ما على “الإخوان المسلمين” أن يجيبوا عنه
الاثنين, 22-أبريل-2013
عبد الاله بلقزيز -

دافع “الإخوان المسلمون” السوريون، قبل أشهر معدودات، عن “جبهة النصرة” حين اتهمتها الإدارة الأمريكية بالتطرف والإرهاب، وطالبت المعارضة السورية بتطهير صفوفها منها حتى تتلقى الدعم المالي والعسكري من دول الغرب . وما اكتفى “الإخوان” بنفي التهمة عن الجبهة، بل أصروا على حسبانها شريكاً في “الجهاد” من أجل “الديمقراطية” في سوريا . ولسنا ندري ما سيقوله “الإخوان” بعد إعلان “جبهة النصرة”، “تجديد البيعة” لزعيم تنظيم “القاعدة” . كما لسنا ندري كيف يكون موقفهم - وهم التيار المسيطر على “المجلس الوطني” - من دعوة زعيم “القاعدة” إلى إقامة “إمارة إسلامية” في بلاد الشام، تكون مقدمة لإعلان “الخلافة” الإسلامية، وتسخير “جهاد جبهة النصرة” لتحقيق هذه الغاية!

هل يقبل “الإخوان” بمشروع “الإمارة الإسلامية” التي تُعْقَد بيعتها - لغيرهم؟ وهل يقبلون بأن يكون العاملون لها، من مقاتلي “جبهة النصرة”، في جملة حلفائهم في “الجهاد” من أجل “الديمقراطية”؟

ليس هذا، وحده، ما على “إخوان” سوريا أن يجيبوا عنه، ثمة الكثير مما ينبغي أن يجيبوا عنه من أسئلة يطرحها “الرأي العام” على سلوكهم السياسي، بل ويطرحها حتى بعض حلفائهم في المعارضة . إذا كان حليفهم (“الجيش السوري الحر”) - الذي استهجن بيعة “جبهة النصرة” زعيم تنظيم “القاعدة” - قد أفصح عن بَرَمِهِ بمنزَع “الإخوان” إلى التسلّط والهيمنة ومحاولة احتكار التمثيل والقرار داخل المعارضة، فماذا ترك لغيره من قوى المعارضة كي تقوله في حق “الإخوان”، وخاصة منها قوى المعارضة الوطنية غير الطائفية، وغير المراهنة على العنف المسلح طريقاً إلى التغيير، ولا على توسّل التدخل الأجنبي لإسقاط النظام والدولة والوطن؟ وماذا ترك لملايين المواطنين السوريين النازحين من مدنهم وأحيائهم وديارهم، منذ جاءتهم جيوش “المحررين” مبشرة إياهم بعهد “ديمقراطي” جديد: تُجَز فيه رؤوسُ العلمانيين والمسيحيين و”الروافض” و”الباطنية”، وتُفرض فيه أحكام الذمة، وشريعة أنصاف الفقهاء على الناس جميعاً، وعلى النساء بوجه خاص؟

إن “الإخوان المسلمين” مسؤولون عن الكثير من وقائع هذه الفوضى التي تضرب، بمعاولها، وحدة المجتمعات العربية واستقرارها، هم مسؤولون لأنهم القوة الرئيس في المعارضة السورية، والمتحكم في أطرها التنظيمية والقرار فيها، وهم مسؤولون لأنهم يسيطرون على السلطة في دول مثل مصر وتونس وليبيا، وهم مسؤولون لأنهم يُحالفون الدولة الأعظم في العالم وأخواتها في أوروبا، ويَحْظَون برعايتها لمشروعهم السياسي في هذه المرحلة من تاريخ الوطن العربي، وهم مسؤولون لأنهم يُغطون جماعات قتالية، نقلت “جهادها” من “دار الحرب” إلى “دار الإسلام”، ويسبغون عليها أردية الشرعية بوصفهم إياها جماعات مشاركة في التغيير “الديمقراطي”، وهم مسؤولون لأنهم ركبوا خيار الكفاح المسلح، وهم يعلمون أنه إلى الحرب الأهلية مُفْضٍ، وهم مسؤولون لأنهم دخلوا في لعبة التقاطب الطائفي والمذهبي، وهم يعلمون أنه أقصر السبل إلى تفجير الكيانات والأوطان . . إلخ .

إن الواحب الوطني والسياسي، المادي والمعنوي، بل والواحب الديني، يقتضي من “الإخوان” وقفةً مع النفس، للمصارحة والمراجعة والنقد الذاتي الشجاع . إن التاريخ وذاكرة الشعوب لا يرحمان، ودماء الناس، وكراماتهم المستباحة، وحرياتهم المهدورة، ومقدراتهم المسلوبة، ووحدتهم المشروخة، لن تكون اكليلاً لمن كان سبباً في إنتاجها، وإنما ستلاحقه كاللعنة إن لم يتدارك أمرها بإصلاح الأخطاء، وتصويب الرؤية، وترشيد السلوك السياسي تجاه مصير الجماعة الوطنية . وليس هذا وعظاً فارغاً لمن أَلِفوا أن يَعِظوا الناس، قبل تذوّق طعم السلطة، وإنما هي مناشدة للوقوف وقفة تفكير في مدى صواب السير في هذا الطريق الوعر الذي لا يستنكره، اليوم، خصوم “الإخوان” التقليديون، ممن كانوا - دوماً - يتصيدون أخطاءهم ليقيموا الحجة عليهم، بل يستنكره قادة سابقون في “الإخوان” هالَهم أن تصل الأمور ب “الجماعة” إلى هذا الحد من الاستخفاف بمصير الشعب والدولة والوطن، وإلى هذا الحد من التنكر لكل القيم التي دافعت عنها في الماضي .

ولا يقتصر نقد هؤلاء ل “الإخوان” على موقف الأخيرين من الأزمة السياسية في سوريا، وركوبهم وَهْمَ الحسم العسكري الذي تدفعهم إليه تركيا وفرنسا وبعض الرعاة العرب، ورفضهم مبدأ التسوية السياسية، ودعواتهم إلى التدخل الأجنبي لإقامة “مناطق آمنة”، وإلى تسليح “الثورة السورية” . . إلخ، وإنما هو يشمل سياساتهم المطبّقة في مصر وتونس، وليبيا، والتي تُشعل سعير التظاهرات والاحتجاجات عليها، وتطلق عفريت الفتنة الطائفية من قمقمه، وتضع الوحدة الوطنية قيد المجهول! ولقد آن الأوان ل “الإخوان” أن يُصْغوا إلى هذا الكم الهائل من النقد الصادر من مجتمعاتهم ونخبها المعارضة، والكف عن حسبانه مجرد مضاربات سياسية، بل وآن الأوان لأن يقوموا - هم بأنفسهم - بمحاسبة ذاتية جريئة ترفعهم إلى مستوى الأحداث والتحديات، قبل أن تجرفهم تطورات مفاجئة قد لا تنفعهم صداقة أصدقائهم الغربيين والإقليميين في كبحها .


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.