الجريمة والعقاب في الدوحة
السبت, 13-أبريل-2013
عبد العزيز الخميس -

خلال كتابة هذه السطور يفتتح في عاصمة قطر مؤتمر عن غزو العراق وما نجم عنه من تداعيات. مناسبة لحديث ولغط يبدو من بعيد وكأنه ضجيج لا أكثر. هذا ليس حكما على قيمة المشاركين في «المندبة»، فهم لا شك أناس طيبون نواياهم حسنة يحركهم الحزن إلى ما آلت إليه أمور العراق بسبب الغزو الذي انطلق من قطر التي يجتمعون فيها.

يتزامن هذا مع برامج وحوارات استثنائية في قناة الجزيرة الواقعة على بعد سبعة كيلومترات من موقع المؤتمر. والأهم من كل هذه الإحداثيات والمواقع الجغرافية أن نذكر أن اللقاء عن العراق يقع على بعد 30 كيلومترا من قاعدة السيلية العسكرية الأميركية التي خطط منها للحرب ومنها انطلقت عملية الغزو ومنها أدارت الولايات المتحدة عملياتها القتالية.

لا نجد تفسيرا لهذا الوضع الشاذ سوى في دفاتر علم النفس المتعلقة بسيكولوجية الإجرام. القائمون على أمر قطر لا القائمون على المؤتمر، مهوسون بغزو العراق. الدافع ليس الندم أو التكفير عن الذنب. الدافع غير مفهوم تماما لأنه لا يحركه العقل بل رغبة كاسحة في التمرغ بتراب الجريمة بشكل لا يستطيع المجرمون منه فكاكا.

فالمجرم يعود مرارا وتكرارا إلى مسرح الجريمة. هذا معروف وتستخدمه الشرطة لإلقاء القبض على القاتل. لكن الأهم هو أن المجرم لا يستطيع الفكاك من متابعة أنباء جريمته وما جد من آثارها وسير التحقيقات وكل ما يتعلق بها. هذا هاجس معروف يعرضه شكسبير الذكي جدا في مسرحية «ماكبث» ويغوص فيه الرائع دوستويفسكي في روايته «الجريمة والعقاب».

الرغبة في الغوص في أعماق الجريمة لدى مرتكبها ليس له دافع عقلاني أو ذهنية حاضرة، لأنه لو كان كذلك لامتنع المجرمون عن القيام به ولردعوا أنفسهم ولضاعت على المحققين فرصة إلقاء القبض عليهم بهذا المنهج. لكنها رغبة غير مفهومة يحركها اللاوعي ولا يمكن الكفاف عنها. وبهذا ستظل الدوحة محكومة أبدا برغبة لا تقاوم في تسقط أخبار العراق ودعوة الناس إلى القدوم الى الدوحة، والحديث عن ذلك البلد حينذاك فقط تشبع دوافعها المحمومة التي يثيرها الضلوع في جريمة.

ليس في كل هذا ما يبعث على الابتسام بل هو أدعى إلى التجهم والكآبة. لكن ما جعلني أبتسم وأنا اقرأ تفاصيل المؤتمر وأوراقه هو عنوان ورقة تقول وسط كل هذا الحديث واللغط الذي لا ينقطع في الدوحة حول العراق «غزو العراق …الجريمة التي لا يرغب أحد في الحديث عنها». لا أعلم لماذا تذكرت ما كتبه ونستون تشرشل عن رئيس تحرير صحيفة الـ»تايمز» في الأربعينيات حين قال «هذا رجل يستخدم ثلاثة آلاف كلمة ليقول إنه عاجز عن النطق».

إن ما يلفت النظر في الجريمة والعقاب في «نسختها القطرية» أن المؤلف يتحدث عن أن الفقر ليس رذيلة بل البؤس هو أم الرذائل، وهو ما نراه اليوم سائدا في العلاقات المصرية القطرية حين تستغل حاجة شعب نبيل في مصر للمساعدة فيعيّر بها من قبل إعلاميين يمثلون الصوت القطري ويُنسى أن البؤس الذي تعيشه مصر ليس سببه الفقر حيث تظل الشعوب محتفظة بنبلها في فقرها المدقع، لكن أن تعير البارحة بفقرها ثم يشترى غضبها بثلاثة مليارات يورو من السندات فهذا بيان فاضح لإيغال البعض في التبضع بالشعوب وحاجاتها وترسيخ تام لصنع البؤس المصري. أخشى تكرر سيناريو «الجريمة والعقاب» لكن هذه المرة ليس في العراق بل في مصر وليس بالقواعد العسكرية بل بالسندات النقدية، حيث يتم فرض ودعم الإخوان وتنظيمهم بالقوة ثم سيتم التباكي على ما حدث في مصر من خراب ودمار وفوضى. على كل حال، مؤتمر مركز الدراسات في الدوحة دعوة مغرية بالعودة إلى قراءة «الجريمة والعقاب» لدوستويفسكي.


*. نقلاًعن صحيفة العرب اللندنية.