الوهم النووي
الثلاثاء, 30-أبريل-2013
غاريث إيفانز -
يجتمع ممثلو 189 دولة للإعداد لمؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي الذي من المفترض أن يعقد في سنة ،2015 تذكرت الإيجاز الرسمي الأول الذي استمعت إليه عندما كنت وزيراً أسترالياً شاباً في أوائل الثمانينات عن الاستراتيجية النووية للولايات المتحدة الأمريكية . لقد تم تقديم هذا الإيجاز الرسمي لي في “البنتاغون” من قبل رجل يرتدي سترة بيضاء ويحمل مؤشراً ليساعده على الشرح وكان يشبه الممثل الأمريكي ودي آلن .

لم يقل هذا الرجل الشيء الكثير عن الأعداد التي لا حصر لها من البشر الذين يمكن أن يتبخروا أو ينسحقوا أو يتعرضوا للحرق والغليان، أو أن يموتوا بسبب الاشعاع لو اندلعت حرب نووية في يوم ما . لقد كانت اللغة التي استخدمها الرجل باردة وتقنية حيث تركز الحديث عن أهداف تتعلق بإظهار القوة والبقاء على قيد الحياة والقوة المضادة والقيمة المضادة، ولكن كان الشرح شرحاً مذهلاً للمنطق من وراء الردع النووي وآليات ضمان التدمير المتبادل التي كانت في أذهان الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة .

أما اليوم، وبعد ثلاثين سنة من تلك الفترة فإن عالمنا اليوم ليس هو العالم الذي سوف يجعل موسكو أو واشنطن تقومان بإطلاق الصواريخ النووية على بعضهما بعضاً (وربما لم يكن كذلك في أي وقت مضى)، كما أن العالم اليوم لا يبدو أنه سوف يجعل الصين أو الولايات المتحدة تقومان بشكل متعمد بالبدء بحرب نووية ضد بعضهما بعضاً .

وحتى بالنسبة إلى الهند والباكستان، فإن خطر سوء الحكم أو سوء التقدير هو أكبر بكثير من خطر الحرب النووية المتعمدة وبالنسبة إلى كوريا الشمالية أو إيران لو تمكنت تلك الاخيرة من صنع أسلحة نووية فإن خطر أن يقوم النظام بالبدء بهجوم نووي ضئيل للغاية، نظراً لإن قيامه بذلك سوف يؤدي إلى الهلاك المحتم .

لا يوجد الكثيرون هنا في جنيف، وحتى من الدول النووية يختلفون مع أي من تلك التحليلات ولكن من الغريب هو معرفة العدد الكبير من أولئك الأشخاص اليوم الذين ليس لديهم أراوح والذين يشبهون الشخص الذي قدم لي الإيجاز في بداية المقال ويعملون في مجال صنع السياسة النووية .

تشعر روسيا بالقلق من أن صواريخها التي تحمل رؤوساً نووية والتي توجد أغلبيتها في مواقع ثابتة يمكن تدميرها على الأرض من قبل صواريخ أمريكية طويلة المدى في ضربة استباقية كما يمكن أن يضعف نظام دفاع الصواريخ البالستية الأمريكية ضربة الروس الانتقامية، وبالرغم أنه لا يمكن لروسيا أن تشير إلى أي سيناريو يمكن بموجبه أن يحصل ذلك فإنها لا تزال تتلكأ في ما يتعلق بالمزيد من محادثات خفض الأسلحة كما تصر على الاحتفاظ بنحو ألف من أسلحتها النووية الاستراتيجية في وضعية الإطلاق بعد دقائق من سماع الإنذار .

وعليه، فإنه من غير المفاجئ أن ترفض الولايات المتحدة أن تزيل خاصية التأهب من صواريخها النووية طالما لم تقم روسيا بذلك، ما يعني أنه لا يزال هناك ألفان من صواريخ الدمار الشامل تقريباً تواجه بعضها بعضاً في حالة تأهب قصوى ما يزيد من احتمالية وقوع كارثة من خلال خطأ بشري أو خطأ في الأنظمة أو تدمير حاسوبي .

