أوروبا وإمدادات الغاز الروسي
الأربعاء, 13-مارس-2013
د . محمد الصياد -


منذ سقوط الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينات القرن الماضي وموضوع الطاقة ثابت على أجندة إدارة وتسوية الخلافات بين روسيا (وريثة الاتحاد السوفييتي) وأوروبا المؤتلفة أساساً في الاتحاد الأوروبي حول مواضيع الطاقة . فلقد افترض الأوروبيون، وسعوا حثيثاً في الواقع، للإفادة من الانقلاب الذي حدث في السياسة الاقتصادية الروسية، من اقتصاد الدولة الموجه إلى اقتصاد السوق الحرة المنفلتة العقال، والحصول على امتيازات أفضل في ما يتعلق بالتمكين من النفاذ إلى سوق الطاقة الروسي الغني بالنفط والغاز، وتحرير تجارة الترانزيت لنقل النفط والغاز بواسطة شبكة الأنابيب العابرة للحدود . ولهذا الغرض تم إنشاء اتفاق ميثاق الطاقة في عام 1991 وتمت المصادقة عليه رسمياً في ديسمبر/ كانون الأول 1994 كإطار للتعاون بين بلدان أوروبا الغربية، لاسيما المؤتلفة في الاتحاد الأوروبي والبلدان التي كانت تنتظم الاتحاد السوفييتي السابق وحليفاته بلدان أوروبا الشرقية، من أجل تأمين الاستقرار في أسواق الطاقة الأوروبية وضمان عدم حدوث أية انقطاعات أو اضطرابات في إمدادات الطاقة، لاسيما إمدادات الغاز والنفط من الشرق إلى الغرب الأوروبيين، الذي أُتبِع فيما بعد ببروتوكول خاص بتجارة المنتجات العابرة (ترانزيت)، حيث شكلت هذه القضية محور الخلاف فيما بعد بين روسيا والاتحاد الأوروبي الذي أراد من خلال هذا البروتوكول الملحق بميثاق الطاقة الحصول على التزام الدول الأعضاء، وبالأخص روسيا، بتسهيل تجارة عبور منتجات الطاقة (والمقصود هنا تحديداً نقل النفط والغاز بواسطة الأنابيب العابرة للحدود) عبر أراضيها، انسجاماً ومبدأ حرية العبور ولضمان سلامة تدفق الإمدادات العابرة الحدود . ولذلك فلقد كان الخلاف الروسي الأوروبي الغربي حول تسهيل تجارة عبور (ترانزيت) النفط والغاز، وتمكين رؤوس الأموال من النفاذ إلى أسواق الطاقة الأوروبية . وكل ذلك نتيجة للدور المحوري الذي تلعبه روسيا في قطاع الطاقة الأوروبي .

وقد أثار التوسع الاستثماري المتنوع لشركة غاز بروم الروسية في قطاع الطاقة الأوروبي، انزعاج الحكومات الأوروبية من “غازبروم” التي قررت على ما يبدو وضع حد لهذا التوسع بشن حملة تشهير إعلامية ضد غازبروم بأنها تفتقد إلى الشفافية في هيكلها التنفيذي بما يشمل ذلك تعاقداتها الأوروبية مع الشركاء والوكلاء المحليين الأوروبيين، وبأن تعاقداتها المشتركة مع الشركاء والوكلاء الأوروبيين لا تتوفر على قيمة مضافة بقدر جمعها أرباحاً طائلة، حتى الكونغرس الأمريكي عقد في العام الماضي جلسة استماع مخصصة لغازبروم والدعم الذي تتلقاه من الكريملين . كما بدأت مفوضية الاتحاد الأوروبي في بروكسل مؤخراً تحقيقاً حول ما إذا كانت “غازبروم” قد خرقت القوانين الأوروبية المضادة للاحتكار في بلدان شرق ووسط أوروبا . والقصد ينصرف هنا إلى العقود طويلة الأجل لبيع الغاز الروسي (تصل إلى ما بعد 2025 - 2030) التي تعطي غازبروم فرصة لتعلية أسعارها . وتُبرز غازبروم العقود طويلة الأجل بحاجتها للتمويل المكلف لعملياتها التطويرية والاستكشافية في منطقة القطب الشمالي . ويشمل تحقيق المفوضية الأوروبية ربط غازبروم منح حسومات سعرية لدول وسط أوروبا بتأييدها لمشروع خط غازبروم “الخط الجنوبي” العابر لمياه البحر الأسود بدلاً من مشروع أنبوب غاز نابوكو المدعوم من الاتحاد الأوروبي .

وتحرض بلدان الغرب الأوروبي شريكاتها في الاتحاد الأوروبي، بلدان أوروبا الشرقية، للضغط على غازبروم من أجل العمل بأسعار السوق الفورية بدلاً من أسعار العقود طويلة الأجل التي تربطها غازبروم بأسعار النفط المرتفعة .

وهكذا فإن البلدان الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تعمل بشتى السبل من أجل تقليص اعتمادها الكبير على الغاز الروسي . وقد حفزتها طفرة غاز المكامن الصخرية أو غاز السجيل في الولايات المتحدة، على فتح المواجهة مع غازبروم، إلا أن التكاليف البيئية المكلفة لاستخدام تكنولوجيا استخلاص غاز السجيل في أوروبا، قد جعلت آفاق هذا الغاز في أوروبا أقل إيجابية مما كان متوقعاً . ولكن أوروبا ماضية في سياستها المتعلقة بمستقبل استهلاك الطاقة لديها، بما في ذلك تقليل اعتمادها على الغاز المستورد من روسيا، ويشمل ذلك ربط بلدان القارة بشبكة أنابيب لنقل الغاز وإنشاء سوق أوروبي متكامل لتجارة الغاز، والبحث عن مصادر جديدة لإمدادات الغاز، بما في ذلك الاعتماد أكثر على واردات الغاز الطبيعي المسال وتقليل الاعتماد على واردات الغاز عبر الأنابيب، وكذلك رفع نسبة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة لاسيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في مزيج الطاقة الأوروبي، وربط النسبة المسموح بها للمستثمرين الروس في ملكية الشركات الأوروبية بالنسبة التي تسمح بها روسيا للمستثمرين الأوروبيين . بل إن الأوروبيين لا يستثنون خيار استيراد الغاز من إيران عبر ما يسمى بخط الأنابيب الفارسي، مع أن روسيا سبقتهم في استمالة الإيرانيين لاستخدام الأراضي الروسية لمد شبكة أنابيب نقل الغاز إلى أوروبا .

* خبير اقتصادي

*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاقتصادية.