واشنطن والحريات الدينية
السبت, 25-مايو-2013
محمد عبيد -

لم تتردد الإدارة الأمريكية ثانية واحدة، وهي تعلن بملء فمها نتائج ما تسميه وزارة خارجيتها تقرير “الحريات الدينية” في العالم، الذي أبدى “الفزع” من تنامي ظاهرة كراهية الإسلام ومعاداة السامية في أوروبا وآسيا، واتهم حكومات ودولاً وجهات بعينها بالتضييق على الحريات الدينية، وملاحقة الأقليات .

وليت الأمر توقف عند هذا الحد، فالتقرير المسيّس الموجّه مسبقاً لمصلحة جهة معروفة مسبقاً، لم يتطرق ببنت شفة إلى ما تمارسه هذه الجهة من جرائم يومية بحق كل مقدس، وكل مؤمن بديانة سماوية حول العالم، فالتقرير لم يشر إلى “إسرائيل”، وما ترتكبه من جرائم بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين عموماً، وفي القدس المحتلة خصوصاً، كما أنه لم يشر إلى العدوان الاحتلالي الصارخ على احتفالات المسيحيين بعيد الفصح والتنكيل الذي تعرض له رجال الدين، ولا إلى التدنيس المستمر للمسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين ومنعهم من الوصول إليه .

رغم ذلك، خطت الإدارة الأمريكية خطوة متقدمة أخرى، وجمعت كثيراً من أئمة المسلمين في أوروبا، وأخذتهم في جولة على معتقل “أوشفيتز” النازي السابق في بولندا، في سياق ما قالت الخارجية الأمريكية إنه “جهود لمكافحة إنكار المحرقة وحل مشاكل التمييز ضد الأقليات الدينية في العالم” .

واشنطن تريد تحويل الأنظار عن الفظائع وجرائم كيان الإرهاب المنظّم، بحق الفلسطينيين، وبحق جميع أتباع الديانات السماوية، وتسعى لإدانة الفلسطيني بأي شكل كان، وإن كان ذلك عبر اتهامه بمعاداة السامية، في ما يجافي كل حقائق التاريخ، وفي مفارقة غارقة في الانحياز الكامل للاحتلال، وفي سياق ذلك لن تتورع عن إبداء الإعجاب ب”واحة الديمقراطية والحرية” الدخيلة على المنطقة العربية . لا يكاد صوت حر ينتفض لمواجهة حملات الكذب والدعاية الأمريكية و”الإسرائيلية” على حد سواء، حتى نجد الاتهام الجاهز مسبقاً يطلق باتجاهه، ليدينه بمعاداة السامية، ولا نجد ضميراً هب في خضم التضليل والتزوير لينصر الحقيقة والحقوق، إلا قذف بمثل ذلك وأكثر، وفي نهاية المطاف تظل الساحة خالية للكيان وحليفته التقليدية، ليعبثا معاً في مصائر شعوب كاملة، ولينكرا جرائم يندى لها جبين الإنسانية ارتكبها ويرتكبها الكيان المارق .

أي مصداقية تنتظر من تقرير هدفه الأوحد منح “إسرائيل” شيكاً على بياض للاستمرار في جرائمها “المبررة”، التي تكفّر الإدارة الأمريكية والغرب عموماً “ذنوبها” بالتغاضي عنها؟ لا مصداقية تنتظر ولا عدالة ترتجى من مثل هذه الإدارة، لكن النكاية الكبرى أن يُجر أئمة المسلمين في الغرب للتفكر في تاريخ مضى، غاضين الطرف عن تاريخ يخصّهم، يكتبه الكيان حالياً في فلسطين المحتلة، بأحرف من دم الفلسطينيين وزيتونهم، يخطه على جدران العار والضم والتوسع والفصل العنصري، ويثبّته بالهدم والتجريف والاقتلاع . 



*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.