إن هذا المنطق المتعلق بالردع يؤدي إلى تأثير كرة الثلج فكون روسيا والولايات المتحدة تحتفظان بثمانية عشر ألفاً من المخزون العالمي الحالي والبالغ تسعة عشر ألف سلاح نووي فلقد ثبت أنه من المستحيل إقناع أي من الدول النووية الأخرى بتخفيض ترساناتها من الأسلحة النووية (الأقل كثيراً) حتى يقوم الاثنان الكبيران بإجراء تخفيضات كبيرة على ترساناتهما النووية .

إن الصين تشاطر روسيا مخاوفها في ما يتعلق بالتفوق الأمريكي في مجال أنظمة الدفاع التقليدية والصاروخية، وهي تقوم بزيادة وتحديث مخزونها المقدر بمئتين وأربعين سلاحاً ومع اتخاذ الصين لهذا المسار فإن الهند - خارج معاهدة عدم الانتشار ومع امتلاكها 100 سلاح - تشعر بالحاجة لزيادة مخزونها الحالي وعندئذ تصبح الباكستان أكثر تصميماً على أن تحاول أن تسبق الهند .

إن الحقيقة هي أن أياً من الدول المسلحة نووياً داخل أو خارج معاهدة الانتشار النووي تقوم بالمداهنة في ما يتعلق بإزالة الأسلحة النووية في نهاية المطاف . إن استمرار إغراء قوة منطق الحرب الباردة ولغة الردع النووي هو السبب الرئيس بالرغم أنه بالنسبة لبعض الدول فإن من الواضح أن عامل التيستيرون - أي المكانة والهيبة التي يتم تصورها - تلعب دوراً كذلك .

إن خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي يرفع المعنويات والمؤيد لنزع الأسلحة يعكس ذلك، فلا توجد دولة تملك السلاح النووي سوف تحدد جدولاً زمنياً لإجراء تخفيض كبير في أسلحتها النووية فضلاً عن إلغائها . إن حجم تلك الترسانات لديهم إضافة إلى مخزوناتهم من المواد الانشطارية وخططهم لتحديث القوة وعقيدتهم المعلنة وممارساتهم المعروفة في ما يختص بالانتشار، جميعها تصب في اتجاه واحد، فالجميع يتوقع الاحتفاظ إلى ما لانهاية بأسلحتهم النووية وأن تستمر تلك الأسلحة في تأدية دور يتعلق بسياسات الأمن الخاصة بهم .

إن أبعاد هذا الموقف مثيرة للقلق بشكل كبير، فالمخاوف من قيام دول في الشرق الأوسط وشمال شرق آسيا بالانضمام إلى النادي النووي لا تزال كبيرة كما كانت دوماً في الماضي، لكن تلكؤ الدول النووية في ما يتعلق بنزع الأسلحة تجعل من الصعوبة بمكان أن نجعل نظام عدم الانتشار العالمي أكثر صرامة .

لقد كان ذلك واضحاً في مؤتمر مراجعة عدم الانتشار النووي لسنة 2010 حيث فشلت الجهود للتفويض بعمل ضمانات أقوى وتقوية آليات الالتزام والتنفيذ وإحياء عملية السيطرة على إنتاج المواد الانشطارية، وهذا الشعور لا يزال قوياً في جنيف هذا الأسبوع .

بالطبع، فإن من غير المنطقي لأولئك الذين هدفهم النهائي هو عالم خال من الأسلحة النووية أن يدعموا أي شيء أقل من أقوى الإجراءات لعدم الانتشار، ولكن التعطيل هو بمثابة ردة فعل طبيعية وحتمية عندما يرى القادة إزدواجية المعايير - المخاوف الأمنية لدي تبرر الأسلحة النووية ولكن مخاوفك الأمنية لا تبرر ذلك - منتشرة على نطاق واسع .

إن التقدم باتجاه عالم أكثر أمناً وعقلانية يتطلب من جميع الدول المسلحة نووياً أن تتخلى عن عقلية الحرب الباردة وتعيد التفكير في الاستفادة الاستراتيجية من الرادع النووي في الظروف الحالية وتعيد تقييم المخاطر الكبيرة المرتبطة بالاحتفاظ بتلك الترسانات . لقد حان الوقت لهؤلاء أن يقروا بأنه في عالم اليوم فإن الأسلحة النووية هي المشكلة وليست الحل .

* وزير خارجية أستراليا من سنة 1988-1996 وهو رئيس جامعة أستراليا الوطنية، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.