الجامعة العربية من الحقبة المصرية إلى الحقبة القطرية
السبت, 30-مارس-2013
فاروق يوسف -

بمنح مقعد سوريا الرسمي لجماعات المعارضة السورية تكون الجامعة العربية قد انتقلت من الإطار التنظيمي البيروقراطي المتزمت إلى إطار تنظيمي جديد، يغلب عليه الارتجال والقرارات ذات الطابع الانفعالي الذي هو زخرف كل فوضى. الأمر الذي يجعلنا على يقين من أن الجامعة العربية صارت خفيفة مثل قطر بعد أن كانت ثقيلة مثل مصر. لم يحدث هذا التحول فجأة.

كان نظام حسني مبارك قد لعب دورا كبيرا في إفراغ الجامعة العربية من محتواها، باعتبارها مؤسسة جامعة، هي أشبه بالأم. وكان ذلك الإفراغ واضحا بشكل جلي أثناء أزمة الكويت عام 1990، التي لعب الرئيس المصري السابق دورا مهما في إعاقة أي حل عربي لها. فكان أن اهتزت الثقة بالجامعة حين لجأت إلى تغليب الحل العسكري للأزمة والموافقة على تدمير بلد عربي هو العراق وإلحاق الضرر بشعبه.

في المقابل فإن الجامعة العربية كانت عاجزة تماما عن حل أي خلاف عربي ــ عربي. وحتى موقعها في الأمم المتحدة لم يكن إلا من أجل التزيين والتنويع. غير أنها في الأزمة الليبية كانت رأس حربة استعملتها دول عربية بعينها لتكون بمثابة ذريعة للتدخل الأجنبي الذي عبرت عنه حملة حلف الناتو على ليبيا.

في ذلك الوقت بالتحديد بدا جليا أن الجامعة العربية قد انتقلت وبشكل نهائي من الحاضنة المصرية إلى الحاضنة القطرية. وهي نقلة باركها المال السياسي وتخللها الكثير من الصفقات المشبوهة. وهي الصفقات التي أدت إلى أن تقود قطر وفد الجامعة العربية إلى مجلس الأمن والذي ذهب مطالبا بالتدخل العسكري الأجنبي على غرار ما حصل في ليبيا، في إشارة إلى حملة الناتو. في الحقبة المصرية كانت الجامعة العربية تتأخر عن الأحداث، تتباطأ في اتخاذ قراراتها، فكان أن اتخذ وجودها طابعا رمزيا. شيء من الماضي يذكر الدول العربية بأن هناك كيانا منسيا يمكن أن يشكل سقفا يجمعها ولو على مستوى احتفالي. أما في الحقبة القطرية (بضمنها سنوات مبارك التي مهدت لها) فقد صارت الجامعة العربية تعمل في سياق ما هو مطلوب غربيا، وبالأخص ما تكون الولايات المتحدة راغبة في أن تجد له غطاء عربيا. وهو دور خطير ما كان للجامعة العربية (المؤسسة الميتة أصلا) أن تتصدى للقيام به لولا حالة الانهيار التي تمر بها الدول العربية الكبرى في مقابل صعود دولة صغيرة مثل قطر، صارت تستعمل المال لشراء مواقف الدول العربية الأخرى.

إن استبدال ممثلي دولة بممثلي معارضة تلك الدولة إنما يعبر عن حالة الهزال وانعدام الوزن والرثاثة التي وصلت إليها الجامعة العربية على المستوى القانوني والسياسي. هناك مئات الطرق، يمكن للجامعة العربية أن تلجأ إليها للتعبير عن مؤازرتها للشعب السوري في ثورته وعن موقفها المناوئ للعنف الدموي الذي يمارسه النظام. لكن المساس بثوابت الجامعة القانونية لا يشكل واحدة من تلك الطرق ولا يخدم مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة والحياة السياسية السوية، بعيدا عن احتكار السلطة من قبل شخص أو حزب بعينه. فإذا ما كان تعليق عضوية سوريا في الجامعة هو الخطأ الذي أدى إلى انقطاع سبل الحوار مع النظام الحاكم في دمشق، فإن تسليم مقعد الدولة السورية إلى معارضي النظام إنما ينذر بقيام كيانين سياسيين سوريين. الأول على الأرض السورية والثاني تحتضنه الجامعة العربية بين أروقتها وملفاتها وصفقاتها وأحلام رعاتها.

عن طريق هذا الإجراء المنفعل والذي لا يتصف بالعقلانية السياسية انضمت الجامعة العربية إلى قائمة المنادين برفض أن يكون الحوار السياسي بين الأطراف المتصارعة حلا للأزمة السورية. وهو موقف يتسم بالتهور والمراهقة السياسية وعدم الشعور بالمسؤولية، ما كان ممكنا وقوعه لولا ضباب الحقبة القطرية التي انتقلت إليها الجامعة بعد انهيار الدول الحقيقية التي يعود إليها تاريخيا الفضل في قيام تلك المؤسسة.


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندينية.