أمريكا و”الإخوان”
الثلاثاء, 12-مارس-2013
محمد خالد -

في أواخر القرن التاسع عشر تناقش رجل دين مع أحد أساتذة الفلسفة قائلاً: “إن كل شيء في الطبيعة قد تم اكتشافه، وإن أهم الاختراعات قد تم تنفيذها” . اعترض أستاذ الفلسفة قائلاً: “خلال سنوات سوف يكون باستطاعة الإنسان أن يطير في الفضاء” . اعترض رجل الدين قائلاً: “إنها فكرة غير منطقية، فالطيران محجوز لكائنين اثنين: الطيور والملائكة” .

رجل الدين (القسيس رايت) كان والداً لطفلين سيدخلان التاريخ كمخترعين للطائرة أسمهما الأخوان رايت: أورفيل وويلبور .

ميزة التطور أن الأبناء لا يتقيّدون بإنجازات آبائهم فلكل جيل طموحاته الخاصة وبصماته المتميزة .

يغرد طائر الشوك قبل أن يموت بيوم واحد فقط، بحيث تكون تغريدته الأولى هي تغريدته الأخيرة . إنه مثل الفدائي الفلسطيني الذي يزنّر خصره بالديناميت فتكون معركته الأولى هي معركته الأخيرة . . طائر الشوك والفدائي الفلسطيني يحملان جواز سفر موحداً .

في الخريف العربي غاب طائر الشوك وحلّت محله جماعة “الاخوان” في بلد الكنانة مصر، وحين تسلّموا الحكم كشروا عن أنيابهم وانقلبوا على كل ما وعدوا به .

وأول سقوط لهم هو الشعار البراق الذي عاش معهم في أقبية الزنازين والمنافي: “الإسلام هو الحل”، إذ أثبتوا بتصرفاتهم أن الإسلام بحاجة إلى حل بعيداً منهم، فالإخوان المسلمون هم ضد كل الرموز المصرية البراقة: (المثقفون - الليبراليون - اليساريون - المسيحيون - المرأة - العلم - الفنون - الموسيقا - الشعر - المسرح - النحت - الرسم - الغناء . .) .

هم ضد الديمقراطية، فالحكم بالنسبة إليهم ليس المشاركة بل سيطرة كاملة . مصر وطن لكل المصريين وليست مزرعة للإخوان يفقسون فيها عُقد 80 سنة من البعد عن الحكم تحت الأرض في ظلام دامس، وعندما تسلّموا الحكم أخذوا الظلام معهم إلى كرسي الحكم .

لقد أخذتهم العزة بالإثم عندما أبرموا مع أمريكا حلفاً أصبحوا فيه الركيزة الجديدة الإضافية لأمريكا في الشرق .

اثنان لا يرجعان إلى الوراء: العمر والأسعار .

اثنان لا يتقدمان إلى الأمام: البارحة والإخوان المسلمون .

ثلاث قلاع عربية يتم تدميرها:

- العراق تم تدميره من الخارج .

- سوريا يتم تدميرها من الداخل والخارج .

- مصر تجرى محاولة تدميرها من الداخل بحلف “إخواني - أمريكي” .

في مصر خصوصية ساطعة مثل عين الشمس لا يستطيع غربال الإخوان المسلمين تغطيتها بتعصب الجهل ونكران الحقيقة، إنها وجود الأقباط في مصر قبل الفتح العربي ودخول الإسلام إلى مصر لاحقاً، وهو وجود أصيل . وعندما تعرب الأقباط ازدانت مصر بتلاحم المسيحية والإسلام برباط أخوي رائع المثال، لذلك فإن تجاهل الإخوان المسلمين هذه الرابطة هو جهل فاضح لحقائق التاريخ، وهو إنذار ساطع من أحد فطاحل شعراء الجاهلية موجه إلى عنجهية الإخوان المسلمين: (فنجهل فوق جهل الجاهلينا) .

لذلك حذار:

* ليست الكنيسة القبطية مكاناً لإنتاج الخائف، وليس المسجد مكاناً لإنتاج المخيف .

* كذلك ليست الكنيسة فقّاسة المرعوب، وليس المسجد حاضنة المرعب .

أقباط مصر عروبيون حتى العظم وهم جزء أساسي وأولي في نسيح مصر بغض النظر عن العدد أو اللون أو المذهب أو الدين، فعلى الإخوان المسلمين أن يزنوا ذلك بميزان الذهب لا بميزان التعصب الديني الأعمى .

- “الإسلام ليس دين كشّافة وفُتوّة، ولا حاكمية، ولا نظام خاص . . إنه دين لا دولة ملثمين”، شكراً رشيد الخيون .

- “جئنا إلى الحكم بدعم أمريكي مقابل تعهدنا الالتزام بأمن “إسرائيل””، تصريح الإخواني الأول خيرت الشاطر لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية .

أسوأ أنواع الهزائم هو أن تهزم نفسك قبل أن يتولى عدوك ذلك .

السياسي هو سيد الكلمة التي لم يقلها . . المثقف هو سيد الكلمة التي قالها .

الآن جاء دور المثقف الحقيقي ليقول كلمته بغض النظر عن اتجاه الريح .

لقد سقط الخوف وسقط معه الطغاة والجلادون، بعضهم دفن تحت الأرض، وبعضهم دفن نفسه فوقها بانتظار أن ينزل مترين تحتها .

صحيح أن مرحلة الانتقال من الديكتاتورية والطغيان إلى مرحلة الديمقراطية والاستقرار مازالت مرحلة رجراجة يصعب التكهن بطولها أو اتجاهها، ولكنْ في النهاية ستكون الأمور في مصلحة الشعوب . في النهاية، لا يصح إلا الصحيح .

كل إنجاز عربي - مهما عظم - سيظل ناقصاً إلى أن تتحرر فلسطين وتزول دولة “إسرائيل” من الوجود (سلماً أو حرباً) . . هذا هو الأساس والباقي خرز ملون .



*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.