كيف ننتصر للغتنا؟
الاثنين, 11-مارس-2013
جودت فخر الدين -
اللغةُ العربيةُ اليومَ في حاجة إلى محبّيها، الذين يشعرون بالمشكلات التي تعانيها في الاستعمال . إنها في حاجة إليهم لكي يتصوّروا حلولاً لتلك المشكلات، لا لكي يواصلوا تباكيَهم على أمجاد لغتهم، وتذمّرَهم مما آلتْ إليه هذه اللغة لدى الناطقين بها، الذين يستمدّون منها الوجهَ الحقيقي لهويّتهم .

كانت اللغة العربية ولاتزال تتمتّع بمزاياها التي وفّرتْ لها موقعاً فريداً بين اللغات الحيّة قديماً وحديثاً . وليس هنالك من يشككُ في قدْرتها على التطوّر ومجاراة العصر واستيعاب مستجدّاته على أنواعها . ليس هنالك من يشككُ في ذلك، وإنْ كان من السهْل بالنسبة إلى أي كان أنْ يلاحظَ تراجُعَ هذه اللغة في الاستعمال . والمعنيّون بهذا الأمر همْ بلا شكّ العرب، الذين همْ عربٌ انطلاقاً من لغتهم، أو بسببها أوّلاً وأخيراً .

إنّ من يتقصّى واقعَ اللغة العربية اليومَ يجدُها - ويا للأسف - ضعيفةً، حيث ينبغي أنْ تكون قويةً ومتفتّحةً وزاهية! كيف هي الآن، على سبيل المثال، في مؤسسات التعليم وفي مؤسسات الإعلام؟ لماذا تناقصَ مُتْقِنو هذه اللغة على نحْو مخيف لدى معلّميها قبلَ طلابها؟ ولماذا لا نصادفُ، إلا في ما ندَر، مُتْقِناً لهذه اللغة بين العاملين في وسائل الإعلام التي تخاطبنا ليلَ نهار؟! ولماذا يتدنّى مستوى إتقان هذه اللغة - وهنا الفاجعةُ الكبرى - حتى في استخدامها من قِبَل الأدباء، ومختلف الكتّاب؟

النهوض بلغتنا هو عاملٌ أساسي من عوامل نهوضنا بعامّة . وهذا الأمرُ يستشعرُهُ بعض المثقفين والمفكرين العرب ويدْعون إلى التصدّي له . والمنطلَقُ في ذلك هو السؤال الآتي : كيف لنا أنْ نفكرَ وأنْ نُبْدعَ إذا لم نمتلكْ جيداً اللغةَ التي نفكرُ ونبدعُ من خلالها؟ ويمكن للسؤال أنْ يتّخذَ الصيغةَ الآتية : كيف لنا أنْ نجعلَ من لغتنا العربية لغةً مؤاتيةً لإنتاج المعرفة، لإنتاج الأفكار والأعمال الفنية في هذا العصر، الذي عرفتْ حياتُنا فيه تغيرات هائلةً بفعل التأثيرات الوافدة من كل صوْب؟

إنّ لغتنا العربية التي نعتز بها ونعدها العنصرَ الأساسي لهويّتنا الحضارية باتت تشكو من ضعف امتلاكنا لها . ومن دون تحسيننا لهذا الامتلاك وجعلِهِ أفضلَ مما هو اليوم، سوف نظل نعاني التخلف في مجالات الإبداع والمعرفة على أنواعها .

إنّ مؤسساتنا المعنية بهذا الشأن مُقصرةٌ جدّاً . فكيفية تعليم اللغة العربية في المدارس والجامعات تبدو قليلة الفائدة، بل هي غالباً ما تُنفرُ التلاميذ والطلاب من تعلم هذه اللغة . من ناحية ثانية، لم تستطعْ مجامعُ اللغة العربية أنْ تدفعَ بلغتنا إلى الأمام، بل هي لم تستطعْ أنْ تكونَ فعّالةً في مجال البحث عن حلول ناجعة لمشكلاتنا اللغوية .

إضافةً إلى الجانب التربوي، هنالك جوانبُ أخرى لمشكلتنا اللغوية، منها على وجه الخصوص الجانبُ المتعلقُ بالطاقة الإبداعية للغة . فانطلاقاً من ثقتنا بلغتنا وبإمكاناتها الكبيرة، ينبغي لنا طرْحُ السؤال الآتي : لماذا لا يكون لنا في لغتنا العربية ما يضارعُ أو يفوقُ الإنتاجات الإبداعية في مختلف اللغات العالمية؟ فعلى سبيل المثال لا الحصْر، في مجال الفلسفة أو الفكر بعامة، لا نجدُ من الكتّاب العرب من يحظى بمكانة عالمية ملحوظة . وبعض الكتّاب العرب في هذا المجال يفضلون الكتابة بلغة أجنبية على الكتابة باللغة العربية . هل المشكلة هنا تقعُ لدى الكاتب نفسه، أم هي ناتجةٌ عن صعوبات التعبير باللغة العربية؟ هذا واحدٌ من أسئلة كثيرة يمكن طرْحُها على هذا النحْو، لتشملَ جميع المجالات الثقافية، علميةً كانت أو أدبيةً أو فكريةً . . . أو غير ذلك .

المشكلة في ظني ليست في قلّة الأفراد المبدعين، وليست في اللغة بذاتها . وقد يقولُ قائلٌ إنّ المشكلة حضاريةٌ عامّة، وإنها معقّدةٌ جدّاً، ذات جوانبَ سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية . . . وما إلى ذلك . ومثل هذا القول ليس بعيداً عن الصواب، ولكنه لا يمنعُ الغيورين على اللغة من القيام بعمل ما، ولو كان على سبيل التنبيه، أو على سبيل التحريض للسعْي إلى تحسين واقعنا اللغوي .

عمليةُ التغيير والنهوض شاقّةٌ وطويلة، وهي تحتاج إلى إمكانات كبيرة، وإلى مؤسسات متنوّرة تفتحُ صدرَها لاحتضان الكفاءات الفردية . ولكنْ، إلى أنْ يتوفّرَ ذلك كله، على أصدقاء اللغة أنْ يتنادَوْا في ما بينهم، لكي يتبادلوا هواجسهم على الأقل . ويكفي لهذا التنادي كي يكون مثمراً أنْ يضعوا تصوّراً لمشروع ينهضُ بواقعنا اللغويّ .


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.