لا تنسجم دوماً مع غيرها في بلدان أخرى. على سبيل المثال، تبدو الرواية الحالية في كولومبيا أن حكومة البلاد، التي أصبحت الآن تحت الإدارة المحترمة للرئيس خوان مانويل سانتوس، نجحت في خفض التضخم وأسعار الفائدة إلى المستويات السائدة في البلدان المتقدمة، والقضاء على التهديد الذي فرضه المتمردون المنتمون إلى القوات المسلحة الثورية في كولومبيا، وبالتالي ضخت حيوية جديدة في الاقتصاد الكولومبي. وهي رواية طيبة بالقدر الكافي للدفع بفقاعة الإسكان إلى المشهد.

ولأن الفقاعات ظواهر اجتماعية سيكولوجية في الأساس، فإن السيطرة عليها أمر بالغ الصعوبة بحكم طبيعتها. وربما تنجح التدابير التنظيمية التي اتخذت منذ اندلاع الأزمة المالية في الحد من نشوء الفقاعات في المستقبل، ولكن الخوف العام من الفقاعات قد يؤدي أيضاً إلى تعزيز العدوى السيكولوجية، على النحو الذي يغذي المزيد من النبوءات ذاتية التحقق.

ومن بين المشكلات المحيطة بكلمة فقاعة أنها تخلق صورة ذهنية لفقاعة متوسعة من الصابون ومن المحتم أن تنفجر فجأة ودون رجعة. ولكن فقاعات المضاربة لا تنتهي بهذه السهولة، بل إنها قد تفرغ بعض الشيء، مع تغير الرواية السائدة، ثم تتضخم من جديد.

ولعل من قبيل الدقة أن نشير إلى هذه النوبات بوصفها وباء المضاربة. فنحن نعرف من تجربتنا مع الإنفلونزا أن وباءً جديداً قد يظهر فجأة مع انحسار وباء قديم، إذا ظهر شكل جديد من الفيروس، أو إذا تسبب أحد العوامل البيئية في زيادة معدل انتقال العدوى. وعلى نحو مماثل، فمن الممكن أن تظهر فقاعة المضاربة فجأة في أي مكان، إذا ظهرت رواية جديدة حول الاقتصاد، وإذا كانت تلك الرواية تتمتع بالقدر الكافي من قوة السرد لإشعال شرارة عدوى جديدة تصيب فكر المستثمرين.

وهذا هو ما حدث في السوق الصاعدة في عشرينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة، وبلغ ذروته في عام 1929. لقد شوهنا هذا التاريخ بسبب نظرتنا إلى الفقاعات باعتبارها فترة من نمو الأسعار بشكل درامي، ثم تعقبها نقطة تحول مفاجئة وانهيار كبير وتام. والواقع أن فترة ازدهار كبرى في أسعار الأسهم الحقيقية في الولايات المتحدة بعد ''الثلاثاء الأسود'' أعادت الأسعار إلى منتصف ما كانت عليه في عام 1929 بحلول عام 1930. ثم أتى في أعقاب تلك الفترة انهيار ثان، ثم طفرة أخرى في الفترة من عام 1932 إلى عام 1937، ثم انهيار ثالث.

إن فقاعات المضاربة لا تنتهي كما تنتهي قصة أو رواية قصيرة أو مسرحية من فصل واحد. ولا تصل الفقاعة إلى نهاية حيث تنحل العقدة وتتجمع خطوط السرد كافة في خاتمة مثيرة. ففي العالم الحقيقي لا نعرف أبداً متى تنتهي القصة.

*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.