“أخونة” القناة
الخميس, 16-مايو-2013
أمينة أبو شهاب -


الفقيه القانوني والمؤرخ والمفكر الإسلامي الأشهر، طارق البشري، هو الذي فتح، هذه المرة، باب نيران الهجوم والفضح، وصولاً إلى التخوين على الإخوان المسلمين معلناً براءة ذمته في ما يتعلق بمشروعهم الذي سيدر اللبن والعسل على مصر وهو “إقليم قناة السويس” .

هكذا تنتهي الباطنية حين الوصول إلى الحكم، حيث لا يمكن للإخوان أن يستمروا كثيراً في لغة تغليف الخطط والمشاريع والنوايا بغير حقيقتها . وهذا انطبق على أهم الكبائر وهي العلاقة الممتازة ب”إسرائيل” وإبطال المقاومة ضدها وتجريمها كما في اتفاق غزة . أما مشروع إقليم السويس، فإنه يتناسب حقاً مع مقدار الشكوك التي استقبلنا بها وصول الإخوان للحكم بالرضى الغربي الكامل، وما يمكن أن يقدموه في مقابل ذلك .

لقد نشأ تنظيم الإخوان، كما تقول الوثائق البريطانية، بمنحة مالية من شركة قناة السويس البريطانية . وكانت القناة مرهونة للدول الأجنبية ومحتلة حتى حررها وأممها عبد الناصر لتعود إلى مصر رمزاً لاستقلالها ودورها الجديد عربياً ودولياً . المشروع لا يترك أدنى شك في أنه يضع القناة تحت إعادة الاحتلال من خلال فصلها تماماً عن سلطة الدولة المصرية وجعلها موضوعاً للتصرف كملكية خاصة في يد الرئيس مرسي والإخوان . يحلل طارق البشري مشروع قانون “إقليم قناة السويس” الذي طرحه الحكم الإخواني قائلاً إن القانون في مواده الثلاثين يرفع السلطة المصرية عن هذا الإقليم، ولا يبقي أي مظهر أو عنصر من مظاهر هذه السلطة على إقليم من المفروض أنه ينتمي لمصر وأنه جزء من أرضها، وهو بالتالي خاضع لسلطة دولتها بقوانينها وأجهزتها وسياساتها المتخذة أو التي تتخذ في المستقبل . ويرى البشري أن القانون المذكور في كل مواده يقرر تنازل الدولة عن السيطرة على قناة السويس وإقليمها وانحسار ولايتها عنه، لأن الولاية هي قوانين وأجهزة مؤسسية، فمتى استبعدت القوانين والأجهزة عن أرض في مصر فإن ذلك يعني استبعاد هذه الأرض من نطاق سلطة الدولة وفصلها عنها .

وإن كانت أرض هذا الإقليم قد استبعدت من سيادة الدولة وسلطتها، فهي أيضاً غير محددة على الأرض ومنوط بالرئيس تحديد بقعتها الجغرافية في اتساع وإخراج ما يراه من أراضي الدولة المصرية من هيمنة الدولة، حيث يقدر البعض الإقليم بربع الأراضي المصرية وبما مجموعه السبع محافظات مصرية .

أما الهيئة التي تدير هذا الإقليم بحيث يصبح ملكية خاصة بها فهي تتبع الرئيس وحده وليس أي كيان مؤسسي في مصر، الرئيس هو الذي يختار أعضاء الهيئة من دون شريك وهو الذي يضع قانونها الأساسي، ولا تكون لأي نوع من الرقابة الحكومية ولا السلطة التشريعية أو القضائية أي علاقة أو محاسبة لهذه الهيئة . ويجادل طارق البشري أن مواد قانون المشروع تضع الإقليم ملكية خاصة للهيئة تدير عقاراته ومطاراته ومدارسه وتعليمه وثقافته وتحكم شعبه بما هو مختلف عن الكيفية التي تعمل بها الحكومة المصرية في أجزاء مصر الأخرى . لقد استنتج طارق البشري أن “إقليم قناة السويس” هو في الحقيقة اقتطاع له عن الدولة وتنمية مزعومة له “خارجها” .

الإخوان يطرحون مشروعهم هذا باسم الاستثمار واسم الاقتصاد الحر الخاص الذي يتطلب وضعاً خاصاً مجاوزاً لسلطة الدولة حيث الهيئة التي هي برسم إدارة إقليم القناة تبدو أعلى من سلطات الدولة وأكثر سلطة وامتناعاً على التدقيق والمحاسبة . ويمتلك الرئيس في سلطة مطلقة تثير الاستفهام أن يضم الأجزاء التي يراها من الدولة إلى الإقليم ماداً سلطته وحيازته الجغرافية ونوع إدارته . ولا توجد أي موانع قانونية أو عملية من أن تكون الهيئة الإدارية المالكة للإقليم والمكونة من 14 شخصاً من رجال الأعمال الإخوان الظاهرين أو أولئك البعيدين عن الأضواء .

مشروع خطير كهذا بإنذاراته وخطورته المتناهية على وحدة الدولة وسيادتها وعلى وحدة الشعب كذلك هو الذي يخرج من عباءة الإخوان الذين كنا نعتقد بكراهتهم العقائدية للعولمة وللمشروع الحر واقتصاد السياحة ومفاسدها حسب لغتهم، كما كانت عباءتهم ضماناً وغطاء للاتفاق مع “إسرائيل” وديمومة احتلالها، فكذلك الأمر مع مشروع يخرج فاقعاً في تفتيته وحدة البلاد بحيث يبرئ ذمته منه إسلامي بحجم طارق البشري وذلك إحباطاً من الإخوان وصدمة مما يأتي من جهتهم من أمور كبيرة مشبوهة .

فهل صحيح إذاً ما نسب إلى عبد الناصر في أسباب قرار حل الجماعة من أن قيادتها تعهدت للإنجليز بقبول بنود في اتفاقية القناة رفضها عبد الناصر وطنياً وتحدى الإنجليز في شأنها، وذلك مقابل أن يكونوا هم البديل المقبول والمدعوم بريطانياً له . التاريخ يعود إذاً في التزام مقطوع سلفاً لم يجد قاطعوه بدّاً من الوفاء به حتى في مثل أجواء مصر الحالية المليئة بما يكفي من الغضب ضد الجماعة .

*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.