النموذج الرأسمالي الاسكندنافي
الاثنين, 20-مايو-2013
د . محمد الصياد -

إبان سنوات الحرب الباردة بين الشرق والغرب . . بين النموذج الاشتراكي بنسخته السوفييتية وبين النموذج الرأسمالي خصوصاً بنموذجه الأمريكي الراديكالي، اختارت بلدان شمال أوروبا الاسكندنافية، سلوك ما أسمته “طريقاً ثالثاً” أو “طريقاً وسطاً” كما سماه ماركيز تشايلد في كتابه الصادر عام 1936 (Middle Way)، الذي يتخذ له موقعاً وسطاً ما بين الرأسمالية والاشتراكية . لقد اعتمد هذا النموذج التنموي على دالة الإنفاق كمصدر رئيسي لتحفيز الطلب على إجمالي الناتج المحلي وبالتالي تحقيق الرفاهية الاجتماعية الجاذبة للاستثمار والمحفزة للعمل المنتج . وكان لابد لتأمين انتظام الإنفاق “الباذخ” على البنية الأساسية وعلى الخدمات العامة وخدمات الرعاية الاجتماعية، من فرض ضرائب دخل عالية لمقابلة الحجم المتضخم للإنفاق العام . فكان أن جمعت تلك الدول بين خاصية الإنفاق الضخم والضرائب العالية (شكل الإنفاق العام نسبة 67% من إجمالي الناتج المحلي في السويد على سبيل المثال في عام 1993) . السويد كانت النموذج الأبرز لتطبيقات منهاج طريق التنمية الثالث . وكانت على مدى عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي مثالاً لطريقة مواءمة المبادرة الخاصة مع البعد الاجتماعي للتنمية، والتي تفرغ عنها فيما بعد نموذج الرأسمالية الاجتماعية في ألمانيا .

وقد أمن هذا النموذج للسويد الرخاء والاستقرار وكفل للحزب الديمقراطي الاجتماعي البقاء في الحكم لمدة 44 عاماً متصلة، من 1932 إلى 1976 ولمدة 21 سنة من 24 سنة من 1982 إلى 2006 . وقتها، وكان ذلك في عام 1974 .

ولكن بما أن مثل هذا النموذج لا يستطيع مواصلة حقن دورة نموه الاقتصادي بالاعتماد الكبير على متغير “جي” (G) في مكونات إجمالي الناتج المحلي، أي الإنفاق الحكومي، في حين تواصل النماذج الأخرى الاستفادة من أفضلياتها التنافسية (لجهة انخفاض إنفاقها العام ومخصصات برامج رعايتها الاجتماعية في الموازنة، وإضفاء المرونة الشديدة على أسواق عملها)، فقد كان لابد لهذا النموذج أن يفقد مواقعه التنافسية وموقعه في توزيع وإعادة توزيع الثروة العالمية .

ومثلما قدمت نموذجها التنموي الفريد “الطريق الثالث” أو “الطريق الوسط” على مدى أربعة عقود (من عقد الخمسينيات إلى عقد الثمانينيات من القرن الماضي)، تقدم الدول الاسكندنافية اليوم نموذجها لكيفية التغلب على مأزق النموذج السابق بنموذج آخر أكثر مواكبةً للاقتصاد المعولم .

وقد أدت السياسة الاقتصادية الجديدة التي اشتملت على خفض حصة الإنفاق الحكومي السويدي في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 18% (أخفض من فرنسا)، وخُفضت الضريبة على الشركات بواقع 22% . وضمن سياسة التحرير سمحت كل من الدانمارك والنرويج لشركات القطاع الخاص بإدارة المستشفيات الحكومية، وأدخلت السويد والدانمارك تعديلات على نظام امتيازات الخدمة التعليمية بغرض قياس أدائها ووضع المستشفيات والمدارس الحكومية في منافسة منتجة مع المستشفيات والمدارس الخاصة . وتم اتخاذ إجراءات غاية في الصرامة بالنسبة للشفافية الحكومية في إطلاع الجمهور على أي سجلات أو معلومات تخص الأداء الحكومي . ويتم ذم السياسيين والحط من قدرهم إذا ضُبطوا وهم يستخدمون سيارات الليموزين الرسمية بدلاً من الدراجات الهوائية .

وهي لم تتأثر كثيراً بالأزمة المالية العالمية لعام ،2008 حيث واصل اقتصادها نموه خلال الفترة من 1993 - 2010 بواقع 7 .2% في المتوسط، وارتفعت الإنتاجية بواقع 1 .2% مقارنة بمعدل نمو اقتصادي ونمو إنتاجية في 15 أبرز اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بواقع 9 .1% و1% على التوالي .

مع ذلك فإن النموذج التنموي الاسكندنافي الجديد لا يفرط كلياً في فضائل نموذجها السابق، وإنما هو يحاول الجمع بين الرأسمالية التنافسية وبين الدولة الكبيرة .



*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاقتصادية