قمة تحالف الحضارات.. التعصب مشغل عالمي
الثلاثاء, 05-مارس-2013
الميثاق إنفو -

تسعى قمة تحالف الحضارات التي عقدت في فيينا لمدة يومين "26-28 شباط/فبراير" تحت إشراف الأمم المتحدة، إلى تعزيز التسامح والشمولية العالمية للحضارات، والتحذير من خطر التعصب الديني والعرقي، في ظل إصرار دول موقّعة على مواثيق الأمم المتحدة، على تنفيذ قوانين وممارسات تقيّد الحريات الدينية.

يضم تحالف الأمم المتحدة للحضارات أكثر من 130 دولة ومئات الآلاف من المنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء العالم. وأنشئ هذا التحالف من أجل تعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات في محاولة للتقريب بين الثقافات والمجتمعات.

ووجه قادة الدول المشاركة في قمة المنتدى العالمي الخامس لتحالف الأمم المتحدة للحضارات – إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ورئيس المنتدى ناصر عبد العزيز النصر- تحذيرا من أن تؤدي مخاطر التعصب والتطرف إلى استبعاد فئات معينة.

وقال النصر "إننا نعيش اليوم في عالم الكره والصراع والتعصب، وفي بعض المجتمعات ينظر إلى الثقافة على أنها مصدر للانقسام بدلا من مسار إلى الشمول والسلام، ونشهد تعصبا دينيا خطرا. وفي بعض البلدان يساء للرموز الدينية وتحرق الكتب الدينية. وشدد النصر على حتمية العمل لتعزيز السلام والتسامح.

عقبة القوانين

وفي حين بدأت المناقشات حول أفضل أشكال بناء الجسور الثقافية، أعرب بعض المشاركين عن قلقهم إزاء القوانين السارية في كثير من الدول، بما في ذلك البلدان المشاركة في اجتماع فيينا. فقال الحاخام آرثر شناير، رئيس "مؤسسة نداء الضمير"، يجب التحقق من كل القوانين في كل الدول المشاركة في تحالف الأمم المتحدة للحضارات، وذلك لمعرفة ما إذا كانت تتماشى مع مواثيق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

ومن جانبهم تحدث الزعماء الدينيون المجتمعون في المؤتمر عن الأقليات في كثير من البلدان في جميع أنحاء العالم وكيف أنها تواجه مشاكل مستمرة، بما في ذلك اضطهاد المسيحيين في الشرق الأوسط، والعنف ضد المسلمين سواء من جانب المسلمين الآخرين أو الجماعات الدينية المختلفة. وحذروا أيضاً من تقنين الاضطهاد الديني سواء من خلال القوانين أو السياسات فقال بريان غريم من "مركز بيو للأبحاث" الذي يبحث في الحريات الدينية، أن الأهالي يواجهون في ثلث دول العالم قيوداً عالية أو عالية جداً على الدين.

وأضاف أن المركز قد برهن على وجود علاقة قوية جداً بين أنواع معينة من العمل الحكومي لتقييد الدين والأعمال العدائية الاجتماعية. وأكد غريم أن هذه القيود تنتشر في كثير من الأحيان عبر الحدود، مستشهدا بمثال عن رجل من المملكة العربية السعودية فر من البلاد في أعقاب إرساله تغريدة اعتبرت إلحادا، واعتقل في ماليزيا وتم تسليمه إلى المملكة العربية السعودية.

هذا وتعرف بعض الدول بقوانينها القمعية الدينية. ويمكن القول بأن المملكة العربية السعودية لديها أكثر القوانين صرامة في العالم بشأن احترام الإسلام وتطبق عقوبة الإعدام عند التغيير إلى الأديان الأخرى أو الإلحاد، وتعرضت منذ فترة طويلة لانتقادات منظمات حقوقية لإنفاذها القمع الديني الحصري. لكنه يجري تطبيق قيود مماثلة في العديد من الدول الأخرى.

التشدد بين الحكومي والاجتماعي

ففي ماليزيا، التي غالبا ما توصف بأنها مجتمع منفتح ومتعدد الثقافات، يؤكد دستور البلاد على وضع سكان الملايو ويذكر الإسلام كدين للدولة وأن جميع الملايو يجب أن يكونوا مسلمين.

كذلك فقد وضعت سياسات الدولة لعدم تشجيع النشاط الديني غير المسلم وتعزيز الإسلام، بما في ذلك رفض الترخيص ببناء الكنائس والمعابد للأديان الأخرى، وعدم منح الأراضي كمواقع دفن لغير المسلمين. علاوة على ذلك، يجري الترويج للتقاليد الثقافية الإسلامية الماليزية علنا وضمنيا على حساب الفئات الصينية والهندية في البلاد وهي التي تشكل أكثر من 40 % من الأهالي الراغبين في الاحتفاظ بثقافتهم. كما أدخلت سياسات اقتصادية لصالح مجتمع الملايو وتفضيلهم على الآخرين في التعليم وبعض المهن.

أما في إندونيسيا، فقد يكون الوضع أسوأ بالنسبة إلى الأقليات. ووفقا لمعهد وحيد، سجل عام 2011 مجموع 93 تحريضا حكوميا على انتهاك الحرية الدينية، مقابل 64 في العام السابق، إضافة إلى حالات موثقة لإغلاق المعابد والكنائس وفرض قيود على بناء دور العبادة.

وفي الوقت نفسه، شهدت كازاخستان -التي أوفدت ممثلا حكومياً رفيع المستوى إلى مؤتمر تحالف الأمم المتحدة للحضارات بفيينا – في 2011 تمرير قانون بشأن عدد الديانات المعترف بها رسميا، مع تخفيض عددها من 46 إلى 17. وفرض القانون على جميع الطوائف الدينية والمنظمات غير الحكومية الدينية إعادة تسجيل نفسها. كما فرض موافقة الدولة على جميع المؤلفات الدينية قبل استخدامها وتوزيعها، في حين حظرت الأنشطة الدينية من مؤسسات الدولة والمدارس الثانوية والجامعات. وتولت الشرطة تنفيذ القانون بصرامة.

بواعث تفاؤل

وفي مثال آخر، تم حظر بناء المآذن في سويسرا، والآن يجري تكريس هذا الحظر في دستور البلاد. وفي النمسا – البلد المضيف لقمة تحالف الأمم المتحدة للحضارات – فرض حظر مماثل على المستوى الإقليمي. كل هذه الدول هي أعضاء في تحالف الأمم المتحدة للحضارات.

وعلى الرغم من هذا، حرص الزعماء الدينيون في القمة على التأكيد على أنهم يشهدون تقدما إيجابيا في مساعي معالجة قضايا الحريات الدينية في القوانين. وفي الوقت نفسه، قال مشاركون آخرون إنه على الرغم من النفاق الواضح في التوقيع على تحالف يدين التعصب الديني والإقصاء والاستمرار في فرض القوانين القمعية على الأقليات، فعلى الأقل تعتبر هذه هي الخطوة الأولى لتحقيق تغيير حقيقي في تعزيز الاندماج الاجتماعي. وقال الحاخام شنير "حقيقة أن مثل هذه البلدان قد وقعت على تحالف الأمم المتحدة للحضارات تبين أنها -على الأقل ضمنياً- تتفق مع ما نمثله، لكن الأمور لن تتغير بين عشية وضحاها، فهي عملية تطورية".

واستشهد بمثال الولايات المتحدة "فقد شهدنا التمييز ضد السود والعبودية. والآن لدينا رئيس أفريقي- أميركي لأول مرة، وسوف يكون هناك في يوم من الأيام رئيسة من الإناث. الأمر يتطلب بعض الوقت"، وختم قوله متفائلاً "الإنضمام إلى تحالف الأمم المتحدة للحضارات هو خطوة أولى، بل ووسيلة لتبني معايير المجتمع الدولي. وكل ما نرجوه هو أن تتغير الأمور في نهاية المطاف من خلال الجهود المشتركة من قبل أولئك الذين يؤمنون بالتعايش في المجتمع الدولي".


*. صحيفة العرب اللندنية