تحقيق السعادة وظيفة ملزمة لنظام الحكم
الأربعاء, 24-أبريل-2013
عاطف الغمري -
يربط علماء السياسة في الغرب، وبين العرب أيضاً، كما هي الحال - مثلاً - عند الفيلسوف الفارابي، بين السعادة، ووظيفة الحكومة، ونظام الحكم .

وهو ما نصّت عليه صراحة دساتير كثير من الدول، وما أكده إعلان الاستقلال الأمريكي، عن السعي من أجل تحقيق السعادة، وما استكمله الدستور الأمريكي، من أن هذا السعي، تحققه قوانين مكلّفة بها الحكومة .

وللسعادة شروط، إذا تلاشت اختفت الأمة، بمشاعر اليأس، والإحباط، والتعاسة والشقاء . حتى أن كثيراً من العلماء الذين عكفوا على دراسة هذه القضية، اتفقوا على أن للسعادة، أو التعاسة، خاصية العدوى، بحيث يمكن القول إن هناك دولاً سعيدة ودولاً تعيسة .

. . فأين نحن الآن من هذا التوصيف؟

في إبريل/نيسان ،2012 نظمت الأمم المتحدة مؤتمراً عن حالة السعادة في العالم، استعرض الوضع في 158 دولة، قام بجمع المعلومات عنها، الألوف من الخبراء المتخصصين، وأظهرت النتائج التي توصل إليها المؤتمر، أن الدول العشر الأولى الأكثر تمتعاً بالسعادة، جاءت كلها في شمالي أوروبا، ولم تكن من بينها دول كبرى وغنية كفرنسا، وألمانيا . بل إن الولايات المتحدة هبطت إلى المركز الثاني عشر .

وحسب التقرير فإن الثراء الاقتصادي، لم يكن السبب الأول، ضمن الأسباب التي حققت السعادة لهذه الشعوب، بل سبقته في الترتيب، أسباب أخرى، جمعها تقرير الأمم المتحدة، وأكدتها دراسات أخرى موازية لعدد من الجامعات منها جامعة كولومبيا الأمريكية .

وأول هذه الأسباب: الحرية السياسية، وشعور الإنسان بأنه حر الإرادة، ومتانة العلاقات الاجتماعية في الدولة، وقدرة المواطن على الاختيار الحر، من دون قيود أو مؤثرات، وارتفاع معدل النموّ الاقتصادي، وإحساس المواطن، بأن أمامه أملاً محسوساً في مستقبل أفضل، وأن الفرص متاحة له للتمتع بحياة آمنة، ولتحقيق ذاته في بلده .

وإذا انعدمت حرية الإرادة، فإن أول ما يشعر به المواطن هو الخوف . والخوف من طبعه أنه يولد في المجتمعات أحط القيم وأسوأها . ويزداد الشعور بالخوف، إذا شعر المواطن بأن الدولة فقدت هيبتها، وانفلت من يدها سوط القانون . فالدولة العاجزة، غير القادرة على الإمساك بزمام العدالة، تزيد الإحباط، وتنشر شعوراً ثقيلاً بالتعاسة .

وحين نعود إلى السؤال الذي طرحته في البداية: أين نحن من هذا التوصيف؟ فإن أنظارنا تتوقف تلقائياً أمام الشعور العام بالاكتئاب، الذي صار ممسكاً بتلابيب مشاعر الناس .

كانت بداية الخيط في انتشار هذا الشعور بالهم الاكتئابي، هي حدوث انقلاب نفسي، نقل المشاعر من أعلى مراتب التفاؤل في الثمانية عشر شهراً الأولى من بعد 25 يناير/كانون الثاني ،2011 إلى قاع الإحباط النفسي، وترتب على هذا الانقلاب، تحول من حالة الرضا المجتمعي العام، إلى الغضب العام .

ويكفي تدليلاً على هذه الحالة ما قررته بيانات رسمية تشخص ما جرى . ففي إحصائية صادرة عن الأمانة العامة للصحة النفسية التابعة لوزارة الصحة، أن عدد المرضى النفسيين، الذين يترددون على مستشفيات الأمانة العامة، بلغ في عام ،2012 340 ألفاً و620 مريضاً، مقارنة ب 15 ألفاً و150 مريضاً عام 2010 .

مع الأخذ في الحسبان، من لجأوا للعلاج إلى مراكز طبية خاصة، أو من لا تسمح لهم قدراتهم المالية، بالذهاب إلى أطباء طلبا للعلاج .

وأرجع المسؤولون في هذه الأمانة العامة، هذه النتيجة إلى عوامل متعددة، من أهمها: التفكك المجتمعي، والانفلات الأمني، وزيادة الضغوط الاقتصادية، وارتفاع أعباء المعيشة . يضاف إلى ذلك بالطبع ارتفاع نسبة الفقراء، من بعد ثورة 25 يناير، إلى 60% من المصريين، بتأثير مختلف العوامل المشار إليها، والتي أوقفت عجلة الإنتاج، وغياب أي خطة استراتيجية للتنمية الاقتصادية، وإدارة الدولة بقرارات عشوائية، لا رابط بينها، وتخلو من أي دراسات مسبقة، تستطلع نتائج القرارات إيجاباً وسلباً .

لقد أدت كل العوامل المسببة لهذه العلة النفسية، إلى إحلال مشاعر التعاسة، محل الشعور بالسعادة، بينما تحقيق السعادة هو في مركزية وظيفة الحكومة، وأي نظام حكم . ودفع هذا الوضع، إلى سؤال يتردد على ألسنة الناس، كلما واجهتهم أزمة قاسية، أو محنة عاتية، بصور متكررة، بينما الدولة بلا سياسة، توقف تتابع الأزمات والمحن .

ويتكرر السؤال: أين الدولة؟ وفي غياب إجابة عملية، بعيداً عن مجرد الكلام، يتعمق فقدان الثقة، ويزداد الإحباط والاكتئاب .

إن من الطبيعي، أن الناس يعيشون في كنف دولة، والدولة بالضرورة لها مواصفات، يشهد عليها سلوك الحكم، بسياسات، ترسّخ الشعور بأن الدولة موجودة ومهابة، وأنها قادرة ومستعدة، لضبط الأمور بالقانون، وبتطبيقه على الجميع من دون استثناء، وعلى كل من يفتّ في عضد الدولة، ومن يضعف من هيبتها .

فالدولة قامت أصلاً، لتنقل الناس من حياة الهمجية البدائية، إلى مجتمع يجمع الناس معاً، ويربطهم، بما يحقق الخير لهم جميعا، دون تمييز أو تحيّز، وأنه لا طريق إلى ذلك، إلا بإعمال القانون، وفرض احترامه .

وقد يبدو مصطلح السعادة، وكأنه تعبير عام ومطلق، لكن ربطه في دساتير كثير من الدول، بوظيفة الحكومة، ونظام الحكم، قد جاء بصورة بلورت معناه، في شكل محدد، تجسد خطوات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، حين يلتزم بها النظام فإنها تصل في النهاية، إلى تحقيق الشعور بالسعادة بين الناس .

عندئذ تكون الدولة قد أدت المهمة التي أوكلها إليها الشعب، وإذا لم تتحقق السعادة يكون النظام قد أخلّ بالتعاقد بينه وبين المجتمع، وتقاعس عن أداء الوظيفة المكلف بها .


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.