مكر الإخوان… والحوار المسخرة
الاثنين, 10-يونيو-2013
محمد علي إبراهيم -

أثار بث الحوار الذي أجراه الرئيس المصري محمد مرسي مع رموز وقوى الأحزاب والتيارات السياسية حول أزمة سد النهضة سخرية الشارع المصري وتندر وسائل الإعلام والصحافة.

فبغض النظر عن كون الرئيس بدا «جاهلاً» بأبعاد المشكلة وحجم الضرر الذي ستلحقه بمصر سواء من المياه أو من الطاقة، إلا أن بعض المتحاورين كانوا من السذاجة والغفلة لدرجة أنهم طرحوا حلولاً «مضحكة» مثل القيام بضربة عسكرية أو التنسيق مع الدول المجاورة المعادية لأثيوبيا لأحداث القلاقل بها وتهديد الأمن والاستقرار بأديس أبابا، وذلك من خلال تنسيق بين جهاز المخابرات المصري والأجهزة الأخرى في أرتريا والسودان وأوغندا.

المصيبة التي تم الكشف عنها أن الحوار كان سيتم تسجيله وإذاعته فيما بعد عقب عملية «مونتاج» كما يحدث في اللقاءات الحساسة من هذا النوع. لكن أحد العباقرة قرر أن يكون الحوار على الهواء مباشرة بدعوى الشفافية، واستخدامها كدعاية سياسية وبأن الرئيس يسترشد بآراء المعارضة ويستعين بها.

ويبدو أن العبقري الذي اتخذ هذا القرار كان الرئيس نفسه لغاية في نفس يعقوب، وهو أن يظهر النخبة السياسية المصرية أمام الرأي العام ضحلة ومشتتة ومظهرية وتستعرض معلومات أكل عليها الزمن وشرب، ناهيك أن جميع الحاضرين لم يكن بينهم خبير واحد في المياه أو أحد خبراء الشؤون الأفريقية وما أكثرهم في الخارجية المصرية. كان على باكينام الشرقاوي مساعدة الرئيس في أن يقترح دعوة خبراء سياسيون وفنيون ليقدموا المعلومات والحلول بطريقة مبسطة، ولا تطعن في أثيوبيا أو تسخر منها لدرجة أن أحد الحاضرين قال أن الدول الأفريقية ممكن ان «تضبط بالفلوس»، وهو تقليل من شأن أفريقيا بالإضافة إلى أن مصر نفسها لا تملك أموالاً لشعبها، فكيف ستبذر على الآخرين.

الرئيس حاول التقليل من آثار سد النهضة فقال أن ما ستفقده مصر من المياه (حوالي 18 مليار متر مكعب) لن يؤثر في الكهرباء إلا بنسبة 2 % فقط وهي النسبة التي تحصل عليها مصر من السد العالي! وأضاف أن مصر لا تحصل إلا على 175 ميجاوات من السد العالي! وهذا خطأ بالغ، لأن هذا الرقم هو للوحدة الواحدة من وحدات توليد الكهرباء بالسد، وبالتالي فإن إجمالي ما نحصل عليه من السد هو 10 آلاف ميجاوات. وأعتقد أن الرئيس عليه أن «يذاكر» أي موضوع يتكلم فيه!

علي أية حال إذا كان الإخوان قد خططوا ليظهر الحوار جهل المعارضة وعدم قدرتها على تقديم حلول لأزمة سد النهضة، فإن ما قاله الرئيس في هذه الجلسة كان أفدح من جهل المعارضة وسطحيتها. وإذا كان الحوار «الهزلي» الذي شاهدناه على الهواء قد قلل من أسهم المعارضة، فإنه أساء أيضاً إلى صورة الرئيس مرسي.

ودعونا نعترف بأنه إذا كانت اثيوبيا أخطأت في حق مصر وانتهكت الاتفاقيات الدولية التي تحظر على دول المنبع والمصب لأي أنهار في العالم عدم إقامة مشروعات مائية إلا باتفاق الجميع، فإن مصر أيضاً أخطأت في حق نفسها عندما لم تنتبه منذ فترة طويلة إلى ضرورة إقامة محطات لتحلية المياه على البحرين الأحمر والمتوسط، ومصر أخطأت عندما تركت الناس تقيم مباني وعمارات شاهقة على النيل فيما يعرف بأراضي «طرح النهر»، وتركت المصانع تصرف مخلفاتها في مجرى النيل ليزيد التلوث فيه.

مصر أخطأت لأنها كانت تعلم اقترابها من خط الفقر المائي، ولم تنشئ هيئة قومية لتنظيم مياه الشرب وتقنينها بما يوفر قدراً أكبر. أخطأنا عندما أهملنا قناة جونجلي مع السودان التي كادت تكتمل بنسبة 75 % ثم توقف العمل بها لأسباب غير معروفة. أخطأنا عندما رفضنا التعاون مع الكونغو في مشروع كبير على نهر الكونغو كان سيوفر لمصر كميات إضافية تصل إلى 12 مليار متر مكعب من المياه.

أخطأنا قبل الرئيس مرسي وبعده. أخطاؤنا سببها طبيعتنا التي تنتظر الفائدة دون أن تقوم بالجهد اللازم لجلبها. لا نملك رؤية مستقبلية ولا إرادة صلبة. وعلاقتنا بأفريقيا بلغت اسوأ مراحلها في الأيام الأخيرة لحسني مبارك. وعندما فكرنا في تحسينها اقتصرنا على جنوب أفريقيا فقط وهي ليست من دول حوض النيل. واعتقد أنه من العدل أن نحاسب أنفسنا قبل أن نلوم الاثيوبيين بنعرة عنصرية ولغة فوقية متعالية.



*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.