بدائل انهيار الدول . . دينية ومتوازية مع “إسرائيل”
الخميس, 14-مارس-2013
أمينة أبو شهاب -
حديث هنري كيسنجر عن حرب حتمية تلوح في الأفق بين الجيش المصري والإخوان المسلمين، وتصريح إيهود باراك أن سوريا هي في طريقها إلى الاختفاء في المستقبل القريب، يعبران كلاهما، وإن قيلا بشكل منفرد، عن أمنيات واشتياقات “إسرائيلية” وكأنها في طريقها إلى التحقّق والتحول إلى واقع سياسي . لماذا هما أمنية “إسرائيلية” أو تعبير عنها؟ السبب الأول لأنهما يدوران حول تحقيق مصلحة “إسرائيلية” عليا ومنجز لا يقدّر بثمن، ويتمثل في ظهور محيط عربي حول دولة “إسرائيل” خالٍ تماماً من الدول، وما كان دولاً قوية في تجسيدها للتحديات الجدية ل”إسرائيل” . أما السبب الثاني فيكمن في أن محتوى الحديثين والحتمية التي يخلصان إليها، يرتبط بالمقولة السياسية الصهيونية الثابتة وهي أن الدولة العبرية هي الدائم الوحيد سياسياً وسط محيط من عدم الاستقرار السياسي والهلامية والسيولة المستمرة، ووفرة عوامل الصراع والتقاتل المميت وتصفية الحسابات .

الحديث “الإسرائيلي” عن نهاية سوريا الدولة العريقة والقديمة قدم التاريخ نفسه التي استمرت عبر العصور كلها، وما قاله كيسنجر عن حرب أهلية مقبلة بين الجيش المصري والإخوان مستقبلاً، وفي حاضر دولة تبدو عليها كل مظاهر الانهيار والتفكك الداخلي، هذا إلى ما حدث للعراق في خلال العشر سنوات الماضية، يصبّ كله بالطبع في الحتمية التاريخية اليهودية التي قامت عليها الدولة الصهيونية . ف”إسرائيل” وجدت وفق رؤية دينية تاريخية . وها هي أحداث التاريخ حولها وفي محيطها الجغرافي، لا تعطيها القوة والتمكين والمستقبل وخلافةَ الأرض وخلافة تلك الدول التي تنهار متساقطة بمفاهيمها وأنماط توجهاتها السياسية السابقة، مثل العراق، أو تهتز وتجتاحها الفوضى، وتواجه احتمالات مجهولة وخطرة مثل مصر، أو “تختفي” مستقبلاً مثل سوريا، وإنما أيضاً، ووفق المنطق الصهيوني والاستعماري، يكتسب المشروع الصهيوني مشروعية جديدة وتحقّقاً فاصلاً، هذا التحقق يستمده من منطق “البقاء للأصلح”، وكأن التاريخ يتخذ بداية جديدة له في هذه المنطقة .

تصريحا كيسنجر وباراك المتزامنان لم يصدرا بالطبع في شكل الأمنية المباشرة، وإنما جاءا في صيغة القراءة للمنطق السياسي للأحداث في مصر وسوريا والمنطقة كلها، وضمن الديناميكيات “الظاهرية” و”المفترضة” لمفاعيل التدمير الذاتي الداخلي وعوامل الصراع المتفاعلة بقوة وشراسة وبطاقة متسارعة تصل إلى المآلات التي تحدثت عنها الشخصيتان السياسيتان اليهوديتان .

إن كانت الدول العربية الكبرى تاريخياً (العراق، مصر، سوريا) قد سقط بعضها أو في طريقها إلى السقوط، فإن العامل المشترك في انهيارها وتفكيك مؤسسة الدولة فيها، هو تحالف قوى سياسية دينية مع الخارج في سبيل الوصول إلى السلطة وإقامة نموذج مختلف من الحكم يقوم على رؤية دينية معينة .

لم تتفكك الدولة العربية القومية أو الوطنية التي نشأت إثر الفترة الاستعمارية والتحررية من تلقاء ذاتها، أو بفعل العوامل الداخلية وتناقضها الحاد، ولم تكن لتتفكّك أو تسقط بفعل ذلك أبداً لولا التقاء أهداف القوى السياسية الدينية مع الخارج في إضعاف الدولة والإطاحة بها .

وفي هذا يمكن فهم كيف يمكن أن تتحول الحرب بين الجيش المصري وجماعة الإخوان إلى صراع مستقبلي ينهي الدولة المصرية، ليس لأن هذه الحرب هي مرحلة حتمية يقود إليها تسلسل الأحداث وتجمع عواملها، بقدر ما هي هدف مرغوب وسيناريو تتشكّل وتحضّر عوامل وجوده . من الملاحظ مثلاً أن دعوة بعض القوى السياسية المصرية الجيش إلى العودة إلى الحياة العامة، قد قوبل على الفور بتهديد قوى دينية حليفة للإخوان بالنزول المكثف إلى الشارع وتحويله إلى ساحة حرب، ومادام الإخوان هم حلفاءَ أمريكا السياسيين الذين جمعهم هدف مشترك هو إبعاد الجيش عن السلطة، فإنهم يبقون أداة مستقبلية في استهداف مؤسسة الجيش، وهي المؤسسة الأقوى في دولة تنحدر إلى الفوضى .

ما هو مصلحة خارجية في هدم كيان الدولة الوطنية، هو أيضاً مصلحة خاصة لجماعات تتسمّى بالدين وهي عابرة بطبيعتها للدول ومقومات وجودها المرتبط بالحدود والجغرافيا المغلقة . تقوم بعض الجماعات بتقويض بنية دولها وتفكيكها وتدمير ما على أرضها من بنيان وإنجازات، وتقوم أخرى وهي في الحكم بالحلول محل الدولة عبر احتلال المواقع فيها، وفي كلتا العمليتين يتلاشى معنى الدولة وتختفي وظيفتها ودورها وتتم الإطاحة بها .

إن كانت القوى السياسية الدينية هي الكفيلة وحدها وبالتعاون مع الخارج بتقويض كيانات الدول، فإن النتيجة المنطقية لهذه التحولات في المنطقة هي أن هذه القوى تقف بالموازاة مع الحتمية الدينية اليهودية وما حققته على أرض فلسطين المحتلة .

فهي مثلها تمتلك برنامجاً ومشروعاً للتحقيق، وتطمح إلى دولة دينية على النمط ذاته، ولطالما كان المشروع الصهيوني في حديث الزعامة الإخوانية مجالاً للمقارنة من قبيل تزكية ما حققه المشروع الإخواني .

ولأن الغرب يريد محيطاً دينياً عاماً في المنطقة، فإن دولة الإخوان المشجَّعَ كثيراً امتدادها عربياً، هي هذه الموازاة والتجاور المسالم مع الوجود “الإسرائيلي” .

إن دولة الإخوان البديلة لما كان من دول، هي الضمانة لأمنٍ “إسرائيلي” مستديم، كما ضمنه مع حماس الرئيس مرسي .


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.