العربدة الصهيونية . . الدلالات والرد
الثلاثاء, 14-مايو-2013
فايز رشيد -


العدوان الصهيوني الأخير على سوريا، لم يكن الأول ولن يكون الأخير، فقد سبق ل”إسرائيل” أن قصفت ما ادّعته أنه “منشأة نووية” سورية في العام 2007 ليتبين فيما بعد، أنها معهد بحثي . ثم قامت بقصف “أحد مراكز لتعزيز القدرات الدفاعية”، كان ذلك في بداية هذا العام . ردود فعل سوريا على الاعتداءات الثلاثة تتمثل في جملة واحدة تتكرر في كل مرة: “ستقوم سوريا بالرد في الزمان والمكان المناسبين” . ومع احترام رد الفعل السوري وتقدير الظروف التي تمر بها سوريا حالياً، لكن العدوان الأخير هو أكثر من عملية قصف، إنه إعلان حرب على هذا البلد العربي، جوهره صهيوني لكنه يأتي بغطاء أمريكي في كل مرة، فإعلان أوباما لتبرير العملية “إن من حق “إسرائيل” الدفاع عن النفس وهذا يمتد ليشمل حماية نفسها من نقل أسلحة متطورة إلى منظمات إرهابية مثل حزب الله”، يعد بمنزلة الإذن الأمريكي للكيان الصهيوني ليستبيح ليس الأراضي السورية فحسب، وإنما كل الأراضي العربية . إن تصريح أوباما يصب في السياق نفسه لتصريح نتنياهو الذي يبدو وكأنه يسخر ويستهزئ من العرب جميعاً حينما قال “إنّ والده علّمه المحافظة على أمن “إسرائيل”” . لكل ذلك القصف فإن الأخير كان بحاجة الى رد وردع من جنس الفعل .



لقد سبق ل”إسرائيل” أن قامت بقصف ما ادّعته “قافلة أسلحة” في السودان، وقامت بقصف المفاعل النووي العراقي في العام ،1981 واستباحت أقطاراً عربية أخرى: تونس، ولبنان وغيرهما، وظلت كل هذه الاعتداءات الهمجية من دون ردود، وهو ما يساعد “إسرائيل” ويشجعها على المضي قدماً في هذا النهج . كان هذا أيضاً بضوء أخضر أمريكي من دون إكتراث بردود الفعل العربية ولا بالقوانين الدولية، فتصبح اعتداءاتها على الفلسطينيين وعموم العرب، على أرضهم وسمائهم ومياههم الإقليمية مسألة طبيعية، وقد سبق ل”إسرائيل” أن قامت بإسقاط طائرة مدنية ليبية، كما أجبرت طائرة ركاب سورية على الهبوط في أحد مطاراتها، وغير ذلك من أشكال العدوان .



يلفت النظر في توقيت العدوان الأخير على قاسيون وجمرايا والهامة بعد التنازلات العربية التي أعلنها وفد الجامعة العربية في واشنطن، عن قبول الجامعة بإجراء تعديلات لحدود العام 1967 مع “إسرائيل” (هذه التنازلات قوبلت بسخرية تامة من نتنياهو من خلال تصريحات مستشاره مولخو، وأقوال تسيبي ليفني في اجتماعهما المشترك مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري) . هذا يبدو وكأن “إسرائيل” تحرص على إيصال رسالة إلى كل العرب، فحواها: إن ما لا ترضونه بالسلم سيتم فرضه عليكم بالقوة المسلحة . وإنكم ستوافقون أولاً وأخيراً على ما تريده “إسرائيل”، سواء بالنسبة للاعتراف بها “كدولة يهودية” أو التطبيع معها دون شروط مسبقة .



من بين أهداف الدولة الصهيونية من عدوانها السافر على دمشق، إيصال رسالة إلى الولايات المتحدة، من أنها قادرة على التعامل مع ما تعتبره “تحديات تواجهها” بشكل منفرد، ودون الاعتماد على أي كان(حتى الولايات المتحدة)، فالضربة الأخيرة قد تكون مقدمة لاعتداءات “إسرائيلية” على أهداف عسكرية سورية أخرى أو مقدمة للقيام بهجوم على المشروع النووي الإيراني .



من أهداف العدوان “الإسرائيلي” أيضاً، التقليل ما أمكن من إمكانات الجيش السوري الذي يمتلك وفقاً للخبراء أسلحة متطورة وصواريخ قادرة على الوصول إلى العمق “الإسرائيلي” . العدوان يهدف إلى قصقصة أجنحة القدرات القتالية لهذا الجيش على غرار ما جرى للجيش العراقي، وهو اختبار لوحدة ردود الفعل في مثلث التحالف السوري - الإيراني - المقاومة .



إن من مصلحة “إسرائيل” استمرار الصراع في سوريا سنوات طويلة أخرى، فهذا يعني إخراج القدرة العسكرية السورية من معادلة الصراع مع الدولة الصهيونية .



لقد لوحظ في رد الفعل السوري على العدوان الصهيوني الأخير، أنه جاء متقدماً وقوياً في صياغته، مقارنة مع ردود الفعل السورية على الاعتداءات الأخرى، فقد أعلن الناطق الرسمي السوري ما فحواه “أن القوة الصاروخية السورية جاهزة تماماً، وتم تحديد أهداف كثيرة لضربها في “إسرائيل” في حالة تكرار العدوان ودون العودة إلى القيادة” . كذلك جرى الحديث عن سماح سوريا للفصائل الفلسطينية بالمقاومة من الجولان . روسيا من جانبها حاولت التهدئة، وسارع وزير خارجيتها ونظيره الأمريكي إلى الاجتماع في موسكو واتفقا على عقد مؤتمر دولي للبحث في تسوية سياسية للأزمة يحضره الطرفان الحكومة والمعارضة، وسارع بوتين إلى استقبال جون كيري، وكذلك أيضاً إلى الاتصال بنتنياهو .



يبقى القول، إن الاستخفاف الصهيوني بسوريا وبالعرب جميعاً سيظل دائماً، وستبقى الدولة الصهيونية تمارس اعتداءاتها على الدول العربية وبغطاء وضوء أخضر أمريكي (بالطبع) ما لم يرتق مستوى الرد السوري والعربي عموماً إلى “كيل الصاع صاعين” . 



*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.