نحو كتلة تاريخية يمنية
الأربعاء, 20-مارس-2013
فيصل جلول -
ألقت صحيفة “المصدر أون لاين” في عددها الصادر في 16 مارس/ آذار الجاري، وهي مقربة من المعارضة اليمنية السابقة للرئيس السابق علي عبدالله صالح، الضوء على الأصل العائلي وصلات القرابة لدى بعض ممثلي لجنة الحوار الوطني الذين ينتمون إلى مختلف أطراف الحوار، وقد تعدى الأمر الإخوة إلى الأبناء والآباء، ومن بين المذكورين: صالح علي عبد ربه القاضي، انتصار علي عبدربه، نشوى علي عبد ربه القاضي، أحمد صالح سيف المصعبي، أحمد عبدالكريم سيف المصعبي، رضية شمشير واجد علي، بحرية شمشير واجد علي، باشراحيل هشام محمد باشراحيل، تمام محمد علي باشراحيل، حميد عبدالله بن حسين الأحمر، صادق عبدالله بن حسين الأحمر، حمير عبدالله بن حسين الأحمر، أحمد أبو بكر بازرعة، عيدروس أبو بكر بازرعة، ناجي عبدالعزيز الشايف، محمد ناجي الشايف، عبدالرحمن محمدعلي عثمان، أروى محمد علي عثمان، يحيي محمد الشامي، زكريا يحيي محمد الشامي، أمين أحمد حسين الغيش، خالد أمين أحمد الغيش ثريا أمين قاسم دماج، مطيع أحمد قاسم دماج، عبدالكريم قاسم دماج، علي ناصر قائد البخيتي، محمد ناصر البخيتي، لمياء أحمد عبدالرحمن شرف الدين، أحمد عبدالرحمن حسن شرف الدين، محمد عبدالقادر عمر الجفري، عدنان عمر الجفري، صالح علي عمر باصرة، محسن علي عمر باصرة .

والذين يعرفون اليمن جيداً يدركون أن الأسماء المنشورة تنتمي إلى مختلف الجهات اليمنية، بما في ذلك جنوب البلاد الذي يقدم عادة في وسائل الإعلام، بوصفه مثالاً لمجتمع الأفراد المجردين من الانتماءات ما قبل الرأسمالية .

ربما تضمر هذه الإشارة في خلفية تفكير الصحيفة الناشرة ملاحظة جوهرية، مفادها أن شرط تجريد السلطة الحالية من العائلية وصلاة القرابة للموافقة على المبادرة الخليجية، وبالتالي على الحوار الوطني لا يستوفي أي شرط في لجنة الحوار، أي في الهيئة التي من المفترض أن ترسم مصير اليمن بلا سلطة قرابية أو جهوية، وبقدر كبير من الحكم اللامركزي الذي يدفعه البعض باتجاه الفيدرالية في ما يتعلق بجنوب اليمن .

وكانت صحف يمنية معارضة قد نشرت في وقت سابق، أن الرئيس عبدربه منصور هادي عين 125 شخصاً مقرباً، وأن عدداً وافراً منهم من محافظته أبين، في مواقع مهمة في إدارة البلاد، الأمر الذي نفته صحيفة “26 سبتمبر” الرسمية وحملت على ناشريه، سوى أن التدقيق في القسم الأكبر من الأسماء يسمح بتأكيد ما ماذهبت إليه صحف المعارضة التي تزعم النطق أيضاً باسم الثورة .

والحق أن السجال القرابي جدير بالعناية في بلد قبلي، لكن صلات القرابة ليست جوهر المشكلة التي تضرب اليمنيين، فهم يعانون “ثالوث المرض والفقر والجهل”، بحسب كلمة الرئيس هادي في افتتاح جلسة الحوار الوطني، والباقي ذكره الرئيس في حوار سابق، إذ قال “إن 70 في المئة من مشكلات اليمن ذات منشأ اقتصادي”، بكلام آخر يمكن القول إن اليمن يعاني ثالوثاً خطراً، هو نتيجة وسبب لمشكلة اقتصادية مستقرة منذ عقود، ما يعني أن شح الموارد الاقتصادية يضعف قدرة السلطة اليمنية على محو الأمية والتصدي للجهل ومكافحة المرض والفقر، وبالمقابل فإن الفقر والجهل والمرض يضعف قدرة السلطة على تنمية مواردها الاقتصادية، ما يؤدي إلى انعقاد حلقة مفرغة يخفق المعنيون في كسرها، فيهربون نحو تفسيرات أخرى قرابية وعشائرية .

وإذا ما أردنا تصويب النظر إلى المشكلات اليمنية الجهوية المستعصية مثل قضية صعدة وقضية الجنوب، نلاحظ أيضاً أنها ذات منشأ اقتصادي، حيث لا يكف الحوثيون عن القول إن مشكلات منطقتهم ناجمة عن إهمال الدولة اليمنية لمدنهم وقراهم بعد ثورة 1962 الجمهورية، وأنهم عوقبوا اقتصادياً من جراء انقسامات ما قبل الثورة . ويقول ممثلو الحراك الجنوبي أيضاً إن مشكلتهم اقتصادية، وإن الدولة تصرفت إزاءهم بعد حرب العام 1994 بمنطق المنتصر والمهزوم، وألقت بموظيفهم وضباطهم على قارعة الطريق .

من المفيد إذاً، الاتفاق على تفسير الرئيس عبد ربه لجوهر المشكلة في بلاده هذا التفسير الذي يحظى بمباركة مجلس تعاون دول الخليج والمجتمع الدولي، وأيضاً المبعوث الأممي جمال بن عمر، ذلك أن الإجماع على وصف المشكلة وتحديد طبيعتها يسهم في إيجاد حلول ملائمة لها، وهي تنقسم إلى قسمين، الأول راهن ومرحلي، ويقضي بتوفير قروض عاجلة من الصناديق الإقليمية والدولية لإدارة الدولة والمرافق العامة، وتغطية تكاليف حلول اقتصادية مؤقتة للمشكلتين الحوثية والجنوبية، والثاني على مدى استراتيجي، ويقضي بوضع خريطة طريق تاريخية للقضاء على ثالوث الخطر الذي ورد ذكره آنفاً .

والواضح أن طريق الحل يجب أن يسير عليه كل اليمنيين وليس قسماً منهم، فقد بينت التجارب السابقة أن التنمية والتقدم يحتاجان إلى كتلة تاريخية تمثيلية لكل قوى اليمن من دون استثناء . فمادامت المشكلة اقتصادية فهذا يقتضي زيادة الموارد والثروة والزيادة لا تتم إلا بتجميع كل قوى اليمن في مشروع وطني واحد، وحتى تجتمع هذه القوى وتستثمر اجتماعها لا بد لها من حافز اقتصادي وسياسي، أي الإفادة من منافع التنمية عبر التمثيل السياسي والمدني في إطار كتلة تاريخية اعتمدتها كل الشعوب العاقلة لطي صفحات الحروب والكوارث الطبيعية .



*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.