“كاموفلاج” إخواني
الخميس, 25-أبريل-2013
أمينة أبو شهاب -

كيف يمكن للطاقة الجهادية لبعض التنظيمات الإسلامية ممثلة في شبابها أن تصبّ بعلم واختيار مغلوط أو من دون علم لمصلحة مشروع الدمار العظيم والممنهج والقائم الحدوث منذ زمن في الوطن العربي على يد قوى الهيمنة الغربية؟ كيف يمكن للطاقة الجهادية الوافرة الوجود والحضور لدى الشباب أن تسلَّط على بيئتها وأوطانها وأماكن وجودها وليس في المحيط الجغرافي الأبعد، وأن تكون “الكاموفلاج” أو الغطاء الجهادي الطبيعي لجريمة الدمار الشامل والفوضى والقتل والإطاحة بكيانات الدول؟ إن الحاجة إلى “الكاموفلاج” تأتي ببساطة من حقيقة مشاركة قوى الهيمنة في ما يحدث وتسخيرها في سابقة تجريبية لم تحدث سابقاً للطاقة الجهادية في التغييرات السياسية العاصفة وإطاحة كيانات الدول .

لقد شهد الوطن العربي المثال السياسي الأول الحي لهذا الاستخدام “الوظيفي” التجريبي المدروس في ليبيا التي قدمت صورة واضحة للتصالح ما بين المشروع السياسي الإخواني والهدف الغربي في المنطقة العربية . إن حرب النفط الليبية المغطاة بكاموفلاج إسلامي سياسي كانت نتيجة للتصالح والتعاهد الإخواني - الغربي، وكانت على طول هذا الخط الذي ارتسم وتمكن كما كانت على طول حدوده .

كانت تلك الحرب “جهاداً” من أجل “الديمقراطية” وجمعت المجاهدين السابقين من بقاع متعددة من العالم واستخدمتهم بروح جهاديتهم مهيئة لهم الوجود الذي يستبدل الدولة من خلال تنظيمات ممولة، ثم إظهار وجودها وتقويتها . لقد حلت هذه التنظيمات محل الدولة المقضي عليها وعلى الجيش والمؤسسات المدنية، وفرضت هذه التنظيمات ظلامية الفوضى وشرع الكيانات القبلية المتناحرة، وهو شرع ما قبل الدولة .

إن كان استهداف وجود الدولة العربية بتعدد أشكالها قد غدا واضحاً كاستراتيجية غربية، فإن إسلاميي “الجهاد” المتحالف مع “الديمقراطية” كانوا في التوظيف الغربي هم الحديد الذي يفل قوة الدولة، إذ من دون هؤلاء لم تكن لتسقط الدولة في ليبيا مثلما أن قوى المعارضة السورية التي تقاتل الجيش هي لا شيء من دون “جبهة النصرة” التي ظهر اسمها فجأة بعملياتها الانتحارية وتفجيراتها واغتيالاتها وتأجيجها للصراع الدموي .

لقد ثبت أن كل تنظيم “جهادي” عربي من نوع “جبهة النصرة” هو متفرع من جماعة الإخوان، وله أصل فيها ويرتبط معها عقائدياً عبر المفكرين الإخوانيين من مثل سيد قطب .

اللافت في الموضوع السوري والليبي هو كيفية استخدام التنظيم الإخواني للتنظيمات الجهادية بشكل انتهازي ممنهج لجني النتائج المترتبة على عمليات هذه التنظيمات ضد الدولة والجيش في سبيل الاستيلاء على السلطة وامتلاك القرار . وكما يوظف الإخوان حلفاءهم السلفيين لمصلحتهم السياسية في تجربة الحكم في مصر وتونس فإن التنظيم في سوريا يوظف العنف الموجه ضد الحكم والدولة السورية لمصلحة مستقبل حكم إخواني، ولذلك دافع الإخوان طويلاً عن “جبهة النصرة” باعتبارها حليفاً في “الجهاد” من أجل “الديمقراطية”، نافين عنها فعل العنف المفرط وقتل المدنيين، ومؤكدين على محاربتها للنظام فحسب . إنهم ينتظرون تسلم السلطة في سوريا باعتبارهم الفصيل المؤهل والمقبول أمريكياً للحكم، وذلك بعد تمهيد “جبهة النصرة” لهم بخراب البلد وانهيار الدولة .

ومثل تبرير استخدام الجهاد لدمار الأوطان وإحراقها وخرابها، فإن دعوة محمد رياض الشقفة المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا، للتدخل الأجنبي في سوريا تحت مبرر الديمقراطية وما تمثله من بوابة مفتوحة للمجهول والفوضى وسقوط الكيانات، مثل هذه الدعوة تمثل الخط الإخواني الذي تتوازى معه أفعال تلك التنظيمات في جلب الظلامية والفوضى للأوطان العربية .

إن التدخل الأجنبي هو مرحلة دمار وفوضى سياسية ومجتمعية والدعوة إليه تمثل مشروع الإخوان السياسي الذي يرهن الأوطان العربية ووحدة المجتمعات وأمنها بالمصلحة الإخوانية ومتطلبات التحالف مع الغرب .

لقد التقى المعول الإخواني في هدم أسس الدولة العربية وإحداث الفوضى في المجتمعات مع المعول الآخر في ظلامية وعبث بالدين والقيم السياسية لا مثيل لهما .


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.