العودة إلى صناعة الاستقطاب
الخميس, 27-يونيو-2013
أمينة أبو شهاب -

تضع قوى الإسلام السياسي من جماعة الإخوان وحلفائها السياسيين من ذات التوجه مجتمعها في مسار خطير للغاية حين تفرض أحقيتها في الحكم ودوامها فيه، على أساس من “إسلاميتها” ونفي إسلامية المعارضين لها .

لقد كانت هذه القوى تنافح في السابق عن بقاء الرئيس مرسي في الحكم مستخدمة حجة الشرعية الانتخابية وكون الرئيس منتخباً عن طريق الصندوق، ولقد عوملت هذه الشرعية الانتخابية من قبل القوى الإسلامية وكأنها أمر قدسي غير قابل للتغيير وإعادة النظر كون منصب الرئاسة هو نتاج عقد سياسي بين الرئيس والناخبين أخلّ به الأول نتيجة ضعف أدائه السياسي والإداري كما يرى كثير من المصريين . حين أدرك الإخوان وحلفاؤهم السياسيون حجم تراجع شعبية الرئيس واتساع الغضب الشعبي من الإخوان والتعاطف مع حملة “تمرد” واقتراب يوم إعلانها عمدوا إلى خطاب الأحقية في الحكم على أساس “الإسلامية” في مقابل معارضة توصم باللادين وبالتآمر ضد الإسلام وشرعه، وكأن الإسلام يبرر سوء الأداء وجر كل أنواع التدهور في أحوال البلاد والعباد .

يتبنى الإخوان هذه الاستراتيجية في لحظة فشل كامل لهم على كل المستويات وهم في سدة الحكم، وفي لحظة تهديد جدية لسيطرتهم السياسية . وهذه الاستراتيجية ليست بالجديدة بالنسبة لاستخدامهم لها فهم قوى استقطابية في الأصل تبني خطابها على نفي دينية الحاكم في معارضتها السياسية له، كما أنها تجرد المنافسين السياسيين من الصفة الدينية لحرمانهم من القبول الشعبي . والملاحظ أن الإخوان قد قننوا خطابهم الاستقطابي وخففوا منه بدرجة كبيرة خلال السنوات الأخيرة الماضية تودداً إلى الشعب لكسب تعاطفه وتصويته لهم وكذلك تودداً للقوى المدنية التي استعاروا منها مؤقتاً خطاب الديمقراطية والحقوق المدنية . ومما يفسر أيضاً ابتعادهم النسبي عن استراتيجية إثارة الاستقطاب هو حرصهم على صورتهم في الغرب خلال السنين الأخيرة تمهيداً للتصديق عليهم غربياً كبديل للحكم القائم في مصر .

أحداث الأسبوعين الماضيين في مصر بمظاهراتها وخطابها ليست، إذن، استحداثاً إخوانياً لسلاح الاستقطاب، بل عودة إلى صناعة يتقنها الإخوان . وهي عودة لم يحدث مثلها في تاريخ مصر الحديث وفي تاريخ الإخوان نظراً لما تمثله الأيام الحالية لهم من معركة مصير تحولت في خطابهم المستخدم للإسلام استخداماً ذرائعياً وظرفياً إلى معركة للإسلام نفسه في أن يكون أو لا يكون . لقد كانت أجواء مظاهرة الجمعة الماضية في منطقة رابعة العدوية هي أجواء استعادة في الذاكرة الجمعية المصرية المسلمة لمعارك الإسلام الفاصلة حيث تمثل قوى الإسلام السياسي المعسكر الإسلامي، أما معارضوها فهم قوى الانحراف عن الحق وهم “الشيوعيون والإعلاميون الذين يقبضون من الخارج بالملايين” . أحقية الرئيس مرسي في الحكم رغم فشله وعجزه هي أحقية يقوم الإخوان وخلفاؤهم بفرضها بقوة الاستقطابية من خلال الدين ومن خلال الحشد المتأهب لمعركة تصور له أنها معركة دينية ضد معسكر الكفر والإلحاد . وهنا يتحول الحشد وصيحاته وشعاراته إلى إرهاب للطرف الآخر يتم التلويح به للردع عن المعارضة وعن محاولة إسقاط الرئيس الإخواني سلمياً .

لقد صنع الإخوان الكراهية والانقسام والاحتقان في المجتمع المصري منذ أن صعدوا إلى الحكم، ومضوا في ذلك إلى آخر الطريق . أما لغة استقطابهم الحالية فهي الأخطر لأنهم يديرونها من منصة الحكم وأدواته، ولأنهم كذلك يشعرون بالخطر المحدق بهم، ويعلمون لذلك أن الانقسام الحاد في المجتمع المصري الذي يخلقونه إنما هو لمصلحتهم ومصلحة بقائهم في الحكم . مظاهرات الاستقطاب على أساس من الدين في استاد القاهرة وفي ميدان رابعة العدوية هي في الحقيقة ترهيب وارهاب رمزي يرسل إشاراته ويدعو إلى عنف مضاد وتجييش من النوعية ذاتها في الطرف الآخر تهيئة ليوم 30 يونيو وما بعده . يأخذ مئات الألوف وربما الملايين من المصريين مواقعهم في هذا الاستقطاب بشكل فاعل ونشط أو بصورة سلبية تعاطفية فحسب . وهنالك من سيخرج إلى الشوارع بمطالبه المتضادة والمتصارعة واستعدادات التشابك واستخدام العنف وذلك في نهاية لا يعلمها إلا الله في الأيام القادمة .

إنه استقطاب شديد الحدية لم تعرفه مصر إلا في العهد الإخواني وهو لا يهدد المصريين ويقسمهم في الزمن الحالي والزمن المنظور بل يمتد إلى الأفق المستقبلي مولداً آثاره ومنتجاً مصراً أخرى ليست معروفة لأحد ولا تمت بصلة لمصر التاريخية والثقافية الموحدة والمتسامحة، وفي هذا كله بصمة قوية للإخوان في طبيعتهم الصراعية وما يخلفونه وراءهم من صراعات وذلك بعد فشل ذريع في الحكم .

*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.